هل ينهي التعديل الأزمة الناشبة بين الحكومة والبرلمان؟! 'حزب النور' يخرج من قفص 'الإخوان' والبعض يرشحه لزعامة الأغلبية الجنزوري قبل بالتعديل بعد أن منحه المجلس العسكري حرية القرار هل انتهت الأزمة بين الحكومة والبرلمان بالتعديل الوزاري الأخير، أم أن هذا التعديل لم يكن سوي 'مسكن' لمعارك وأزمات عديدة سوف تطرح نفسها خلال الأسابيع القليلة المتبقية من عمر المرحلة الانتقالية؟! المشكلات متعددة ، والأزمات لا تتوقف ، وحتي التحالفات داخل البرلمان ليست أبدية أو ثابتة، ولذلك تبقي كل الخيارات مطروحة والأبواب مفتوحة لكل المفاجآت والتوقعات. بعد فترة دامت أكثر من شهرين من الشد والجذب تراجعت حدة الأزمة الناشبة بين الحكومة والبرلمان ، ففي يوم الأربعاء الماضي التاسع من مايو تواردت الانباء عن فحوي التعديل الوزاري الذي انتهي بقبول استقالة وزراء التعليم العالي والقوي العاملة والثقافة وشئون مجلسي الشعب والشوري. كانت الأزمة لاتزال تراوح مكانها وتصاعدت حدتها طيلة الأسابيع القليلة الماضية بعد أن أدلي رئيس مجلس الشعب د. سعد الكتاتني بحديث شديد اللهجة إلي قناة الجزيرة وجه فيه انتقادات حادة إلي الحكومة وطالب بإقالتها أو استقالتها، فرد عليه رئيس الحكومة د.كمال الجنزوري بالرفض الشديد متهم البرلمان بأنه نصب له مصيدة!! وفي يوم السبت 5 مايو الماضي، كان رئيس مجلس الشعب قد دعا إلي اجتماع طارئ للجنة العامة للمجلس وبالفعل عقد الاجتماع في الموعد المحدد، حيث ناقش الأزمة بين الحكومة والبرلمان وكان من رأي رئيس المجلس والعديد من النواب ضرورة عقد لقاء عاجل مع رئيس وأعضاء المجلس الأعلي للقوات المسلحة. وبالفعل في اليوم التالي الأحد عقد الاجتماع في الساعة العاشرة صباحًا بحضور رئيس مجلس الشعب والوكيلين وسبعة من ممثلي أكبر الأحزاب السياسية في البرلمان وحضر علي الجانب الآخر المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلي والفريق سامي عنان نائب رئيس المجلس الأعلي وعدد من أعضاء المجلس الأعلي. لقد دار الحوار حول النقاط الأربع التي جري الاتفاق عليها في اجتماع اللجنة العامة والمتعلقة بتشكيل الجمعية التأسيسية للدستور وما يتردد عن عزم المجلس الأعلي إصدار إعلان دستوري يحدد اختصاصات رئيس الجمهورية في حال عدم إنجاز وضع الدستور في الموعد المحدد وأحداث العباسية، إضافة إلي الأزمة الراهنة بين الحكومة والبرلمان. لقد كانت تلك القضية تحديدًا هي العنوان الأهم في المباحثات بين الجانبين، وكان المطلب المحدد لوفد البرلمان استقالة الحكومة أو إقالتها أو إجراء تعديل وزاري أو إعادة تكليفها بوصفها وزارة تسيير أعمال. وفي أعقاب الاجتماع الذي استمر قرابة الساعة والنصف التقي رئيس مجلس الشعب أعضاء اللجنة العامة وأبلغهم بمضمون ما تم التوصل إليه مع المجلس العسكري وكان من أبرزها احتمالية صدور قرار بتعديل وزاري. كان رئيس المجلس يتحدث هذه المرة بلغة واثقة ويبدو أن رئيس الأركان الفريق سامي عنان قد أكد له ذلك خلال اللقاء- كما قال- مما دعاه إلي الطلب من أعضاء اللجنة عدم تسريب الخبر إلي وسائل الإعلام. كان اللواء ممدوح شاهين عضو المجلس الأعلي للقوات المسلحة قد سبق أن ناقش الأمر مع رئيس مجلس الشعب وجري الاتفاق معه علي أن يطرح قضية التعديل الوزاري علي رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة، كما أن اتصالا أجراه اللواء ممدوح شاهين بالدكتور الكتاتني أثناء اجتماعه بالنواب المعارضين قرار تعليق جلسات البرلمان لمدة أسبوع أكد فيه شاهين الوعد ذاته. كان الدكتور كمال الجنزوري رئيس الوزراء مجتمعًا في هذا الوقت مع المشير طنطاوي والفريق سامي عنان من الثانية والنصف حتي الرابعة من بعد الظهر، ويومها رفض الدكتور الجنزوري إجراء أي تعديل وزاري خاصة أنه أشار إلي أن أحدًا لن يقبل تولي الوزارة ولم يبق من عمر الفترة الانتقالية سوي أسابيع معدودة. لقد قرر المشير في هذا الوقت تجميد الحديث عن أي تعديل أو تغيير وزاري ولكن بعد أن أعاد رئيس مجلس الشعب طرح الأمر مرة أخري، باعتباره المخرج الوحيد للأزمة الناشبة بين الحكومة والبرلمان ووعد المشير بدراسة الأمر مجددًا ، ووضح أنه أقرب إلي الموافقة علي التعديل الوزاري المحدود. في هذا الوقت كلف المشير طنطاوي نائبه الفريق سامي عنان بإجراء الاتصالات اللازمة مع الدكتور كمال الجنزوري والتوصل معه إلي حل مقبول ينهي هذه الأزمة. وبالفعل أجري الفريق سامي عنان العديد من الاتصالات مع رئيس الحكومة وكان الخيار المطروح الذي يمكن قبوله، هو إجراء تعديل وزاري محدود في أسرع وقت ممكن. كانت العقبة الرئيسة هي في الاستجوابات المقدمة وعددها ثلاثة استجوابات وكانت موجهة جميعها إلي وزير الزراعة ، وأغلبها كان يدور حول قضايا سابقة علي تولي الوزير الحالي لمهام منصبه، بل إن بعضها يرجع إلي عام 2007، أي في عهد النظام السابق. وقد جاء سفر وزير الزراعة صباح يوم الإثنين الماضي 7 مايو لحضور مؤتمر لوزراء الزراعة في دولة الإمارات العربية مخرجاً مقبولاً لهذه الأزمة وإمعانًا في تأكيد المصداقية وخوفًا من التشكيك في الأمر، راح رئيس مجلس الشعب يذكر في حديثه عن أسباب تأجيل الاستجوابات رقم الطائرة وساعة السفر، وتاريخه، عل ذلك أن يقنع المستجوبين الذين أصر بعضهم علي ضرورة استجواب الوزير بغض النظر عن محاولات التأجيل التي سعي إليها رئيس المجلس أكثر من مرة بهدف تجاوز الأزمة مع الحكومة. كان البرلمان الذي رفض بيان الحكومة، يود تغيير وزراء بأعينهم وكانت هناك قوي داخل البرلمان تطلب بشكل محدد إبعاد وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم، بالرغم من الجهود التي يبذلها والنجاحات التي حققها. وقد أكد الدكتور الجنزوري أكثر من مرة تمسكه باللواء محمد إبراهيم وهو الأمر نفسه الذي أكده رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة، بهدف تحقيق الأمن والاستقرار واستكمال الجهود المبذولة وصولا إلي القضاء علي أعمال البلطجة ووضع حد للانقلات الأمني في البلاد. ***** لا غالب ولا مغلوب يوم الأربعاء الماضي، عقد مجلس الوزراء اجتماعه الأسبوعي برئاسة د. كمال الجنزوري ، كان الدكتور الجنزوري قد اتفق قبيل عقد هذا الاجتماع مع الفريق سامي عنان علي الانتهاء من التعديل ، مساء الثلاثاء الماضي.. لقد أبلغ الفريق عنان الدكتور الجنزوري بأنه هو وحده صاحب القرار في التعديل الوزاري في إطار الوزارات التي يراها، وأكد أن هدف المجلس الأعلي للقوات المسلحة هو فقط إنهاء الأزمة المتفاقمة بين الحكومة والبرلمان. لقد طلب الدكتور الجنزوري من الجهات المعنية ترشيح عدد من الأسماء ليحلَّوا محل وزراء التعليم العالي د. حسين خالد والقوي العاملة د.فتحي فكري والثقافة د.شاكر عبدالحميد وشئون مجلسي الشعب والشوري المستشار محمد عطية.. وقد جاءت الترشيحات منذ صباح الثلاثاء وبعد إجراء التحريات اللازمة حول الأسماء المرشحة، بدأ الدكتور الجنزوري في الاستقرار علي عدد من الأسماء التي سوف تتولي المناصب الوزارية المحددة. وخلال الاجتماع الذي عّقد الأربعاء الماضي لمجلس الوزراء عرض الدكتور الجنزوري بداية تقريرًا يتضمن إنجازات الحكومة خلال الفترة الماضية وطلب من الدكتورة فايزة أبو النجا أن تعرض هذا التقرير خلال المؤتمر الصحفي الذي يتم عقده في أعقاب الاجتماع. وانتقل الدكتور الجنزوري بعد ذلك إلي قضية التعديل الوزاري المقترح، وتحدث عن أسباب هذا التعديل الذي جاء في إطار إنهاء الأزمة بين الحكومة والبرلمان.. وقد دار نقاش حول ذلك الأمر حيث رحب كل الوزراء الذين جري الاتفاق علي خروجهم من الوزارة بهذا القرار، حيث أكدوا أنهم قاموا بأدوارهم التي كلفوا بها وسعوا إلي إنهاء كثير من الأزمات العالقة، إلا أنهم طلبوا من الدكتور الجنزوري أن يلقي تقرير الأداء عن الفترة السابقة بنفسه في المؤتمر الصحفي باعتبار ذلك نوعًا من التكريم للوزراء وأداء وزاراتهم. وبالفعل وافق الجنزوري علي هذا المطلب، وألقي البيان الذي تضمن العديد من الحقائق والإنجازات التي حققتها الحكومة في الفترة الماضية. وبعد هذا البيان بدأ أمين عام مجلس الوزراء يجري اتصالاته بالوزراء المرشحين ، فكان أول المعتذرين هو الدكتور محمود كبيش عميد كلية الحقوق بجامعة القاهرة والذي أبلغ محدثه بأنه يفضل البقاء في منصب العمادة علي أن يتولي الوزارة مقدمًا شكره علي ثقة رئيس الحكومة فيه.. فتم الاتصال بالدكتور عمر محمد سالم أستاذ الحقوق الذي وافق علي تولي منصب وزير الدولة لشئون مجلسي الشعب والشوري. وتردد د. صابر أبوعرب في قبول المنصب الوزاري بوصفه وزيرًا للثقافة إلا أنه حسم أمره في اليوم التالي وقبل المنصب، رغم تردد شائعات أن د. أحمد مجاهد ربما يكون هو المرشح البديل حال إصرار د. صابر عرب علي رفض تولي المنصب. واختار رئيس الوزراء محمد رفعت حسن وكيل أول وزارة القوي العاملة بالقاهرة لتولي منصب وزير القوي العاملة خلفًا للوزير السابق د. فتحي فكري الذي اعتذر عن الاستمرار في موقعه لأسباب صحية وأبقي رئيس الوزراء علي المستشار محمد عطية في منصب وزير التنمية المحلية بعد أن اعتذر عن استمراره في منصب وزير الدولة لشئون مجلسي الشعب والشوري . وهكذا جاء التعديل الوزاري علي قاعدة ' لا غالب ولا مغلوب' أو 'حدث ولم يحدث' وبدا للرأي العام في الشارع أن المسألة لا تخرج عن كونها عملية 'شد وجذب' انتهت إلي لا شيء!! **** الحزب الصاعد قد يتساءل البعض: لماذا قبل حزب الأكثرية 'الحرية والعدالة' هذا الخيار، الذي يؤكد أن معركة نواب الحزب في البرلمان ضد الحكومة لم تؤد الغرض منها، والإجابة الواضحة تقول إن ذلك مرجعه بالأساس إلي عدم وجود تجاوب من حزب النور الحليف الاستراتيجي للحرية والعدالة في هذه القضية. كان نواب حزب النور قد اتفقوا فيما بينهم علي رفض بيان الحكومة ولكن دون القبول بسحب الثقة من الحكومة.. وقد سعت قيادات كبري بالحرية والعدالة إلي الحوار مع قيادات حزب النور لإقناعها بالوقوف مع نواب حزب الأكثرية في هذا المطلب، إلا أنهم فوجئوا بتصميم حزب النور علي موقفه. لقد عبر النائب أشرف ثابت عضو الهيئة البرلمانية لحزب النور ووكيل مجلس الشعب عن هذا الموقف منذ بدايته، وكان كلامه واضحًا ولايقبل التأويل حيث أكد أكثر من مرة أنه لايري ضرورة سحب الثقة من حكومة لم يتبق علي عمرها الزمني سوي أقل من شهرين لا أكثر. وعندما بدأ نواب حزب النور الاعتصام داخل قاعة البرلمان احتجاجًا علي قرار حزب الحرية والعدالة بتعليق أعمال المجلس لمدة أسبوع دون مبرر واضح أدرك أعضاء الهيئة البرلمانية للحزب، أن القرار الذي اتخذ جري بشكل انفرادي ودون الاتفاق مع ممثلي الهيئة البرلمانية لحزب النور، مما يعد إهانة للحزب وخروجًا علي قواعد الاتفاق السارية بين الطرفين كان هذا الاعتصام إيذانًا ببد مرحلة جديدة في العلاقة بين الحزبين اللذين يشكلان الأغلبية داخل البرلمان، ثم جاء موقف حزب النور بتأييد د. عبدالمنعم أبو الفتوح في ترشحه لمنصب رئيس الجمهورية ليزيد من حدة الخلاف بين الجانبين، حيث كان الإخوان المسلمون يأملون في دعم حزب النور لمرشحهم د.محمد مرسي. في هذا الوقت سعت بعض القوي داخل البرلمان إلي الحوار مع حزب النور، بهدف التنسيق ليتولي الحزب مهام تشكيل جبهة أغلبية بقيادته تضم حزب النور وبقية الأحزاب الليبرالية والناصرية وحزب البناء والتنمية والمستقلين وغيرهم، للرد علي ممارسات الهيئة البرلمانية للحرية والعدالة داخل البرلمان إلا أن الأمر لم يخرج حتي الآن عن إطار الحوار الفردي أحيانًا والحزبي أحيانًا أخري. ويري حزب النور في هذا الشأن، أنه لايهدف إلي تولي زعامة الأغلبية داخل البرلمان بقدر ما يعني التوافق علي إتمام المرحلة الانتقالية، وتحقيق أهدافها في إطار يحفظ للوطن أمنه واستقراره وينجز خارطة الطريق بما فيها إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها. لقد أظهرت ممارسات حزب النور داخل البرلمان حرصه الشديد علي تحقيق أهداف الثورة في إطار يحفظ للوطن استقراره، دون رغبة في السعي نحو السيطرة أو الهيمنة، وعلي عكس ما توقع الكثيرون من أن عدم وجود الخبرة السياسية لكوادر الحزب قد يدفعه إلي العشوائية والتخبط ،فقد بدت الصور مختلفة تمامًا. وإذا كان من المبكر الحكم بشكل كامل ونهائي علي مستوي أداء أعضاء الهيئة البرلمانية للحزب فإن الرؤية التي يتبناها الحزب والتي تنعكس علي ممارسات أعضائه أعطت مؤشرًا إيجابيا لدي النخبة والجماهير علي السواء. وإذا قدر لهذه التحالفات الجديدة أن تترسخ علي أرض الواقع فسيكون البرلمان والمجتمع أمام معادلة جديدة هي نتاج جبهة يتزعمها حزب النور قوامها حوالي 57٪ من أعضاء مجلس الشعب، في حين سيفقد حزب الحرية والعدالة الأغلبية التي تمتع بها في الفترة الماضية حيث لايزيد أعضاؤه داخل مجلس الشعب علي 43٪ فقط. ****** قد يتساءل البعض: هل انتهت الأزمة الآن بين الحكومة والبرلمان بعد التعديل الوزاري الأخير؟ والإجابة بالقطع تقول 'لا' ذلك أن البحث في الأسباب الحقيقية للأزمة هو أعمق بكثير من أن يختصر في إجراء تعديل شكلي يطال أربعة من الوزراء غير المستهدفين. وخلال الأيام المقبلة سوف يجد البرلمان والحكومة لأنفسهما وجهًا لوجه، ليس فقط بسبب ممارسات أي من الطرفين، ولكن أيضًا لأن مجموع مشاريع القوانين المقدمة من هذا الطرف أو ذاك يمكن أن تقود البرلمان والحكومة مرة أخري إلي لعبة 'سيب وأنا أسيب'. ومع توقع حدوث صدامات في المواقف، وأزمات في الممارسة وتوقع حدوث متغيرات فجائية كل ذلك قد يدفع البرلمان إلي إشهار سلاح سحب الثقة مرة أخري. وإذا كان هناك أكثر من تفسير دستوري وقانوني يتصادم فيما يتعلق بحق البرلمان في سحب الثقة من عدمه، فإن التطورات المقبلة قد تدفع - إن بقي الحال علي ما هو عليه- إلي صدام مؤكد لا جدال فيه، وإلي أزمة طاحنة ، سوف تنضم إلي العديد من الأزمات الأخري التي تمسك بتلابيب الوضع في الوقت الراهن.