الحريق الذى التهم حى الرويعى بالقاهرة لم يقض على أقدم تجارة بمصر ويلحق أضرارًا جسيمة بالاقتصاد القومى فقط، بل طمس فى طريقه معلمًا تاريخيًا يؤرخ لحقبة زمنية مهمة فى تاريخ مصر. حى الرويعى مكان مشهور للغاية واسم يتردد على الألسنة كمعلم قابع كهمزة وصل بين القاهرة الخديوية والقاهرة الفاطمية، يقع شارع الرويعى من أول شارع البكرية وينتهى لشارع وش البركة، ويبلغ طوله مائة وأربعين مترًا وبأوله جامع الرويعى بقرب جامع البكرية. قالت الباحثة مها النجار: إن شارع الرويعى قديم للغاية، وقبل الحريق الذى شب به مؤخرًا وتسبب فى خسائر تجاوزت ال 400 مليون جنيه وفق آخر التقديرات كان هذا الحى مزدحمًا بالمارة والمحلات والبيع والشراء، ويعتبر هذا الحى سوقًا تجاريًا له أثر فى الاقتصاد المصرى وفيه كل ما يحتاجه البيت المصرى. وبشارع الأزبكية وبالقرب من جامع الشرايبى المعروف بجامع البكرى يقع مسجد الرويعى، والذى كان بداخله صهريج يملأ سنويا من النيل للشرب، وبجواره قطعة أرض موقوفة عليه بها شجرة نبق. لم يكن لشارع الرويعى ذكر فى المصادر التاريخية، إلا أن حادثة ما فى تاريخ مصر جعلت الشارع يأتى أكثر من 300 مرة فى كتب الجبرتى ألا وهى حادثة الحملة الفرنسية، فكان قادة الحملة الفرنسية يسكنون فى منطقة الأزبكية، بينما هناك يكمن مصدر الخطر والازعاج على الحملة الفرنسية وجيشها، حيث الأزهر والمنطقة الفاطمية بالكامل ومن خلفها المقطم وأماكن أخرى يخرج منها الثوار ضد الحملة وأحيانا بعض فلول المماليك، ولذلك كان يجب على الحملة الفرنسية أن تتحرك وكان طريقها هو شارع الرويعى والذى سفكت فيه الدماء وكان سيتخذ موطنًا للعربدة، لولا زوال الحملة نفسها. أما الشخصية التى سمى الشارع على اسمها فهو واحد من أشهر التجار فى مصر وكان شهبندرهم الكبير وهو السيد شهاب الدين أحمد بن محمد الرويعى، كان من أصل مغربى حيث ورد نعته فى وثيقته المؤرخة فى 12 ذى الحجة سنة 1116 هجرية ب«بفخر التجار المغاربة عمدة الحواجدية المعتبرين». جاء الرويعى لمصر خلال الربع الأول من القرن 11 هجرية ال17 ميلادية، وقد بدأ حياته التجارية بشراء نصف وكالة بالجهة البحرية من رشيد كانت تعرف بابن النفيس، ثم ازدهرت تجارته وعظمت ثورته واتسعت دائرة نشاطه من الرشيد إلى الإسكندرية حتى قيل له الوجيه الأمثل والجناب العالى مستجمع المفاخر والمعالى عليه أعيان السادة التجار بمصر المحروسة والأقطار الحجازية، وساعدته الثروة التى جمعها من تجارته الواسعة على القيام ببعض الأعمال الخيرية التى كان أهمها فى أوائل القرن الحادى عشر هجرية / 17 ميلادية بتجديد مسجد زغلول برشيد وإنشاء مسجده ومدفنه بالقاهرة الذى لم يبق من عمارته الأثرية غير مأذنته والتى تقع فى الركن الجنوبى الغربى بالمسجد.