سفينة سيدنا نوح وفقا للمصادر الدينية فى الأديان الثلاث هى تلك السفينة التى صنعها نوح عليه السلام بأمر ووحى من ربه لحماية الذين آمنوا معه من الطوفان العظيم، وحماية الحيوانات وجميع الكائنات الحية التى ركبت السفينة برغم اختلافها وعداوتها لبعضها البعض من الطوفان العظيم بعدما كثر شر الناس، وقد أمره الله بأن يحمل فيها من كل نوع من أنواع الحيوانات ذكراً وأنثى لإعادة إعمار الحياة، ويحمل فيها من آمن من أهل بيته وقومه إلا من سبق عليهم القول ممن لم يؤمن بالله كابنه وامرأته، ليهلك الله جميع من تبقى من المفسدين من قومه الذين كذبوا رسالته بطوفان عظيم انزله الله عليهم، وقد جاء الإهلاك بطغيان الماء ونجاة الناجين الذين أبحروا مع نوح فى السفينة إلى بر النجاة وعودة السلام والأمان إلى الحياة النقية مرة أخرى. وعلى غرار تلك السفينة فإن جميع الأنظار تتجه الآن إلى المجموعة المختارة والمشكلة من أطياف الشعب السورى من ممثلى النظام وممثلى كافة فصائل المعارضة على اختلافاتها والمرجح إبحارها إلى حضور مؤتمر سوتشى بروسيا آملة فى تحقيق كل هؤلاء الفرقاء للتوافق فيما بينهم وإحلال السلام وإعادة الأمن والاستقرار إلى سوريا فهل ينجح هذا الإبحار والتوافق بين كل تلك الفصائل لتحقيق هذا الهدف الذى حققته سفينة نوح ؟ وبرغم أن التفاؤل لا يزال هو سيد اللحظة الأخيرة نحو الإبحار إلا أن هيئة المفاوضات السورية المعارضة أعلنت مؤخرا مقاطعتها لمؤتمر الحوار الوطنى السورى فى سوتشى المقرر عقده فى 29 و 30 من الشهر الحالى بدعوة من موسكو بعد مفاوضات ماراثونية مع الأممالمتحدة وممثلى الدول المعنية بملف سوريا إثر مناقشات شاقة مع المبعوث الدولى ستيفان دى ميستورا فى اجتماع فيينا الذى انعقد مؤخرا برعاية الأممالمتحدة يوم الجمعة الماضي، خصوصاً وسط وجود معارضة من فصائل مسلحة وتعقيدات فرضتها العملية العسكرية التركية فى عفرين شمال حلب، وبعد فشل محادثات فيينا يوم الجمعة الماضى أقر دى ميستورا نفسه بأن المفاوضات تمر بمرحلة حرجة جداً فى ظل عدم إحراز أى تقدم دبلوماسى تزامنا مع تصاعد المواجهات الميدانية، حيث تشن تركيا هجوماً على منطقة عفرين بكردستان سوريا الأمر الذى يغضب الأكراد والمعارضة مما جعل تركيا تهدد يوم الجمعة الماضى بتوسيع هذا الهجوم بدافع حماية أمنها الوطنى من الأكراد وسط استياء حلفائها وخصوصاً الولاياتالمتحدة، وكان أربعون فصيلا معارضا هى أبرز الفصائل المقاتلة والمكونة لهيئة التفاوض أعلن الشهر الماضى رفض المشاركة فى هذا المؤتمر فيما رحبت دمشق بانعقاده، ويعقد مؤتمر سوتشى بمبادرة من روسيا وبدعم من تركيا وإيران وتعتبر مشاركة هيئة التفاوض السورية المعارضة فيه عاملا حاسما لإنجاحه، وتؤكد موسكو التى وجهت الدعوة لأكثر من 1600 شخص للمشاركة فى مؤتمر سوتشى الذى لا يشكل بدوره هذا المؤتمر لا يشكل مبادرة منافسة لتلك التى ترعاها الأممالمتحدة فى جنيف وفيينا، ويمثل هؤلاء المدعوون كافة شرائح المجتمع السورى ومختلف قواه السياسية والمدنية والعرقية والدينية والاجتماعية برغم اختلاف رؤاها وتوجهاتها، حيث إنهم سيجتمعون بناءً على دعوة من دولة اتحاد الجمهوريات الروسية الصديقة بمدينة سوتشى لوضع حد لمعاناة الشعب السورى التى دامت سبع سنوات والتوصل إلى تفاهمات مشتركة لإنقاذ سوريا من مخاطر التنظيمات الإرهابية والمواجهات المسلحة، ومن الدمار الاجتماعى والاقتصادي، ولاستعادة كرامة سوريا ووضعها على المسرح الإقليمى والدولي، ولصيانة الحقوق الأصيلة والحريات لجميع أبناء شعبنا، وأهمها حق العيش فى سلام وحرية بمنأى عن أى شعور بالخوف أو الجزع. وإذ بدأت موسكو بدعوة مراقبين من دول فاعلة إقليمياً ومنها مصر والدول المجاورة لسوريا مثل لبنان والأردن والعراق والدول دائمة العضوية فى مجلس الأمن والضامنين لعملية آستانة، لا تزال الاتصالات الروسية - التركية - الإيرانية جارية لإقرار قائمة المدعوين السوريين، حيث سلمت موسكو، طهرانوأنقرة، قوائم ضمت 1300 سوري، مقابل تسليم طهران قوائم ضمت شخصيات مدرجة على قائمة العقوبات الدولية. فى الوقت الذى تعترض فيه أنقرة على أى مشاركة مباشرة أو غير مباشرة لممثلى الاتحاد الديمقراطى الكردى أو وحدات حماية الشعب الكردية. وتقترح موسكو دعوة ممثلى الإدارات الذاتية من العرب والأكراد، وسوف سيشارك فى المؤتمر أيضا مراقبون دوليون من الأممالمتحدة وكازاخستان ومراقبون من الولاياتالمتحدةالأمريكية والصين وبريطانيا وفرنسا، وعلى جانب التفاوض الآخر فلم تثمر الجهود الدولية حتى الآن فى تحقيق أى تقدم على طريق الحل السياسى للنزاع السوري، فخلال 9 جولات مفاوضات فى جنيف لم يتم التوصل إلى أية حلول بسبب تشبث المعارضة على شروطها المجحفة بسبب تحكم بعض الدول التى تقف من ورائها عقبة ضد أى حل للتسوية ومنها الخلاف حول مصير الرئيس بشار الأسد وهو بند اشترط الوفد الحكومى فى الجولة الأخيرة الشهر الماضى سحبه من التداول لتحقيق تقدم فى المفاوضات. وتطالب الأممالمتحدة طرفى النزاع بعدم فرض أى شروط مسبقة، ويهدف مؤتمر سوتشى وفقا لما حدد له إلى محاولة التوصل إلى توافق بين المتحاورين السوريين أنفسهم فى هذا المؤتمر، لأن الهدف من سوتشى هو حوار وطنى سورى بدون تدخل خارجي، وسيحضر المؤتمر نحو 1600 مشارك يعكسون مختلف مكونات وأطياف الشعب السورى برغم العداءات والاختلافات بينهم. وكانت المعارضة السورية برئاسة نصر الحريرى اشترطت على وزير الخارجية سيرجى لافروف من اجل اشتراكها فى مؤتمر سوتشى أهمية الانتقال السياسى ورفع المعاناة عن المناطق المحاصرة والانخراط فى مفاوضات سياسية جدية لتطبيق بيان جنيف والقرار الأممى 2254 الخاص بسوريا، وبموازاة هذا المسار عقد وزير الخارجية الأمريكى ريكس تيلرسون مؤخرا لقاءً مع نظرائه البريطانى بوريس جونسون والفرنسى جان إيف لودريان والأردنى أيمن الصفدى ودول إقليمية رئيسية لإقرار مسودة لا ورقة أعدها مساعدو خمسة وزراء فى واشنطن سلفا وتضمنت سلسلة من المبادئ السياسية التوافقية التى سيحملها تيلرسون للتفاوض على أساسها مع نظيره الروسى سيرجى لافروف وهى عبارة عن وثيقة خماسية تتضمن تأكيداً على إجراء إصلاحات دستورية وتحديد صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والإدارات المحلية تمهيداً لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية بإشراف الأممالمتحدة، إضافة إلى وجود ربط واضح بين مساهمة الدول الغربية بإعادة إعمار سوريا وتحقيق الانتقال السياسي. إلى ذلك، عبر بشار الجعفرى ممثل النظام السورى فى المفاوضات عن «رفض بلاده لوثيقة اقترحتها الولاياتالمتحدة والسعودية والأردن وبريطانيا وفرنسا أشارت تسريبات إلى أنها تلحظ تقليص سلطات الرئيس السورى من خلال ما يسمى الورقة غير الرسمية بشأن إحياء العملية السياسية فى جنيف مرفوض جملة وتفصيلاً مشيراً إلى أنه «ليس من الصدفة أن يتزامن انعقاد اجتماع فيينا مع تسريب أو توزيع مقصود لما يسمى ورقة غير رسمية، ورأى الجعفرى أن واضعى الورقة يحاولون إعطاء الانطباع بأنهم يحاولون إحياء العملية السياسية، فى حين أنهم يقتلونها، مؤكداً أنها تهدف إلى تقويض محادثات جنيف ومؤتمر سوتشى وأى ملامح للحل السياسى فى سوريا . وعن الدور الروسى تجاه سوريا فقد أعلن عنه وزير خارجيتها سيرجى لافروف وأكد من أن بلاده بذلت ولا تزال تبذل جهودا مكثفة لتسوية الأزمة السورية على مختلف المحاور وفق قرارات الأممالمتحدة وبيان جنيف. وأشار إلى دور لقاءات أستانة فى إنشاء مناطق خفض التوتر وإيقاف العمليات العسكرية والعنف ووفر الظروف المواتية للبدء فى إطلاق العملية السياسية، مضيفاً أن روسيا مع حلفائها نجحت فى تصفية مشروع داعش الإرهابي، مشيراً لبقاء بعض الجيوب الإرهابية التى سيتم القضاء عليها، وأكد لافروف أن الضامن لإنجاح تسوية الأزمة السورية هو تنفيذ القرار 2254 وقرارات الشرعية الدولية، وانطلاقاً من هذه القناعة فإن روسيا دعت لعقد مؤتمر الحوار الوطنى السورى فى سوتشى لدعم هذا المسار وطلب دعم ومشاركة كافة أطراف المعارضة السورية لإنجاح هذه الخطوة، لأنها ستقدم دفعة قوية لمفاوضات جنيف، وستخرج تسوية الأزمة السورية من مأزقها الراهن. يذكر أن الخطة الروسية الطموحة فى سوتشى تأمل إلى العمل على تشكيل جيش وطنى موحد، وتشكيل لجنة للإصلاح الدستورى ولجنة للانتخابات فى مؤتمر سوتشي، وترفض شرط رحيل الأسد كخطوة أساسية لإطلاق عملية الإصلاح الشامل، بل لا ترى بأساً من ترشح الأسد للانتخابات الرئاسية القادمة، ما يعنى بالضرورة أن سقف الخطة الروسية المطروحة فى مؤتمر سوتشى سيتم بإشراف الأسد ونظامه وتحت إدارته، ما يلغى بند المرحلة الانتقالية عملياً، وأشار مبعوث الرئيس الروسى إلى سوريا الكسندر لافرينتيف يوم الثلاثاء الماضى إلى أنّ هدف المؤتمر هو دعم الحوار السورى وفى سبيل تهيئة الظروف لعودة الاستقرار فى المجتمع السوري، والحفاظ على وحدة الأراضى السورية وسلامتها الإقليمية واستقلالها، وبهذا فإن المؤتمر فى حالة نجاحه فإنه سيعطى دفعة باتجاه الاستقرار السياسى فى سوريا وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2254 والانتقال إلى الحوار السلمى فى جنيف برعاية الأممالمتحدة، وأمام ما يحاك من بعض الدول وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية التى تعمل فى الكواليس على إفشال المؤتمر كناية فى روسيا ومواصلة مخططها فى سوريا هل سيتمكن السوريون بالسفينة من تغليب مصلحة بلدهم والتوافق على السلام فيما بينهم وإعادة الاستقرار والسلام لسوريا؟ أم أنهم سيفضلون المضى قدما فى طريق الحروب والنزاعات والعمل تحت وصاية وتوجيهات الدول التى لا تريد الخير لسوريا ولدول المنطقة.