هناك خطوات لابد من اتخاذها لدرء مخاطر.. تتجمع وتستعد للانفجار في سبتمبر نحن الآن في منتصف طريق بين الثورة والانتخابات البرلمانية. 4 شهور إلا قليلا مضت علي قيام ثورة 52 يناير، و4 شهور تقريباً تفصلنا عن موعد إجراء انتخابات مجلسي البرلمان. أشعر بتفاؤل عجيب يغمرني تجاه مستقبل هذا البلد، برغم ما يراودني من مخاوف إزاء حاضره. لعل مبعثه أن ما جري في ثورة الأيام الثمانية عشرة، بقيادة شباب مصر وبزخم كل أبنائها، كان هائلا وعظيماً ومجيداً. فقد كان أقرب إلي الحلم منه إلي الواقع، وأروع من أن يكون حقيقة. أما المخاوف فمردها أن هناك من يريد لنا أن نظل في حالة حلم دائمة، نغيب بها وفيها، فتفضي بنا إلي كابوس علي أرض الواقع، وهناك من يريد أن يحول الحلم إلي وهم، ويقلب الحقيقة الرائعة إلي وقائع مروعة. قلت: إننا بحكم الزمان في منتصف طريق، لكننا بوضع المكان عند مفترق دروب: - أحدها مساره هو التساهل حيث يجب أن يكون الحسم، والتردد حين يجب أن يكون القرار، والبطء حيث يجب أن تكون السرعة، والبحث عن رضا الجميع، حين تقتضي المصلحة العامة ألا ترضي البعض. ونهايته حتما فوضي تهدد كيان الدولة، وتتطلب مغالاة في إجراءات كانت ضرورية وفات أوانها، وغلواً في تدابير كانت لازمة وتجاوزتها الأحداث! - وأحدها مساره يمر عبر إفراط زائد في تقدير مدي نجاح الثورة، أو تفريط غافل فيما حققته من مكاسب، ثم انقياد غير متبصر لدعاوي ترفعها قوي الردة، ويراد بها تقليص فعل الثورة إلي انتفاضة سرعان ما تهدأ، وتحويل مطالبها إلي هبَّة صراخ تتبدد بمرور الوقت أصداؤها. وأعني دعاوي العفو فيما لا يمكن العفو عنه تحت غطاء التسامح، والتصالح مع لصوص الأراضي والمال العام بزعم أن محاكمات الفساد تقوض الاستثمار وتضرب الاقتصاد الوطني وتزيد البطالة، كذلك التنقيب عن تجارب خارجية لا محل لها في المقارنة مع الحالة المصرية، كتجربة جنوب افريقيا في المصالحة الوطنية بعد زوال نظام الفصل العنصري، والدفع بها كنموذج يقتدي به، وكأن القتلة والفاسدين فئة من فئات الشعب أو طائفة من طوائفه، كالنخبة البيضاء في المجتمع الأسود بجنوب افريقيا. نهاية هذا الدرب قطعاً صدام عند محاولة الدوران إلي الوراء والرجوع إلي ما قبل 52 يناير، ونتيجته هي المد في عمر الحالة الثورية للمجتمع، وإرجاء الدخول في مرحلة استقرار لابد منها لأي مجتمع. - أما ثالثها فهو درب النظام والعدالة والقانون. ومساره هو قوة القانون في مواجهة محاولات إثارة الفتنة، وتفشي البلطجة، ونزعات الفوضي، والالتزام بسيادة القانون في المساءلة والمحاسبة والعقاب علي الجرائم التي ارتكبت في حق الشعب وثرواته وأبنائه، والاهتداء بمظلة القانون في المضي بالعملية السياسية إلي منتهاها وهو تسليم الحكم إلي سلطة مدنية منتخبة. إذا سلكنا هذا الدرب، فلن تضل البوصلة بأيدينا ولن نفقد الاتجاه نحو إعادة بناء النظام والحفاظ علي كيان الدولة، ولن نعدم وسائل مجابهة المخاطر التي تحيط بنا وتعترض سبيلنا، ولن نصل إلي مرحلة يتساءل فيها البعض.. هل الأفضل النظام في ظل الطغيان، أم الفوضي في ظل الحرية؟!! علي درب دولة النظام والعدالة والقانون، هناك مخاطر وتحديات لابد من مواجهتها واجتيازها، في غضون الشهور الاربعة التي تفصلنا عن الانتخابات البرلمانية حتي لا تتحول الانتخابات من عملية سياسية لاختيار لممثلي الشعب، الي ساحة عراك وفوضي يغذيها فلول نظام تعتبر هذه الانتخابات معركتها الاخيرة، وشركاء واتباع لصوص المال العام وأراضي الدولة الذين تضررت مصالحهم بشدة، وسجناء هاربون لا ينقصهم السلاح، وبلطجية ومحترفو إجرام كانوا يتكسبون من التزوير وترويع الناخبين، فضلا عن مناخ التوتر الطائفي، وتنامي عصبيات قبلية وعشائرية ومنافسات عائلية في دوائر الريف وقري ومراكز الصعيد. ويزيد من خطورة كل هذا، أن جهاز الشرطة المكلف بتأمين الناخبين واللجان الانتخابية من الخارج، لم يسترجع بعد ثقته وإقدامه ولا هيبته. ومن ثم لا يمكن إغفال أن الانتخابات المقبلة قد تكون بمناخها لا بنتائجها من أخطر المحطات علي طريق مستقبل هذا البلد. مع ذلك هناك خطوات لابد من اتخاذها علي هدي من القانون وبسلطانه، لدرء هذه المخاطر التي تتجمع استعدادا للانفجار في سبتمبر المقبل، والدخول بالبلاد إلي هاوية الفوضي: 1 - إزاء الفتنة الطائفية، يتعين تغليظ العقوبة علي جرائم التحريض والاعتداء علي دور العبادة إلي الإعدام، فليس من المنطقي أن يكون عقاب قاتل الفرد أشد من عقاب قاتل الأمة. 2 - لابد من وضع مهلة نهائية لاتزيد علي أسبوع لتسليم السلاح الذي تم الاستيلاء عليه من أقسام الشرطة، ولقيام السجناء الهاربين بتسليم أنفسهم، وسن مرسوم يعاقب المتقاعسين والمتخلفين عن تسليم أنفسهم بالسجن المؤبد أيا كانت عقوباتهم السابقة. 3 - يجب شن حملة موقوتة لاستعادة النظام في الشارع المصري والتطبيق الصارم للقانون بدءا من المرور وحتي سرقة السيارات والاعتداء علي الأراضي الزراعية واغتصاب الوحدات السكنية، تنظمها قوات من الشرطة تحت حماية الجيش. 4 - الإسراع في محاكمة المتهمين بقتل الثوار ورموز الفساد، انطلاقا من أن العدالة الناجزة هي التي تحقق فلسفة الردع في العقاب، وتكفل الاستقرار للمجتمع والاطمئنان لأبناء الشعب، وفي نفس الوقت تحول دون إطلاق الشائعات ونشر البلبلة. 5 - الاعلان عن خطة متدرجة لرفع الحد الأدني للأجور وفقا للظروف الاقتصادية للبلاد، يبدأ تنفيذها مع الموازنة العامة الجديدة، لتخفيف دوافع ومبررات الاحتجاجات الفئوية، مع تطبيق القانون بكل حسم علي تعطيل العمل. ولا يخالجني شك في أن فرض النظام بسلطة القانون، ومعاقبة القتلة والفاسدين، مع بث الثقة في نفوس القيادات بالمصالح الحكومية والهيئات العامة والبنوك للقضاء علي ظاهرة الأيدي المرتعشة وإعطاء الأمل للعاملين بأن هناك ضوءا في نهاية النفق عن طريق رفع الحد الأدني للأجور، كل ذلك هو المدخل الصحيح لجذب الاستثمارات ودوران عجلة الإنتاج بالمعدلات المنشودة. يتبقي علي النخب الفكرية والسياسية أن تعطي القدوة للمجتمع بأسره في احترام القانون والامتثال لرأي الغالبية الشعبية. فلقد نص الاعلان الدستوري الذي صدر يوم 03 مارس الماضي تنفيذا لموافقة غالبية الشعب علي التعديلات الدستورية علي أن تبدأ إجراءات انتخابات مجلسي الشعب والشوري خلال 6 شهور أي في موعد أقصاه 03 سبتمبر المقبل. قد أتفهم موقف طالبي تأجيل الانتخابات البرلمانية لو كان دافعهم هو الحالة الأمنية، لكنهم يتحدثون عن أسباب سياسية تتعلق بضعف استعدادات أحزاب وقوي للانتخابات في مقابل جاهزية قوي أخري، وهو حديث يشكل وصاية علي إرادة الناخبين، وتشكيكا في وعيهم وقدرتهم علي الفرز، وفي نفس الوقت تضخيما لأحجام قوي سياسية يزيدها نفوذا علي غير واقع. لابد إذن من احترام الاعلان الدستوري، حتي تسير العملية السياسية جنبا إلي جنب مع العملية الأمنية والعملية القضائية، كي تدلف البلاد من باب المرحلة الانتقالية بسلام في موعد أقصاه نهاية العام بانتخاب الرئيس الجديد، سواء قبل إقرار الدستور الجديد أو بعد إقراره من جانب الشعب. في هذا السياق.. ايضا فقد نصت المادة '65' من الاعلان الدستوري علي ان المجلس الأعلي للقوات المسلحة يدير شئون البلاد، وحددت هذه المادة ومواد أخري اختصاصاته وصلاحياته ولم ينص الاعلان علي حق المجلس في تفويض سلطاته لأي جهة، لذا لا أتفهم استمرار مطالبة البعض بتشكيل مجلس رئاسي يدير شئون البلاد. ولدي استفسارات عن هذا المطلب: - من الذي سيشكل المجلس الرئاسي أليس هو المجلس العسكري؟! - علي أي أساس سيتم اختيار اعضائه الخمسة المقترحين؟!.. ألن ندخل بقوي المجتمع في جدل لا طائل من ورائه حول لماذا اختير فلان ولم يتم اختيار فلان، وننشغل بهذا عن إنجاح العملية السياسية ونقل السلطة في أسرع وقت ممكن؟! - ثم هل من حق المجلس العسكري الذي استمد شرعيته من جماهير الشعب الثائرة عندما انحاز لمطالبها، أن يعين مجلسا رئاسيا يتولي بدلا منه إدارة شئون البلاد؟!.. وأي شرعية يستمدها هذا المجلس الرئاسي؟! أعود فأقول انه لابديل عن انتهاج طريق النظام والعدالة والقانون، لحماية الثورة واستعادة الأمان والاستقرار، وإعادة عجلة الإنتاج إلي الدوران، ودفع العملية السياسية إلي منتهاها في نهاية هذا العام. ومازلت أشعر بتفاؤل تجاه مستقبل هذا البلد، وبقدرتنا علي درء المخاوف ومجابهة تحديات الحاضر.