وزير الدفاع يتفقد قوات المظلات والصاعقة ويمر على ميدان الاقتحام الجوي وجناح القفز    «النقد الدولي» يبقي توقعاته لنمو الاقتصاد المصري عند 4.1% في 2025 (تفاصيل)    وزير المالية من واشنطن: 3 أولويات لتعزيز البنية المالية الأفريقية في مواجهة التحديات    حزب الله يعلن شن عمليات عسكرية ضد قوات الاحتلال    باحث سياسي: الاحتلال أرجع غزة عشرات السنوات للوراء    موسيالا يعود لقائمة بايرن ميونخ ضد برشلونة فى دورى أبطال أوروبا    رونالدو وماني في الهجوم، تشكيل النصر السعودي أمام الاستقلال الإيراني بدوري أبطال آسيا    بحوزته رشاش جرينوف.. حبس عنصر إجرامى شديد الخطورة 4 أيام على ذمة التحقيقات ب قنا    محافظ كفرالشيخ: تشغيل المخابز على مستوى المحافظة من الساعة ال5 صباحًا يوميًا    شيرين وأنغام ونجوى كرم، تفاصيل أبرز حفلات النجوم بدبي قريبا    إعلام الاحتلال: نتنياهو وبلينكن يعقدان اجتماعا لا يزال مستمرا منذ ساعتين    ولاء الشريف في أحدث ظهور لها من تأدية مناسك العمرة    وصول عدد من الخيول المشتركة فى بطولة مصر الدولية للفروسية    جيش الاحتلال يعتدي على المزارعين الفلسطينيين    الطب الشرعي يفجر مفاجأة في اتهام موظف مدرسة إعدادي بالتح.رش بالطالبات    صلاح البجيرمي يكتب: الشعب وانتصارات أكتوبر 73    حتى عام 2027.. مفاجأة بشأن تجديد عقد محمد صلاح مع ليفربول    حبس المتهمين في واقعة تزوير أعمال سحر ل مؤمن زكريا لمدة 3 سنوات    بسبب القصف الإسرائيلي.. نادين الراسي تغادر منزلها بالبيجاما    خبير اقتصادى: وجود مصر فى مجموعة "بريكس" له مكاسب عديدة    وزير الصحة يشهد جلسة نقاشية حول التعليم كركيزة أساسية لتحقيق التنمية البشرية المستدامة    بعد تحريك أسعار البنزين.. هل أتوبيسات المدارس الخاصة تتجه للزيادة؟    الدفاعات الجوية الأوكرانية تسقط 42 مسيرة روسية خلال الليلة الماضية    النائب العام يلتقي نظيره الإسباني لبحث التعاون المشترك    طرق طبيعية للوقاية من الجلطات.. آمنة وغير مكلفة    مقابل 3 ملايين جنيه.. أسرة الشوبكي تتصالح رسميا مع أحمد فتوح    رسالة غريبة تظهر للمستخدمين عند البحث عن اسم يحيى السنوار على «فيسبوك».. ما السر؟    «سترة نجاة ذكية وإنذار مبكر بالكوارث».. طالبان بجامعة حلوان يتفوقان في مسابقة دبي    وزيرة التضامن ب«المؤتمر العالمي للسكان»: لدينا برامج وسياسات قوية لرعاية كبار السن    وزير التعليم العالي: بنك المعرفة ساهم في تقدم مصر 12 مركزًا على مؤشر «Scimago»    لقاءات تثقيفية وورش فنية متنوعة للأطفال بثقافة الإسماعيلية    ذوي الهمم في عيون الجامع الأزهر.. حلقة جديدة من اللقاء الفقهي الأسبوعي    لهؤلاء الطلاب بالأزهر.. إعفاء من المصروفات الدراسية وبنود الخدمات - مستند    طلقت زوجتي بعد خيانتها لي مع صديقي فهل ينفع أرجعها؟.. وعضو الأزهر للفتوى تجيب- فيديو    حبس سيدة تخلصت من طفلة بقتلها للانتقام من أسرتها في الغربية    رئيس القومي للطفولة والأمومة: 60%؜ من المصريات يتعرضن للختان    ألمانيا تسجل أول حالة إصابة بفيروس جدري القرود    الرعاية الصحية: انجاز 491 بروتوكولًا إكلينيكيًا ل الأمراض الأكثر شيوعًا    حقيقة الفيديو المتداول بشأن إمداد المدارس بتطعيمات فاسدة.. وزارة الصحة ترد    السجن المشدد 6 سنوات ل عامل يتاجر فى المخدرات بأسيوط    رئيس "نقل النواب" يستعرض مشروع قانون إنشاء ميناء جاف جديد بالعاشر من رمضان    رئيس لجنة الحكام يحسم الجدل.. هل هدف أوباما بمرمى الزمالك في السوبر كان صحيحيًا؟    منافس الأهلي - كريسبو: شباك العين تتلقى العديد من الأهداف لهذا السبب    الرئيس الإندونيسي يستقبل الأزهري ويشيد بالعلاقات التاريخية بين البلدين    برغم القانون الحلقة 28.. فشل مخطط ابنة أكرم لتسليم والدها إلى وليد    فيفي عبده تتصدر تريند جوجل بسبب فيديو دعم فلسطين ( شاهد )    رئيس الوزراء الباكستاني يوجه بإرسال مواد إغاثية فورًا إلى غزة ولبنان    مجلس النواب يوافق على تشكيل لجنة القيم بدور الانعقاد الخامس    أمين الفتوى: احذروا التدين الكمي أحد أسباب الإلحاد    وزير الزراعة يطلق مشروع إطار الإدارة المستدامة للمبيدات في مصر    انعقاد مجلس التعليم والطلاب بجامعة قناة السويس    إسرائيل تعلن القبض على أعضاء شبكة تجسس تعمل لصالح إيران    بعد إعلان التصالح .. ماذا ينتظر أحمد فتوح مع الزمالك؟    نائب وزير المالية: «الإطار الموازني متوسط المدى» أحد الإصلاحات الجادة فى إدارة المالية العامة    مواعيد صرف مرتبات أكتوبر، نوفمبر، وديسمبر 2024 لموظفي الجهاز الإداري للدولة    اللهم آمين| أفضل دعاء لحفظ الأبناء من كل مكروه وسوء    إبراهيم عيسى يكشف سبب مطالبة الرئيس السيسي بمراجعة برنامج صندوق النقد    ثروت سويلم: قرعة الدوري ليست موجهة.. وعامر حسين لا يُقارن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجبالي ل'الأسبوع': البعض يتعامل بمنطق الثأر وتصفية الحسابات

عندما ذهبنا إليها في مكتبها بالمحكمة الدستورية العليا كانت منهمكة في قراءة مسودة الدستور كاملة لتدقيق المصطلحات وإبداء الرأي فيها انطلاقًا من كونها مواطنة مصرية.. إنها المستشارة تهاني محمد الجبالي نائب رئيس 'المحكمة الدستورية العليا المصرية'، والتي تُعدُّ أول امرأة مصرية تتولي مهنة القضاء.
تعرضت المستشار 'الجبالي' خلال الفترة الماضية إلي حملات تشويه استمرت لثلاثة أشهر آثرت فيها الصمت وعكفت تكمل عملها في كتاب صدر مؤخرًا يضم دراسة تحليلية حول 'حقوق المرأة الإنسانية من خلال أحكام المحكمة الدستورية خلال عشر سنوات' وعندما آن الأوان للحديث فتحنا معها كل الملفات المهمة والأسئلة التي كانت تبحث عن إجابة في حوار امتد لساعتين، كشفت فيه الكثير من التفاصيل التي تؤكد استقلالية المحكمة الدستورية حتي في عهد الرئيس المخلوع 'مبارك ' وأن المحكمة وأعضاءها يتعرضون لحملة منظمة تهدف إلي هدم المرجعيات القائمة وهو ما يدركه الشعب المصري. وعن الفترة الانتقالية ومرحلة المخاض الكبري التي ما زلنا نعيشها.. وإلي نص الحوار الذي أشارت المستشارة تهاني الجبالي في بدايته إلي أننا ما زلنا في مصر نعيش مرحلة 'مخاض كبري ' ومرحلة فرز للمواقف وتحديد اتجاهات للمستقبل بعضها خطر وبعضها مظلم وبعضها الآخر مشرق ولكنه يحتاج إلي جهد كبير لتحديد معالمه.
منذ يومين خرجت المظاهرات تحت عنوان ' مصر مش عزبة' ما رأيك في هذا الملف؟
بالطبع هو تعبير عن شعور موجود لدي قطاعات عريضة من النخب السياسية والقوي الاجتماعية التي تشعر بأن الثورة تتراجع وأن هناك علي أرض الواقع معارك تسعي إلي الاستقطاب ولا تعبر عن مشروع وطني يجمع ويوحد بقدر ما يؤدي إلي الانقسام وبالتالي فالخروج بالمظاهرات في هذه اللحظة يعني أننا لم نضع القاطرة علي بداية الطريق الصحيح.
ولكن هناك من يتهمها بأنها'جمعة الفلول واليسار'؟
دعونا من الفرز الفردي لأن السقوط فيه يؤدي إلي ضياع الفكرة العامة فبعد الثورات يكون هناك تقسيمات معتادة 'نظام سابق وآخر يتم بناؤه' وهناك من عملوا في النظام السابق ولكنهم لم يَفسدوا أو يُفسدوا، وكانت هناك الجموع التي تعمل وموجودة علي الساحة وكثيرون منهم لن يكونوا مستبعدين في المشهد السياسي لذلك دعونا نقرأ المشهد من خلال 'ثورة يوليو' حين خاضت مهمة محاسبة الفساد السياسي كان لها قانون وآلية محاكمة ثم في النهاية لم تخضع القواعد والجموع الشعبية ولا من شارك في دوائر الدولة لأي شكل من أشكال الإقصاء فكثيرون ممن كانوا قبل ثورة يوليو في المشهد استمروا وكانوا من صناع النهضة بعد يوليو وكانوا موجودين جزءًا من نسيج الوطن والشعب المصري طالما أن ساحتهم بريئة من الفساد.
وهل هذا مطبق حاليًا؟
للأسف ما يحدث الآن هو حالة ' إقصاء مرضي' وهو أمر غريب علي الشعب المصري الذي لم يحاكم حكامه فيما سبق، ورغم أننا سعداء بالمحاسبة ولكن لابد أن نكون فيها عادلين وأن نضع القانون من أجل العدل وليس من أجل التشفي وأننا نسعي للخروج من صفحة الماضي لبناء المستقبل. وأمامنا نموذج محترم لدولة جنوب إفريقيا.
طالما جاء الحديث عن جنوب إفريقيا وقد كنت واحدة من خبراء الأمم المتحدة التي شاركت في مرحلة التحول هناك كيف ترين تلك التجربة؟
هناك مقولة لنيلسون مانديلا بعد أن اختار الطريق العبقري للمصالحة الوطنية بعد النظام العنصري الذي زاد عدد ضحاياه علي خمسة ملايين من شعب جنوب إفريقيا. فقد قال إنه تأسي برسول الإسلام سيدنا محمد ' صلي لله عليه وسلم ' الذي قال عند الفتح الإسلامي لمكة لمن آذوه وطردوه وقتلوا أصحابه ' اذهبوا فأنتم الطلقاء ' وقال: تعلمتها من رسولكم لأني قرأت سيرتكم. ولذلك أري أن هذه التجربة نموذج لقيادة كاريزمية بحجم 'مانديلا ' قام فيها بوضع الجميع أمام مسؤليته وكان يجري المحاكمات للقاتل والقتيل علي مسمع ومرأي من الشعب وأشهرها تلك المحاكمة العلنية للقاضي الدستوري 'البي ساكس ' الذي تعرض لمحاولة اغتيال فقد علي أثرها ذراعه اليمني وحين حوكم قاتله أجري معه محاسبة علي شاشات التليفزيون كانت درسًا في كيفية النهوض من الحالة الثأرية إلي قبول 'المحاسبة القانونية'.
وهل ضللنا عن تطبيق تلك المحاسبة؟
القواعد الناظمة للعدالة الانتقالية منصوص عليها في مواثيق الأمم المتحدة ووقعت عليها كل الدول، والاعتماد عليها يؤدي بنا إلي الوصول للضوابط والمعايير فنحن حين نري أي شخص تعامل مع النظام السابق أو في إطار الدولة المصرية علينا أن نتعامل معه 'بمسطرة العدل' فمن أفسد يحاسب علي فساده ونقتص منه ومن لم يفسد نرحب بدمجه في المشهد السياسي المصري. ولكن الوضع الحالي يشير إلي أن هناك بعض القوي ما زالت تعيش لحظة الثأر وأنها قادرة عليه وكل ما حولنا يحمل في طياته تصفية الحسابات.
إذن انشغلنا بالثأر وتصفية الحسابات وتهنا عن الطريق الذي أدي بنا إلي إجراء الانتخابات قبل وضع الدستور.
إذا كنتم تقصدون دستور مارس، فنحن لا نريد البكاء علي اللبن المسكوب وإن كان يحمل في مجمله الارتباك والسير من مأزق إلي آخر، رغم أن الجميع وقت الثورة خرج منها وهو يشعر بالمساواة وأنه طرف شريك في الفعل والمستقبل ولم يكن هناك رئيس يتسلط أو برلمان به أغلبية يمكن أن تؤثر في صنع القرار، كانت الفرصة في ذلك الوقت مهيأة أكثر للتوافق الوطني النسبي الذي يعالج الاختلالات الكبري بالمجتمع المصري. لكن انشغلنا بأمور كثيرة معقدة أدت بنا إلي أن نضع دستورنا الآن في أسوأ ظروف يمكن أن يوضع فيها دستور في ظل اختلالات سياسية واجتماعية واقتصادية ونوع من الاستقطاب الديني في المقام الاول.
ولكن محاولات فرض دستور قبل وجود رئيس قوبلت بالرفض لاسيما وثيقة السلمي واسمحي لنا أن نسألك: هل كنت أحد مهندسي هذه الوثيقة؟
'تبتسم' وتقول: هذه المقولة تم توظيفها ضمن خطة ممنهجة للهجوم عل َّي طوال الأشهر الماضية وقد واجهتها بالصمت الشخصي لأنني أعتبر هذا تضييع للوقت علي حساب الوطن، ولعلها المرة الأولي التي سأرد فيها علي هذا القول بتوضيح عدة نقاط أهمها:
أنه لا يوجد شيء اسمه 'وثيقة السلمي'، بل كانت وثيقة توافقية صيغت من '9' وثائق صدرت في مرحلة بناء التوافق الوطني ومرحلة الاختيار بين 'الدستور أولا أم بناء مؤسسات الدولة' وكانت هذه الوثائق هي الحل الوسط وضمت 'وثيقة الازهر – وثيقة البرادعي - وثيقة المجلس الوطني – وثيقة المستشار هشام البسطويسي – وثيقة قدمتها التنظيمات الحقوقية – وأخري قدمتها المنظمات النسائية – وثيقة المجتمع المدني'.
وخلال تلك المرحلة كان هناك تجمع يضم 45 من كبار الدستوريين والقانونيين يحاولون البحث عن مخرج من حالة الاستقطاب الحاد التي كانت قد بدت واضحة في هذا الوقت وكنت واحدة من بين هؤلاء الخبراء ومنهم ممثلون عن الوثائق التسع ومنهم من هم موجودون الآن في الحكومة أو بجوار الرئيس. وخرجنا من اجتماعات عمل استمرت شهرًا وضمت 64 ساعة مسجلة كل المناقشات والموافقات المكتوبة من كل من شاركوا في الوثيقة التي خرجت بمبادئ تمت صياغتها من خلال مجموعة من القانونيين منهم الدكتور 'محمد محسوب وامني ذو الفقار وسمير مرقص و نور فرحات و سمير عليش و عمرو حمزاوي' وكثيرون من الشخصيات القانونية حاولت الوصول إلي وثيقة توافقية وتبني الفكرة الجهة التي كانت تدير البلاد في هذا الوقت 'المجلس العسكري' وأوكلوا إلي الدكتور علي السلمي نائب رئيس الوزراء وبناء علي اتفاق بين جميع القوي المشاركة 'إسلامية وليبرالية' والتي لم يكن من بينها حزب الحرية والعدالة لأنه رفض فكرة التوافق علي وثيقة قبل إجراء الانتخابات.
ولكن قيل إن الوثيقة جاءت لتميز القوات المسلحة.
الوثيقة كانت مجموعة من المبادئ التي إذا ما قرأناها مرة أخري سنجد فيها محاولة لاستخلاص روح مصر والرؤية لدستور قادم، وما يخص 'القوات المسلحة بالضبط ' هو أنه في مرحلة تقديم الوثيقة للرأي العام أضيف لها بندان ' التاسع والعاشر ' وهذان البندان لم يكونا تحت نظرنا أثناء نظر الوثيقة الأصلية وبعدها حدثت تعبئة للشارع ضد هذا التوافق علي معالم دستور قادم كان من الممكن أن يعفينا مما نتعرض له حاليًا.
وهل صراعات النخبة وعدم توافقها مسئولة عما نحن فيه؟
النخبة رسبت رسوبًا جماعيًا في مشهد ما بعد الثورة، لأنها لم تصنع القيادة الجماعية التي تقود الشعب كله بوثيقة متوافق عليها ومتكاملة وتحمل مشروعًا نهضويًا حضاريًا يليق بتاريخ مصر بعد ثورة تهدف إلي تغيير المجتمع عن طريق الثوار الذين لا بد أن يمتلكوا منهجًا واضحًا للتغيير وكيف سيعيدون ترتيب أوضاع السلطة والثروة في البلاد وكيف سيحققون العدالة الاجتماعية ويستغلون كل مقدرات الوطن من أجل بناء تنموي يعالج الثغرات والتشوهات التي أصابت المجتمع وهذه هي لحظات الحلم في تاريخ الشعوب ولكن علي أرض الواقع كانت ' النخب ' أسيرة الحسابات الضيقة والخاطئة التي أسفرت عن أخطاء استراتيجية ندفع ثمنها الآن، لذلك يتعين علي'النخب ' كلها مراجعة النفس والبحث عن علاج للثغرات الموجودة لأن الانتقالة الكبري في تاريخ مصر هي أن يصبح القائد لها هو ' المشروع' الواضح المعالم والذي يمثل استراتيجية هذه الثورة.
وكيف نعيد المسار؟
بقراءة التاريخ. لقد عشنا مرحلة من اختطاف السلطة واكتساب المغانم أكثر من التوافق الوطني لذلك كثيرًا ما أسأل نفسي ' كمواطنة': أين الوثيقة الفكرية المتوافق عليها لهذه الثورة؟ ففي ثورة يوليو مثلًا كان عندنا كتاب صغير اسمه فلسفة الثورة ولو أعدنا قراءته لاكتشفنا أن كثيرًا من القضايا التي نتعارك عليها محسومة منذ 60 عامًا في مسارات الشعوب وكان لدينا الميثاق الوطني الذي يتحدث عن تجربة مصر في بناء الدولة ثم أهداف الثورة وكيفية تعبئة الجماهير وتحقيق الأهداف، وهذا نموذج للمشروع الفكري الذي يضمن نجاح أي ثورة.. أما ما يحدث الآن فهو تنازع علي مشروعات متعددة والبعض لايفصح عنها بقدر ما يمارسها علي أرض الواقع وهو ما يمكن أن يعرقل المشروع الوطني الحقيقي.
بما أن الثورة لم تحكم وأصبح الإخوان هم الحاكم.. هل هم فعلا يسعون إلي بناء دولة الخلافة؟
لنقرأ فكر جماعة الإخوان من تاريخها ووثائقها وأدبياتها التي ما زالت تعبر عنها طالما لم يخرج منهم من ينكرها أو يراجعها. هم يتحدثون عن شكل معين للدولة ونسوا أن الشعب ثار من أجل حلمه الخاص بدولة ديمقراطية مدنية حديثة خاضعة للدستور والقانون، وأن الشعب هو الذي يمنح السلطات ويحاسب ويراقب ليحقق من خلالها العدل والحرية التي تعد الأساس للحكم وأن يستلهم روح مصر وثقافتها وحضارتها وقدرتها علي النهوض بأمتها العربية والإسلامية وهذا ما أفهمه بالنسبة لدور دولة بحجم مصر لها موقع خاص في قلب العالم. أما حين يتحدث آخرون عن حلم دولة مغايرة من أجل مشروع مغاير فالواجب هنا أن يتم إعلان ذلك صراحة للشعب المصري ليري هل يتفق هذا المشروع مع أحلامه.
لذلك أطالب كل التيارات الموجودة الآن في مصر 'الدينية أو الليبرالية ' بأن تراجع كل أفكارها مراجعة تاريخية شاملة وأن يعلنوا بنقد ذاتي إن كانوا علي صواب وإن كانوا علي خطأ وما هو المشروع الذي يتبنونه فاللحظة التي يعيشها الوطن الآن تستحق أن يكون للجميع إسهاماته في مشروع مشترك وألا يتم السماح لأحد بالاستحواذ علي الدولة.
لكن الإخوان وصلوا إلي الحكم بمنافسة سياسية مشروعة؟
لا خلاف علي ذلك ولكني أتحدث عن الدولة وهي الكيان الثابت، ففي ثورة 25 يناير كانت ثورتنا علي نظام فاسد وليس علي الدولة فالنظام هو الذي يتغير ويبقي كيان الدولة للجميع ولذلك لا يجوز أن تتم صبغتها بأي انتماء لتيار بعينه لأن هذا يخالف مفهوم الدولة. فالمنافسة السياسية مشروعة ومقبولة لكن يبقي أساس المشروعية في السلطة هو حال الرضا في المجتمع، ولذلك نحن في حاجة لإعادة ضبط المفاهيم وتدقيق المخاطر كي نصبح جميعًا علي قدر المسئولية لمواجهة الخطر الذي يتهدد مستقبل الثورة.
ولكن البعض يري أن هناك محاولات من تيار بعينه لإقصاء الآخرين والاتهامات المتبادلة عادت للظهور.
أنا لا أحب أن أكون طرفًا في المواجهات بين القوي السياسية وبعضها البعض. لكن كل القوي السياسية لها الحق في أن يكون لها آليات علي أرض الواقع بمن فيهم الإخوان وهم جزء من نسيج المجتمع. لكني في هذه المرحلة التاريخية ما زلت أردد وأقول للقوي السياسية التي كانت خارج الشرعية فيما سبق 'وهي متعددة' إن دروس التاريخ تقول إن من لا ينقد نفسه يخرج من عباءة الوطن وإن الثورة التي أطلقت سراح الجميع ومنحتهم الفرصة للعمل ستفرز بعد ذلك من عمل لصالح الوطن ومن لم يعمل، وأنه لا يوجد طرف يملك حق إقصاء الآخرين وأن مصر دولة 'عريقة' بتاريخها وحضارتها وإرسائها للقواعد القانونية وليست دولة 'عميقة' يريد البعض تركيبها بما لا يتماشي مع الروح المصرية.
لننطلق إلي المسار الدستوري مع مسودة خرجت من أيام قليلة وآثارت جدلًا وأدت إلي انعقاد جمعيات عمومية للمواجهة؟
لابد أن ندرك أن المسار الدستوري كان شديد الارتباك تم فيه إقصاء الكثير من الرموز الدستورية فأنا لا أتصور أن يخرج دستور مصر دون أن يشارك فيه أساتذة كبار مثل الدكاترة 'إبراهيم درويش – أحمد كمال أبو المجد – يحيي الجمل – أحمد رفعت – فتحي فكري ' وغيرهم من رموز يستدعيهم العالم باعتبارهم خبراء معتمدين ولذلك حين أجد الدستور تتم كتابته دون صياغة هؤلاء الكبار أو بصمتهم أشعر بالقلق، وهنا لابد أن نميز بين أمرين: الأول من الذي يقترح الدستور؟ ومن يكتبه؟ ومن الذي يقره بعد ذلك؟ ففي الأولي والثالثة يكون الشعب هو المسئول وفي الثانية نتحدث عن آلية كتابة لوسيط ينقل ما يريده الشعب ويحوله إلي صيغة دستورية. والشعوب الحية تبني علي ما تراكم إيجابيًا في تاريخها ولا تفرط في حقوق عامة ولا تسقط مقومات الحكم. وهي ثغرة إن حدثت في المشهد الوطني تصبح غير مقبولة.
وهل لهذا السبب اعترضت المحكمة الدستورية العليا علي المسودة وأعلنت غضبها وأنها في حالة انعقاد دائم؟
نعم هذا صحيح، ودعوني أستدعي من المسودة أولًاما يتعلق بالرقابة الدستورية من خلال النصوص المتعلقة بالمحكمة الدستورية العليا والذي عبرت الجمعية العمومية من خلاله للشعب المصري عن قلقها الشديد من انتهاك القضاء الدستوري وعدم الاحترام لتاريخ طويل لمحكمة عريقة عمرها ' 43 عامًا ' والمصنفة في المركز الثالث علي العالم في تأثيرها وقضاتها في صياغة الحقوق والحريات العامة وذلك بحسب المفوضية العليا لاستقلال القضاء، وهو ما جعل أحكام هذه المحكمة تترجم إلي 13 لغة وترتبط ب 40 محكمة علي مستوي العالم وعاشت صراعًا مع نظامين ' السادات ومبارك ' وأغلب قضاتها من حاملي الدكتوراة وأصحاب الخبرات التي تستدعي لتقوم بالتدريب في كل المحافل الدولية لذلك حين تخرج المسودة لتقليص حجم رقابتها علي القوانين المؤثرة في الحياة السياسية فهذا أمر لا يجب أن يمر بسهولة، لأنه حين تسلب من المحكمة الدستورية العليا ثلاثة اختصاصات أصيلة في دورها منها الفصل في تناقض الأحكام النهائية الصادرة من الجهات القضائية ومنازعات التنفيذ الخاصة بأحكام الدستورية العليا وطلبات أعضائها كما قصر الاختصاص بالتفسير علي القوانين دون اللوائح.
كذلك النص الخاص بتعيين أعضاء الدستورية والذي تجاهل ما ناضلت من أجله المحكمة بعد الثورة حتي أصبحت 'الجمعية العمومية هي التي تختار رئيس وأعضاء المحكمة بناء علي ضوابط معينة من مرشحين معينين' فهل يجوز أن أعطي هذا الحق لرئيس الجمهورية بعد أن أصبح حقًا أصيلا للمحكمة. كما أن النص في المسودة أناط بالجمعيات العمومية لمجلس الدولة والاستئناف والنقض سلطة اختيار أعضائها مما يعد تسلطًا لهيئة قضائية علي أخري.
ولكن ألم يكن النظام السابق يتحكم في تعيين أعضاء المحكمة؟
كان النص أن رئيس المحكمة يعيِّن بقرار من رئيس الجمهورية من بين أقدم ثلاثة نواب بعد موافقة الجمعية العمومية، ورغم ذلك كانت المحكمة تحرص بشدة علي استقلال اختياراتها عن طريق جمعيتها العمومية.. وربما أقول سرًا للمرة الأولي وهو أن المحكمة رفضت في عهد مبارك تعيين اثنين من مساعدي وزير العدل في النظام السابق 'أليس هذا دليلا علي استقلال المحكمة؟'.
وباقي مواد الدستور؟
أنا حاليًا أعكف علي قراءة المسودة بتأنٍ لتدقيق المصطلحات ولكن من خلال قراءتي الأولية بقدر ما كانت سعادتي ببقاء المادة الثانية في الدستور والخاصة بمبادئ الشريعة الإسلامية مصدرًا رئيسيًا للتشريع بقدر ما صدمتني المادة الأولي فلأول مرة يأتي دستور ما بعد مرحلة قيادة مصر للأمة العربية لينتزع النص الأصلي الذي كان يقول ' التزام الشعب المصري للسعي إلي تحقيق الوحدة الشاملة في إطار أمته العربية '.. فهل هذا إعلانا بأن هناك من قرر لنا الإنغلاق علي أنفسنا ولا نعرف أن مجالنا الحيوي الأول هو أمتنا العربية التي يكون الانتساب إليها 'سياسي – جغرافي – اقتصادي – مستقبلي ' من خلال تكامل وحدة هذا الإقليم.
لذلك حين تدرج مباشرة كلمة 'الإسلامية' فهذا يعني أن هناك من لا يعرف مفهوم كلمة 'الأمة ' سياسيًا لأن الأمة الإسلامية أمة عقيدة وتعكس عالمية الإسلام الذي يضم شعوبًا وقبائل وثقافات وهو ليس في إطار وحدة سياسية لأن عصر الخلافة انتهي والشعوب الإسلامية التي تنهض الآن في إطار مشروع وطني لا يحتمل في هذا السياق إلا التكامل علي مستوي وحدة العقيدة ثم التعاون والتنسيق لبناء علاقة إيجابية فيما بينهم، لذلك صدمتني المصطلحات المستخدمة وأعكف حاليًا علي قراءة المسودة ومصطلحاتها وصياغتها كاملة فأنا أري أن تدقيق المصطلحات لا بد أن يتم لأن أخطر ما في هذا الدستور هو أن به كثيرًا من النواحي المرتبكة والمنهج الذي يحتاج مراجعة ونقاطًا مفصلية تتعلق بإدارة الدولة والحكم.
إذا عدنا للمحكمة الدستورية وما قيل من إنها 'اغتالت مجلس الشعب' فهل تتفقين مع هذا القول؟
مجلس الشعب اعتبرته المحكمة منعدمًا لمخالفة القانون الذي قام علي أساسه وهذا التعبير الدقيق للموضوع، وهذه هي السابقة الخامسة في حياة المحكمة فقد حكمت بحل المجلس مرتين في عهد السادات ومرتين في عهد مبارك وكانت تلك السابقة الخامسة بعد الثورة بنفس حيثيات الحكم الذي لم يأت بجديد.
لذلك فما يقال إن المحكمة اغتالت المجلس هو قول باطل واستمرار لمهزلة تهدف إلي تشويه المحكمة الدستورية العليا باعتبارها واحدة من أهم المرجعيات القائمة وربما يكون هناك من يريد أن يبني مرجعيات جديدة حتي وصل الأمر إلي حد إلغائها أو إعادة تشكيل هيئتها واعتبار رأيها استشاريًّا. ولذلك يهمني أن أوضح أن المحكمة الدستورية تقضي وهي معصوبة العينين ولا تأخذ من أحد موقفًا بل هي تؤدي دورها تجاه كل سلطات الدولة ولكن الاستخدام السياسي للأمر والتذرع بحكايات لا أساس لها من الصحة وتدخل المجلس العسكري في الأمر هو أكذوبة فلا توجد سلطة في مصر تملي إرادتها علي المحكمة الدستورية العليا.
ما سر الحرب المستمرة ضد المستشارة تهاني الجبالي؟
رغم أني لا أحبذ الحديث عن هذا الأمر فإن أجمل ما فيه أنه كشف لي حب الشعب المصري من البرقيات التي كانت تنهال علي وكتابات رموز الفكر والثقافة والقانون والسياسة وأقول: أنا والحمد لله بخير ولا يشغلني سوي مصلحة وطني ولن أقف مكتوفة الأيدي، بل سأشارك في الشأن العام. ولا يغضبني أن البعض أزعجه مشاركة 'سيدة ' في الشأن العام.
وماذا عن السطو الذي تم علي منزلك مؤخرًا؟
تفاصيله غريبة اثنان ملثمان أحدثا ضجة وهما يقتحمان منزلي ولكن الحمد لله 'ربنا ستر' وكان ثباتي الإيماني وسرعة التصرف هما اللذان أنهيا الموقف في دقائق معدودة والحادث اعتبره 'عابرًا ' لا يشغلني وإن كنت أدرك بخبرتي القانونية أن من جاء لم يكن هدفه السرقة وإلا ما كان أحدث ضجة وتبقي كل الاحتمالات مفتوحة.
ماذا تقول لهؤلاء: الرئيس محمد مرسي - النائب العام - وزير العدل المستشار حسام الغرياني - القوي السياسية - نادي القضاة؟
الرئيس محمد مرسي: قدرة الدخول للتاريخ مرهونة بأن تصبح رئيسًا لكل المصريين وأن تكون قادرًا علي استلهام تقدم الأمة في مشروع تنموي. وأن الحكم من خلال مسار دستوري وقانوني لا يسمح بانتهاك الشرعية ودولة القانون لأن الشرعية الدستورية هي التي أتت بك رئيسًا.
النائب العام: بصرف النظر عن تقديرنا لشخصك الكريم وكونك الرجل الذي أحال كل رموز النظام السابق للمحاكمة، لكن الموقف الأخير يتجاوز شخصكم الكريم إلي حماية القضاء من خلال حصانة أعضائه ضد العزل وأنت بموقفك حميت القضاء المصري.
وزير العدل: الأقوال دائمًا تظل معلقة بين السماء والأرض إلي أن يصبح بيد من يقولها سلطة تطبيقها. أحذر فالتاريخ أمامك ولن يغفر لأحد انتهاك استقلال القضاء وأنت في موقع المسئولية.
المستشار حسام الغرياني: كنت قاضي القضاة وشغلت المنصب الرفيع في المجلس الأعلي للقضاء ثم رئيس اللجنة التأسيسية. فاستقلال القضاء أمانة ومستقبل مصر أيضًا.
القوي السياسية: مصر تبقي ويفني الجميع وهي أمانة كبري علينا أن نرتفع لمستواها.
نادي القضاة: 'للتاريخ دوره في كتابة دور نادي القضاة في مصر كأحد أهم معالم قدرة القضاء المصري علي أن يصون حق استقلال هيئاته شهداء الثورة ومصابيها' أنتم أيقونة هذه الثورة ومصابيحها وأنتم من أطلق سراح مصر. أرواح شهدائها ستظل محلقة وحق مصابيها لا بد أن يظل أمانة ومقدمًا علي كل الحقوق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.