عاش الأسطورة هيكل، «فضاء النسر»، بين دهاليز الرؤساء، مؤثرًا بعلمه وفكره وقلمه وهو قريب من الرئيس، ومؤثرًا بمواقفه وثوابته وهو بعيد عن الرجل الأول. «الجورنالجي» هيكل «كما يحب أن يلقب»، له حكايات كثيرة ومتعددة مع رؤساء مصر، عكف على تدوينها كثيرا من الأحيان، وحملت كتب المؤرخين على عاتقها تدوين ذلك، وعكف المؤرخون والمثقفون والصحفيون على كتابة علاقته برؤساء مصر التي تراوحت من الصداقة والمشاركة في صنع القرار السياسي، إلى التوتر والتفتت والفتور والعداء والفناء. علاقة الصداقة بين «هيكل وعبد الناصر» نقلته من خانة الصحفي الذي يبحث عن المعلومات، إلى خانة المشارك في صنع القرار، والمحرك للعديد من الأحداث، بل أحد صناع تاريخ مصر بعد ثورة يوليو، حين كشف «الأستاذ» عن أول لقاء جمعه ب»البكباشى جمال» «كما وصفه»، فقال: «أدركت وأنا أتكلم معه، أننى أتحدث مع شخص يفهم التاريخ والاستراتيجية جيدا، وملم بقضية فلسطين، ويفهم فى الأدب والشعر والثقافة، وكانت اهتماماته تتسع خارج حدود وظيفته». تحدث هيكل عن فترة معاصرته للزعيم، فقال: «كان عبدالناصر يتصل بي مرتين، الأولى قبل نومه، والثانية عندما يستيقظ»، لذلك اتخذ البعض من علاقة «هيكل والسادات»، نموذجًا لعلاقة كاتب وسلطان، بدأت بالتحالف وتوحد المقاصد، بينما انتهت بالعداء. (في مرحلة عبد الناصر)، الكاتب الراحل روى «أنيس منصور» أن هيكل كان المفكر والذراع الأيمن لعبد الناصر، رغم حنكة وخبرة ودهاء وذكاء الرئيس، وصاغ الفكر السياسي للزعيم في هذه الفترة، ولم يحصل أي شخص على هذا الدور. (في مرحلة أنور السادات)، عقب تولى الزعيم الراحل السادات رئاسة الجمهورية خلفا للزعيم الراحل عبد الناصر في سبتمبر 1970، كتب هيكل ثلاثة مقالات تحت عنوان «السادات وثورة التصحيح» أشاد فيها «الأستاذ هيكل» بالرئيس الذي لم يكمل عامه الأول في سدة الحكم، فقال: «كان السادات هائلًا في هذه الساعة الحاسمة من التاريخ بأكثر مما يستطيع أن يتصور أحد، كانت قراراته مزيجًا مدهشًا من الهدوء والحسم، هذه المرحلة هي التي ستجعل من أنور السادات (بإذن الله) قائدًا تاريخيًا لشعبه وأمته، لأن القيادة التاريخية مرتبة أعلى بكثير من الرئاسة مهما كان وصفها». (في مرحلة محمد نجيب)، كانت الاتصالات والتواصلات بين «هيكل» و»اللواء محمد نجيب»، تجري على أرض غير ممهدة، والسبب في ذلك ما ردده بل أكده هيكل في عام 1953 حول «نجيب» بأنه لا يجوز بل لا يصلح للاستمرار رئيسا لمصر، وذلك لعدم تطابق صفات الترشح عليه، على رأسها فيما يتعلق بجنسية الأم التي قال هيكل إنها كانت سودانية. عندما قرأت كتاب «الأوراق السرية لمحمد نجيب» للكاتب الصحفي محمد ثروت، الذي قال فيه: إن «هيكل» صاحب مقولة الجنسية السودانية لوالدة «نجيب» بدعوى أن الإنجليز كانوا يبحثون عن رجل تجري في عروقه دماء سودانية أو تركية، لكي يضعوه على رأس السلطة في مصر، بدلًا من الضباط الشبان أعضاء مجلس قيادة الثورة. كانت هناك حالة من عدم الود بين كل من «اللواء محمد نجيب، والكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل»، ويتضح ذلك من خلال وثيقتين، الأولى تخص مقالًا نشره هيكل في صحيفة الأهرام عام 1973 بعنوان «شبح من الماضي»، وسخر فيها هيكل من كتاب (كلمتي للتاريخ)، الذي أصدره محمد نجيب في العام نفسه، ورد نجيب على مقال هيكل، لكن الأستاذ قام بنشره في صفحة الوفيات، بعدها أرسل نجيب نفس الرد إلى أخبار اليوم، ولإحسان عبد القدوس تحديدًا، وكشف خلاله العديد من الوقائع، وعلى رأسها أن هيكل طلب منه مرارًا إجراء مقابلة إلا أن نجيب كان يرفض ذلك، وتأكيدا من الصحفي محمد ثروت أن «هيكل» لم يكتف بما أورده فى مقالته عن نجيب بل زاد «الأستاذ» من هجومه على نجيب، ورحل نجيب عن الحياة قبل أن تصفو العلاقة بينه وبين الأستاذ. كان الزعيم السادات يعرف جيدا قيمة وتاريخ هيكل لمعرفته المسبقة بعلاقته بالرؤساء السابقين، وتأثيره عليهم. (في مرحلة حسني مبارك)، في بدايات حكم الرئيس الأسبق «محمد حسني مبارك» كان هيكل معجبًا به، وأعلن تأييده له، بل تجاوز الأمر حدود الإعجاب، ودعا الشعب لتأييد مبارك ومساعدته لينجح فى مهمته، حيث كانت رؤية «الأستاذ» أن الصفحة التى فتحها مبارك معه ومع غيره من السياسيين الذين دخلوا السجون، باتت صفحة مشرقة تستحق المساندة. عقب أول لقاء جمع (هيكل ومبارك)، حصل هيكل من مبارك على ضوء أخضر للاتصال به فى أى وقت شاء، لكن «الأسطورة هيكل» لم يتقدم باستخدامها على الإطلاق، حتى سافر «الأستاذ» إلى ألمانيا للعلاج، فقام الرئيس الأسبق مبارك شخصيا بمبادرة الاتصال بهيكل، وعرض عليه العلاج على نفقة الدولة، لكن هيكل رفض ذلك العرض. مستشار بالسلك الدبلوماسي الأوروبي