جاء قرار «بوتين» بتقليص قواته فى سوريا بدءا من 29 ديسمبر الماضى ليتزامن مع بدء الهدنة فى سوريا التى توسطت روسياوتركيا لتحقيقها والتى جاءت بدورها كى تمهد الطريق لمحادثات السلام المقرر عقدها فى «الاستانة» فى 23 يناير الجارى فى محاولة لانهاء النزاع الدائر فى سوريا منذ ست سنوات. الجدير بالذكر أن «بوتين» كان قد سبق أن أعلن فى مارس من العام الماضى عن سحب جزئى للقوات الروسية من سوريا؛ لكنه لم يلبث أن عزز وجودها ثانية بعد أن اشتد القتال. أما اليوم فإن الوضع مختلف كلية، فلقد شعر «بوتين» بأن الأسد بات آمنا عسكريا على الأقل. كما أن روسيا ما زالت تنشر منظومة دفاع جوى فى سوريا مجهزة بأنظمة صواريخ اس 300 ، اس 400. توسطت روسيا بمشاركة تركيا الراعية لبعض فصائل المعارضة المسلحة فى الهدنة من أجل احياء العملية الدبلوماسية. غير أن الأطراف المتحاربة تظل تتبادل الاتهامات بارتكاب الكثير من الانتهاكات. ولقد حرص الرئيس «بشار» على أن يعلن رأيه فى جولة مباحثات السلام القادمة فى الاستانة، فأكد أن حكومته مستعدة للتفاوض على كل شىء، وأشار إلى أن دور الجيش هو استعادة كل شبر من الأرض السورية. وفى معرض رده على ما إذا كانت المحادثات ستشمل وضعه كرئيس قال: «نحن مستعدون للتفاوض على كل شىء. ولكن منصبى مرتبط بالدستور. والدستور واضح جدا حول الآلية التى يتم بموجبها وصول الرئيس إلى السلطة أو ذهابه. وبالتالى إذا أرادوا مناقشة هذه النقطة فعليهم مناقشة الدستور، وإن أى أمر دستورى يجب طرحه فى استفتاء، والأمر يرجع إلى الشعب السورى فى انتخاب الرئيس». وأردف قائلا: «مهمتنا طبقا للدستور والقانون تحرير كل شبر من الأرض السورية. وهذا أمر عسكرى يرتبط بالتخطيط العسكرى والأولويات العسكرية». وكانت روسيا قد أعلنت الشهر الماضى أنها اتفقت مع الأسد وإيران وتركيا على أن تكون الاستانة هى مكان اجراء محادثات سلام جديدة بعد أن مُنى مسلحو المعارضة بأكبر هزائمهم فى الحرب بإخراجهم من شرق حلب. بل إن تحرير مدينة حلب من قبضة الارهابيين جاء ليشكل محطة مهمة نحو الانتصار فى الحرب. إلا أن المرحلة القادمة لن تكون سهلة لأن الغرب وأدواته وعملاءه فى المنطقة مستمرون فى دعم التنظيمات الإرهابية التكفيرية. ولكن يظل من الضرورى البناء على ما تحقق من انجازات فى الفترة السابقة وصولا إلى دحر الارهاب من كل شبر من الأرض السورية. وهنا يتعين أخذ الحذر من تركيا المشكوك فى أمرها حيال ما يحدث فى سوريا، فعلى حين تدعو علنا إلى ضرورة الانخراط فى الحل السياسى والسعى لانجاح مفاوضات استانة إلا أن مخابراتها لاتزال ضالعة فى التنسيق مع الفصائل المسلحة المحسوبة عليها والمقربة منها كحركة «أحرار الشام»، «نورالدين زنكى»، «جبهة فتح الشام» (النصرة سابقا) والتى تعد لشن هجمات ضد الجيش السورى على أكثر من محور. بل إن تركيا عمدت مؤخرا إلى أن تؤكد للفصائل المسلحة بقرب حصولهم على أسلحة جديدة تنفيذا لوعود سابقة تعود إلى ما قبل معركة حلب الأخيرة، مع إعادة فتح جبهات فى ريف حماة الشمالى. ومما يعزز الخداع التركى المناورات المكشوفة فى الميدان والتى تتناقض مع السعى لحل سياسى. إنها تركيا المخادعة التى تظهر وكأنها راع للحل السياسى ولكنها فى الحقيقة ومن خلال ممارساتها على أرض الواقع تثبت بأنها شريك فعلى فى الحرب ضد الدولة السورية وسط انغماس عسكرى فى الشمال السورى. ومعنى هذا أن الهدنة المعلنة فى سوريا هى هدنة فشنك، هدنة كاذبة. يدعم هذا اعلان قادة بعض فصائل المعارضة عن انتهاء الهدنة بدعوى استمرار خروقات وقف اطلاق النار. أيا كان يتعين على سوريا الدولة وعلى روسيا وإيران أخذ الحذر من «أردوغان» الألعبان، فهو الشخص الذى لا يمكن الوثوق به..