يوم الجمعة الماضي،هاتفني الأخ والصديق"البطل جابر الديب"..أحد أفضل ضباط الاستطلاع في حرب السادس من أكتوبر من العام 1973،وواحد من الأبطال"القلائل"الذين رفعوا العلم علي الضفة الشرقية لقناة السويس بعد عبور خط بارليف،وإسقاط أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لايقهر. جاءني صوته علي غير عادته..تغلفه لمسات من الحزن الدفين،ووجع يكوي قلبه،وحشرجات تنبيء عن ألم يجتاحه. أعرف أنه يتفاعل مع كل قضايا الوطن،وهو لايزال يعيش بروح"المقاتل"إبن مدينة"بور سعيد"الباسلة،رغم كل عقود الزمن التي مرت علي حرب "العاشر من رمضان"..ولذا توقعت أن يكون ماجري في"جنوب رفح"فجر يوم"الجمعة"واستشهاد عدد من ضباط وجنود القوات المسلحة،في الهجوم الارهابي"سببا"في تلك الحالة التي كان عليها"العميد جابر الديب"..بيد أنني فوجئت به يحدثني عن الشهيد البطل"العقيد أحمد منسي قائد الكتيبة"103"صاعقة،ويقول لي"هو خسارة فادحة..ده كان زي إبني..وهو الصديق الصدوق لإبني محمد جابر".
أعرف"محمد جابر"فهو أخ،وصديق،منذ سنوات بعيدة،وهو واحد من أكثر شباب المصريين"نبلا"و"إخلاصا"وأعرف أيضا طبيعة شخصيته ،وقدراته العقلية،ومهاراته الفائقة،ومن ثم،أدركت أن الشهيد العقيد "أحمد منسي"لابد وأن يكون علي ذات المستوي،من الوطنية،والجسارة،والتميز.
حكي لي،الأخ والصديق"جابر الديب"الكثير عن"خصال"منسي..هذا الشهيد البطل،الذي فقدناه في الهجوم الارهابي الغادر..وروي لي كيف كان يعشق القتال علي أرض"سيناء"الغالية،وأنه كان يرفض مغادرة أرض سيناء،وأن سعادته بلغت مداها،حين أبلغ قبل أيام أنه سوف يتولي رئاسة العمليات في فرقة"999"،وأنه قال فور أن علم بالخبر"الآن سأعمل من أجل تخريج رجال أشداء يواجهون الإرهاب ويحمون أرض الوطن".
لهذا الحد،وأكثر كان الشهيد"منسي"عاشقا لتراب الوطن،وكان يجمع في شخصه،كل الصفات النبيلة،والمجسدة لشخصية المقاتل الجسور،والذي يدرك معني تلبية"نداء الوطن"دون صخب،أوضحيج.
كانت لحظات استشهاده"رسالة"أراد إيصالها لكل من يعنيه الأمر،لقد قاتل في"عزة"واستبسل ب"كرامة"،ولم يغادر ميدان المعركة،وتراب الوطن المقدس،إلا"شهيدا"..وراح في لحظات وداعه الأخيرة،وقبل أن تفيض روحه الطاهرة إلي بارئها،يردد وهو في سيارة الإسعاف،إسم"صابر.. صابر .. صابر"والده الذي تعلق به،وإبنه"حمزة"الطفل الذي ارتدي ملابس الصاعقة،في موكب تشييع جثمان والده"الشهيد"السبت الماضي،وأعز الأصدقاء"جابر"و"بلط"..و"شريف"و"وائل"، ثم راح يردد" أفرولي..أفرولي..أفرولي".. وهي رسالة لكي يدفن في أفروله الذي استشهد فيه،لذا كان الوحيد الذي جيء بجثمانه الطاهر من سيناء الي مستشفي الجلاء،دون تغسيل أوتكفين.. كما تم تنفيذ وصيته التي كانت بحوزة شقيقه.
رحل"بطل نبيل"في حضرة"كوكبة"من الأبطال"الشهداء"..ليقدموا أرواحهم،دفاعا عن وطن،لايعرف قيمته،إلا هذه النوعية من"المقاتلين"المخلصين،والمنتمين حقا إلي تراب الوطن،وفي المقدمة منهم،أخي الحبيب"العميد جابر الديب"الذي هزتني"دموعه"التي ذرفها،وهو يحدثني عن "خصال"و"صفات"الشهيد العقيد"أحمد منسي"،فبمثل هؤلاء تحيا مصر،وتتواصل رسالة العطاء،من جيل إلي جيل.."جيل"كان"جابر الديب"البطل،والمقاتل،أحد رموزه،و"جيل"كان الشهيد"أحمد منسي"أحد أبطاله.
هي حكمة التاريخ،والتي تقول"مصر ولادة"..وستبقي شامخة،وقادرة علي دحر أعدائها،مهما تكالبوا عليها.