من الأشياء المثيرة للدهشة والتعجب في حال مصر والمصريين في هذه اللحظة المشحونة بالتوتر، والترقب، والغموض، أن كثيرًا من الشعب المصري شعر بأن عام 2013 تواصل مع 2014 دون فواصل تذكر، أو احتفالات صغري أو كبري تندلع في ساحاته. كما كانت تجري العادة في حياة المصريين أمام عام ميلادي يتلاشي، ويسقط في جوف التاريخ. وآخر يبزغ كبرعم أخضر ليرسم أملاً في أفئدة المصريين خاصة بعد أن تخلصوا من حكم الأهل والعشيرة! ربما يرجع السبب في ذلك إلي أن المصريين بعد الثورتين 'يناير ويونية' سقط حاجز الخوف من حياتهم، فصاروا يعبرون عن ذواتهم بجرأة شديدة دون وجل! لكنهم شعروا بأنهم يعانقون غموضًا يصاحبهم في يومهم وغدهم. فبدا القلق سيد الموقف وحرب الإرهاب التي انتشرت من تخوم سيناء إلي قلب القاهرة يثير أسئلة عديدة عن المصير، والخلاص.. أضيف إليها شباب من الثورة يحاكم والبعض منهم تكال إليه التهم دون التحقيق معه. ولاتزال 'المحظورة' تثير الشغب والعنف ولا ترتدع!! ورغم أن بحر السياسة جرف الجميع إلي مجراه، وإلي أمواجه الصاخبة في أعقاب الثورتين.. فإن جميع الفرقاء السياسيين، أو بمعني أدق النخبة السياسية التي تقود الشعب، بدت كأنها جماعة من الهواة لا المحترفين. تجرب فينا نحن الشعب المصري ، 'قد تصيب وقد تخيب'.. وبدا أن الأمر في النهاية متروك للحظ تارة، وللأهواء والأنواء تارة أخري، أو ثالثة اللعب في الكواليس دون الظهور العلني علي خشبة المسرح، حيث الأنوار الساطعة، والمكاشفة والتفاعل الحميم بين الصالة والخشبة بلغة أهل الفن، أو بين أهل السياسة والشعب بلغة الاجتماع، الأمر الذي يقضي علي الشائعات التي صرنا نعيش علي بحور منها، ونكبش جمرها قبل رمادها. إن البلد يحتاج إلي رؤية واضحة، إلي شفافية في تنفيذ خريطة المستقبل وخطواتها المتعاقبة، إلي قوة القانون بجانب قوة الأمن ليشكلا قوة الأمة. حتي يستشعر الشعب بأن ثورة يناير التي سرقها 'الإخوان' قد استردت عافيتها بعد ثورة يونية التي صوبت المسار، واحتفظت بالاختيارات الأساسية في العيش، والحرية، والكرامة الإنسانية، والعدالة الاجتماعية. بمعني مختصر مفيد إن يونية هي امتداد ليناير.. لكن ما يشهده المجتمع المصري الآن من جماعة الإخوان الإرهابية بعنفها وسمومها الدعائية، تدعي ملكيتها لثورة يناير وعدائها ليونية.. في حين نري بزوغ فلول النظام المخلوع التي تطل لينا بتبجح وهي تدعي ملكيتها لثورة يونية وتكيل 'السُّخام' علي يناير.. وهي تحاول أن تقفز علي السلطة من جديد، تسمم الأجواء كعهد 'الحزب الوطني'!! لتعيدنا إلي المربع صفر.. مربع ما قبل 25 يناير 2011.. وسنوات المخلوع التي استشري فيها الفساد وأسس دولة 'قانون الفساد' إذا صحت التسمية! وقد كانت دولة بوليسية بامتياز ومستبدة بشهادة الشعب الثائر والعالم المراقب. نعم إن الوضع في مصر الراهنة أشبه ما يكون إلي أفلام الخيال العلمي، أفلام الإثارة، والرعب والترقب، حيث يوجد 'قطار' عملاق، يستقله حشود فارقة في الأعداد، والأعمار، والفئات والطوائف.. الكل فيه عن طيب خاطر وطواعية، واعتناق، متوجهًا إلي مقدمة القطار 'الدفة' التي تتهيأ إلي وضع رأس منتخبة علي كرسي القيادة، والقطار يسير بعد أن ارتضي هؤلاء الركاب الكثر علي تلك المجموعة التي تقوم بعملية التسيير المؤقتة رغم ملاحظات البعض منهم علي سلبية إدارة هذه المجموعة. وقد تجلي في فزع بعض الركاب من 'المطبات' التي وقع فيها القطار.. لأن قضبان القطار تتخللها مسافات وفوارغ للزمن.. وقد شهد القطار بعض الحوادث ولا يزال 'الركاب' متمسكين بالخريطة التي وافقوا عليها وهي ترسم لهم ملامح مستقبلهم، لكن رويدًا رويدًا، شعر هؤلاء الركاب بأن هناك من الوجوه التي بدأت تتسلل إلي ذيل القطار.. ووضعوا لنفسهم منصة يخطبون عليها. وبعد أن ظن 'الركاب' أن تلك الوجوه القديمة في عداد الأموات علي طريقة 'أهل الكهف'. فإذا بهم يضحون أمامهم وكأن الروح دبت فيهم من جديد.. ربما من خلال النوافذ العديدة التي فتحت أمامهم، والرياح المواتية التي أنعشتهم! وبالمكابرة وخداع النفس ظن أهل الكهف الجدد أو فلول المخلوع.. انهم أصحاب القوة والسطوة وأن بالأمن وحده يصنعون الأمجاد أو يستعيدونها!! وبعد أن خيّل لهم أنهم هم الذين أطاحوا بالإخوان في حلبة الصراع وأنهم صناع يونية الهادر بملايين من الشعب المصري علي اختلافه وتحالفه مع الجيش وقائده السيسي!! خيّل إليهم أنهم أجهزوا علي الإخوان في لعبة المصارعة وما يعرف بلمس الأكتاف.. ومزيدًا من سريان الوهم واتباع الهوي لايزالون يحلمون بفوزهم بالضربة القاضية علي الإخوان وشباب الثورة في آن!! وقد ظنوا أن ركاب القطار فقدوا الذاكرة، أو كما كانوا في زمن المخلوع، تكفيف الأفواه، وكيل الاتهامات.. والحقيقة أن هؤلاء الفلول هم الذين فقدوا الذاكرة. في حين أن الشعب يتسلح بذاكرة حية تجعله يري الحقائق ويدافع عنها بحرارة.. وأن الإخوان والفلول ما هما إلا وجهين لعملة واحدة.. وأنه لا يمكن استرجاع عجلة الزمن للخلف.. وأن الزمن كالسيف إن لم تقطعه قطعك.. وقد ولي زمن الاثنان: المحظورة والفلول.. لأنهما وجهان لعملة واحدة.. ثار عليها الشعب المصري.. ولفظها وهو يتوجه إلي رسم مستقبل يتجاوز أدران الماضي الأليم. في ظل القطار.. يشعر الركاب بالوضع الشائك الذي يعيشون فيه.. ففي حين يتوجه الجميع إلي المجموعة التي تدير الدفة صوب المستقبل وتقابلها مجموعة صارت أصواتها تتصاعد، ووجوهها تتعري وتتكشف، وهي تتجمع في ذيّل القطار.. ربما متصورة أو متوهمة أنها تستطيع أن تقود القطار في اتجاهها واتجاه مصالحها بالأساس والتي هي علي النقيض من رغبة الغالبية العظمي من الركاب.. والشكوي تأتي هل من بينكم جالسون في المقدمة لا يعرفون، ولا يسمعون من هم في الذيل يعبثون؟! إن هذا القطار يا سادة.. هو 'قطار مصر' نستقله جميعًا، ويراقبنا فيه الجميع.. من الداخل ومن الخارج.. والأيادي العابثة كثر، والمحاذير صارت تتسع حتي نالت من السمعة في غيبة القانون.. والاتهامات تتطاير في ظل القوي الأمنية التي تتحمل أكثر من طاقتها. والبعض يريد استنزافها! إن ركاب القطار يشعرون بهذا الصراع القائم بين من هم في مقدمة القطار، ومن هم يتمركزون في ذيله وصاروا منتشرين في جسده.. يبغون تغيير الدفة والهدف! والركاب في معظمهم مصرون علي أن يوحدوا صفوفهم وأصواتهم ليقولوا: 'نعم' مدوية في الاستفتاء علي الدستور في يومي 14 و15 يناير. إن كلمة 'نعم' تحمل معني واضح الدلالة.. وهو الضرورة لتغيير تلك القيادة بقيادة منتخبة تعبر عن الآمال الكبري في الحرية، والعدالة، والكرامة.. وبهذا يدخل أهل الكهف إلي كهفهم، وأهل المحظورة إلي جوف التاريخ إلا من رحم ربي. أما 'السيسي' فيظل الخيار 'الضرورة' لكي يسير القطار بقوة علي قضبان سليمة، إن من يحاول أن يصنع تناقضًا أو حاجزًا بين البطل الشعبي في وصف 'السيسي'، والقائد والرئيس 'الضرورة' كما تمليه معطيات الواقع، فهو واهم لأن البطل علي أرضية القائد والرئيس ومتوجًا برئيس منتخب لهو بمثابة رهان الشعب علي سلطان العدل، لا عدل السلطان فما أحوجنا بعد ثورتين عظيمتين إلي 'سلطان العدل' الذي يصبح عنوان مصر الجديدة القادمة.