ماذا يحدث حين تتكلم الرقابة بالنيابة عن المجتمع والتاريخ؟.. يحدث أن يمنع فيلم مثل "المشير والرئيس"، الإجابة تأتي هكذا ببساطة تتناسب مع عفوية السؤال الذي يبدو أنه تأثر بمآثر الرقابة علي المصنفات الفنية التي لاتنتهي وحرصها علي .. ثوابت لاتحتمل بحجة الاستقرار الأمني، وبهوس "تحسد عليه" الدأب علي انقاذ المواطن المصري من كل شر، وأي كلام بخصوص انتقاد الرقابة وأفعالها يصبح تكراراً ببغائياً وربما يفوق الولع الشديد للرقابة بتنفيذ لوائحها وبرامجها، ولكن مع الحادثة الأخيرة التي جرت لفيلم "المشير والرئيس" يكون الكلام ضرورياً. فيلم "المشير والرئيس" اصبح مؤخراً محوراً رئيسياً في ساحات القضاء، حيث قضت المحكمة الادارية العليا بمجلس الدولة بتأجيل قضية الطعن المقدم من وزارة الثقافة علي الحكم الصادر لصالح المخرج خالد يوسف والسيناريست ممدوح الليثي بأحقيتهما في الحصول علي تصريح بتصوير فيلم المشير والرئيس دون الرجوع إلي الجهات السيادية إلي 15 فبراير الجاري للاطلاع والتعقيب . والحكاية بدأت تقريباً منذ خمس سنوات حين تقدم السيناريست ممدوح الليثي 'رئيس جهاز الانتاج السينمائي' والمخرج خالد يوسف بسيناريو الفيلم إلي جهاز الرقابة علي المصنفات الفنية، والفيلم الذي كتبه الصحفي محمد ثروت يقدم صورة جديدة عن العلاقة التي كانت تجمع الزعيم جمال عبد الناصر بالمشير عبد الحكيم عامر، والطريقة الغامضة التي مات فيها عامر بعد نكسة يونيو 1967. لكنّ الرقابة امتنعت يومها عن الرد وتجاهلت الموضوع. فكان هذا التجاهل دافعاً كافياً ليتوجه الليثي و خالد يوسف إلي القضاء الإداري، مشابهاً. أخيراً، وبعد طول انتظار أصدرت المحكمة قراراً سمحت فيه بتصوير الفيلم. ومع صدور الحكم، المفروض أن الرقابة أصبحت غير مسؤولة سياسياً عن الشريط، ولكن يبدو أن هذا لم يكن أمراً مقنعاً للرقابة ولوزارة الثقافة التي طعنت في الحكم ووقفت حائلاً يمنع الفيلم من الخروج الي النور. ومع هذا الموقف المتشدد الذي يفجر اسئلة من نوع: من يخاف من السينما بهذا الشكل؟ ومن هذا "المهزوز" الذي يرعبه فيلم او صنيع سينمائي؟ .. فانه يتأكد لنا ان الرقابة عبث في ظل التطور التكنولوجي والانفتاح علي كل قنوات المعرفة ويتأكد اكثر ايماننا بضرورة تحرر الفن من أي رقابة سواء كانت أمنية أو دينية أو اجتماعية أو ثقافية، هذا كلام منطقي خصوصاً في ازمنة السموات المفتوحة وتواصل اجيال "الفيس بوك" و"اليوتيوب"، وبالتأكيد هو ينسحب علي جدران الرقابة التي تعرقل فيلم "الرئيس والمشير"، وهو ليس دفاعاً عن فيلم مجهول لاندري ماهو مضمونه أو الاطار الفني والسينمائي الذي سيحتويه، وانما هو دفاع عن فكرة في مواجهة مصير غامض لمجتمع يعيش بقوانين الرقابة الرسمية ورقابة الشارع الأكثر ظلامية، وان كنت حين اتابع "المشير والرئيس" كحدث "فاسوخة" لم يتم حتي الآن، آراه اشبه بنوع من الاستعراض اكثر منه الدفاع عن فكرة حقيقية، وبدأ هذا الاستعراض كما قلت منذ خمس سنوات تقريباً وكثرت كواليسه من اعتراضات برلنتي عبدالحميد "زوجة المشير" الي اعتراضات ابنه "عمرو عبد الحكيم عامر"، الذي شن هجوماً علي الفيلم وهو لم يزل مجرد مشروع تأثراً بأعمال فنية سابقة قدمت المشير بصورة لم ترض عائلته. وان كان هذا الاستعراض يبدو مستفزاً احياناً، لكن بالتأكيد يفرحنا ان يتحقق الفيلم ويري النور ويراه الجمهور، وان ظلت امنيتنا الحقيقية أن يكون عملاً يليق ب"ناصر" و"عامر". [email protected]