يجب أن نعرف أن أحد أهم مقومات وحدة العالم العربي هي لغته المشتركة.. فاللغة من شأنها أن توحد بين متحدثيها، والإتحاد قوة، لذلك عمل الإستعمار بكل جهده وطاقاته علي إثارة النعرات في كل دولة عربية علي حدة، الفرعونية في مصر والفينيقية في لبنان والآشورية في العراق.. وجاء من فطن للدور الذي يلعبه المستعمر الغربي، ومن ثم نادي بالقومية العربية، ومجرد ذكر القومية العربية يعيد إلي الأذهان ذكري الزعيم الخالد في القلوب إلي الأبد، الزعيم جمال عبد الناصر، والذي كان شغله الشاغل هو القومية العربية والهوية العربية، عبد الناصر والذي كان بأفكاره القومية والوحدوية عقبة أمام أطماع المستعمر الغربي.. المستعمر الذي إستطاع بعد رحيل عبد الناصر أن يجد له موطيء قدم مرة أخري في منطقتنا العربية، وسعي بكل ما يملكه من وسائل إعلامية ضخمة إلي تدمير هويتنا وثقافتنا العربية، بالخداع والتغرير بأبناء الأمة العربية بأن التمسك باللغة العربية رجعية والتحدث بغيرها تقدمية. والسياسة التعليمية في أوطاننا العربية في الفترة الحالية تدعم بقصد أو بغير قصد ما يرمي ويهدف إليه الإستعمار، وهو تدمير هويتنا وتدمير قوميتنا، ومن ثم نفقد ثقتنا في معتقداتنا التي هي السلاح الأقوي في مواجهتة وإفشال خططه، ومن ثم نعمل في صفه ومن أجل مصالحه. وإذا كانت هناك مؤشرات في الفترات السابقة تدل علي نجاحه في هذا المخطط، فأعتقد بأن تلك المؤشرات ستختفي آثارها قريباً، لأن ما بدأه عبد الناصر وحلم به سيكمله الرئيس السيسي هو وكل من آمن بأفكار وأحلام عبد الناصر. فاللغة لها أثر كبير في قوة وتوحيد أي أمة، ولعلي ماعمد إليه الصهاينة في إحياء اللغة العبرية قبل إنشاء وطن لهم في فلسطين لهو خير دليل علي ذلك، حيث كان التحدث بالعبرية شرط من شروط الهجرة إلي الوطن الجديد في فلسطينالمحتلة، وإقدام فرنسا علي إنشاء المنظمة الفرانكوفونية، وهي منظمة للدول التي تتحدث الفرنسية، عقب خروجها من مصر مهزومة عسكرياً عام، 56 في محاولة منها لإستعادة نفوذها السياسي، دليل آخر علي أهمية اللغة، ولاننسي أن اللغة الألمانية هي التي أدت إلي توحيد ألمانيا بعد تجزئتها عقب الحرب العالمية الثانية، لذا عملت الحكومة الإتحادية هناك علي تدعيمها في مراحل التعليم المختلفة. وإذا كانت اللغة هي المعبرة عن الهوية والشخصية فهل يليق بشبابنا العربي التحدث بغير المعبر عن شخصيته وهويته؟! صحيح أن الإسلام يدعونا إلي تعلم لغات الغير حتي نأمن مكرهم ونأخذ منهم ماينفعنا، لكنه يدعونا أيضاً إلي الحفاظ علي لغتنا الأم. ومن عجيب الأمر أن مصر التي ظلت تحت الإحتلال البريطاني 72 عاما لم يستطع حينها التأثير علي الشخصية المصرية والهوية المصرية، ولكن في هذه الأيام نجد أهدافه وغاياته أصبح الباب أمامها موارباً، حيث انتشرت بعض ألفاظ اللغات الأخري بين أبناء كل طبقات المجتمع العربي وفئاته المختلفة، وذلك باستمراء تلك الألفاظ، وهذه بداية تنفيذ مخطط تدمير اللغة العربية، لغة الضاد. وإذا كنا بصدد الحديث عن المؤامرة علي اللغة العربية والقومية العربية كجزء من مشروع إستعماري شامل تقليدي ليس بجديد علينا فشل في الماضي، لوجود رجال مخلصين وقفوا سداً منيعاً أمام تحقيقها.. والهدف تفتيت وحدة الأمة العربية بالقضاء علي أهم مقومات وحدتها، وهو وحدة اللغة.. فقد حدثنا التاريخ بأمم وشعوب عاشت تحت الإحتلال، وعمل المحتل علي تغيير لغتها ونجح في ذلك، ومن ثم اصبحت تلك الأمم جزءاً لايتجزأ من دولة الاحتلال، لذلك إتخذ المسيحيين في الوطن العربي بإسلوب تعريب نظام الكنيسة وإقامة الشعائر في الكنائس الأرثوزكسية والكاثوليكية والبروتستانية، بعدما أيقنوا أن القومية العربية واللغة العربية هي أساس قوتهم كعرب مسلمين ومسيحيين للوقوف في وجه المستعمر البغيض الظالم المستبد. وإذا كانت هناك دول وأمم ضاعت هويتها وشخصيتها في الماضي لنجاح المستعمر في تدمير لغاتها، فلم يكتب له النجاح في الجزائر التي عاشت تحت الإحتلال الفرنسي زمناً طويلاً، ورغم الكثير من القرارات الدولية بأحقية شعب الجزائر في تقرير مصيره، الا أن الإحتلال صمم علي أن الجزائر جزء من الإتحاد الفرنسي، نظرا لنجاحه في فرنسة الشعب الجزائري في كل نواحي حياته، في بيئته ولغته وعاداته وتقاليده، والذي سرعان ماعاد إلي الحضن العربي الدافيء بمساعدة أشقاؤه العرب، ولهذا نصت دساتير الدول العربية في ذلك الوقت علي أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية في البلاد العربية. واللغة فضلاً عن أنها سبب من أسباب قوة أي أمة، فهي أيضاً تحدد هوية الشخص، فالملك سعود الفيصل رحمه الله رغم إتقانه لبعض اللغات الأخري إلا انه كان لايتحدث بغير العربية مع سفراء وملوك ورؤساء الدول التي لاتتحدث العربية، وذلك حتي يشعرهم بقوة شخصيته وعزته وكرامته التي يستمدها من عروبته وهويته العربية، في الوقت الذي يتباهي فيه بعض المسؤلين بقدرتهم علي إلقاء كلماتهم في المؤتمرات بلغة الدولة الراعية للمؤتمر! فالإستعمار الذي فشل في الماضي في تغيير هويتنا لابد له اليوم أن يفشل في تحقيق مآربه وأهدافه، والتي هي مآرب وأهداف الماضي، ولنجعل ألسنتنا لاتنطق بغير العربية علي الاقل فيما بيننا، وعلي الاجهزة القائمة علي العملية التعليمية في الوطن العربي العمل علي مزيد من الدعم للغة العربية عن باقي اللغات الأخري التي تُدرس في مدارسنا وجامعاتنا. والسؤال الذي يطرح نفسه وهو.. ما الميزة التي يجدها شبابنا العربي في التحدث بغير العربية؟! هل لكي يشعروا الآخرين بأنهم من طبقة إجتماعية أرقي؟ أم أنهم لايجدون في لغتهم ما يتناسب مع العصر؟ أم هو نوع من الفزلكة؟ أياً كانت الاسباب فالحفاظ علي الهوية والشخصية والإعتزاز بها، والتي تتأكد باللغة أكبر من هذا كله. وأخيراً إلي من يتحدثون بداعي أو بغير داعي بغير المعبر الحقيقي عن هويتهم وشخصيتهم.. هل يليق بهم أن يكونوا بلا هوية وبلا شخصية؟! [email protected]