لجنة الدستور تضع اللمسات الأخيرة علي مشروع الدستور الجديد للثورة المصرية، أسابيع ويطرح للاستفتاء العام، وأتمني ألا يكون هناك عوار في الدستور ينتقص حقوق الأفراد أو حرياتهم، وهناك بالطبع خلافات حول عدد من المواد، وهي خلافات جوهرية ومهمة ونناقش هنا الخلاف حول المادة الخاصة بحظر بمحاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، فهناك رأي يري أن يتم الاقتصار علي الاختصاص للمحاكم العسكرية في محاكمة المدنيين في حالة الاعتداء علي منشآت عسكرية أو عسكريين بمناسبة أداء مهامهم، وبالطبع الرأي الآخر يري أيا كانت الجريمة يجب ألا يحاكم المدني أمام قضاء عسكري. ويجب التذكير بأن دستور 2012 أقر مبدأ محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، وهنا نؤكد أننا لا نطعن في نزاهة القضاء العسكري، فهو قضاء مختص بالجرائم العسكرية التي يرتكبها العسكريون، ومخالفات الانضباط وإطاعة الأوامر العسكرية، ولكن موضوعنا هو مبادئ حقوق الإنسان ومعايير المحاكمة العادلة والمنصفة للمواطنين المصريين وفقا للعهد الدولي لحقوق الإنسان الذي وقعت وصدقت عليه مصر، وأصبحت ملتزمة بتطبيق نصوصه وإدماجها في نظامنا القانوني، ومضمون هذا هو أن المحكمة تكون مشكلة بقانون وأن يكون القضاة مستقلين غير قابلين للعزل، وأن تجري المحاكمة علي درجتين، وأن تكون هناك محكمة عليا تراقب سلامة تطبيق القانون، وأن تتوافر للمتهم حقوق الدفاع عن النفس. فقد تم تعديل المادة وفق ما تقدم بها ممثل الجيش في اللجنة فأصبحت تنص علي محكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية كما عرضها ممثل الجيش بعد حذف عبارة ' ثكنات القوات المسلحة ' وبعد التصويت وافق 30 عضو علي نص المادة مقابل 7 أعضاء رافضين وامتناع عضوين عن التصويت. وأصبح نص المادة '174' 'القضاء العسكري جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيره بالفصل في كافة الجرائم المتعلقة بالقوات المسلحة وضباطها وأفرادها ومن في حكمهم، والجرائم المرتكبة من أفراد المخابرات العامة أثناء وبسبب الخدمة. ولا يجوز محاكمة مدني أمام القضاء العسكري إلا في الجرائم التي تمثل اعتداءا مباشراً علي منشأتها العسكرية أو معسكراتها أو ما في حكمها، أو المناطق العسكرية أو الحدودية المقررة كذلك أو معدتها أو مركباتها أو أسلحتها أو ذخائرها أو وثائقها أو أسرارها العسكرية أو أموالها العامة أو المصانع الحربية أو الجرائم المتعلقة بالتجنيد أو الجرائم التي تمثل اعتداءا مباشراً علي ضباطها أو أفرادها بسبب تأدية أعمال وظائفهم'وما يكلفون به من أعمال وطنية' ويحدد القانون تلك الجرائم، ويبين اختصاصات القضاء العسكري. وأعضاء القضاء العسكري مستقلون غير قابلين للعزل، وتكون لهم كافة الضمانات والحقوق والواجبات المكررة لأعضاء السلطة القضائية.'. المحاكمة تتم للمتهم بالجريمة أيا كانت جسامتها يجب علي المحكمة إتباع إجراءات محددة لإثبات التهمة علي المتهم وإنزال العقاب اللازم عليه بعد تمكينه من الدفاع عن نفسه عبر محام، ويتضمن قانون العقوبات أبوابا للجرائم، ومنها الجرائم التي تمس أمن الدولة من الداخل أو الخارج في البابين الأول والثاني، وهي تتضمن جرائم من نوع التجسس والتخابر وقلب نظام الحكم وتعطيل مؤسسات الدولة ومنعها من أداء واجبها والاعتداء علي الممتلكات العامة والمال العام، وبالتالي ما الفارق بين ارتكاب جريمة من الجرائم المشار إليها ضد مؤسسة من مؤسسات الدولة أو مقر لمنشأة عسكرية الخطورة واحدة لا يمكن قبول التحجج باستثناء الجرائم التي تقع علي منشآت عسكرية، إلا لو كان مرتكبها عسكريا، هنا يقع الاختصاص للقضاء العسكري، أي أنا هنا أحدد الاختصاص علي أساس شخصي وليس موضوعيا، شخصي بمعني شخص المتهم وليس نوع الجريمة المرتكبة، مثل قضاء الأحداث فهو يختص بالمحاكمة علي كل الجرائم بشرط أن يكون مرتكبها أقل من السن القانونية. لذلك فإن النص في الدستور الجديد يجب أن يكون وبكل وضوح لضمان الحق في المحاكمة العادلة والمنصفة للمواطنين أمام قاضيهم الطبيعي وقصر اختصاص القضاء العسكري علي العسكريين، وقد يظهر سؤال حول الجرائم التي ترتكب والمتهمون فيها مدنيون وعسكريون، هنا يمكن أن تخضع مثل هذه القضايا وتحال وفقا لقواعد تنازع الاختصاص بين المحاكم وأن، تتولي المحكمة الدستورية هذا الاختصاص لكي تحدد المحكمة المختصة بنظر القضية. وجديرا بالذكر إن الدستور السابق 71 وقانون القضاء العسكري أعطي رئيس الجمهورية حينذاك يحق لرئيس الجمهورية- استنادًا إلي الحق المقرَّر له بالمادة السادسة 'الفقرة الثانية' من قانون الأحكام العسكرية 25/1966 'المعدل القوانين: 5 و7/1968- 82/1968- 5/1968- 14/1970- 72/ 1970- 46/1975، 1979- 1/1983'، والتي تنص علي: 'تسري أحكام هذا القانون علي الجرائم المنصوص عليها في البابين الأول والثاني من الكتاب الثاني من قانون العقوبات وما يرتبط بها من جرائم، والتي تحال إلي القضاء العسكري بقرار من رئيس الجمهورية، ولرئيس الجمهورية متي أُعلنت حالة الطوارئ أن يُحيل إلي القضاء العسكري أيًّا من الجرائم التي يعاقب عليها قانون العقوبات أو أي قانون آخر'. ولما كانت المادة سالفة البيان تتكلم عن سريان قانون الأحكام العسكرية علي بعض الجرائم التي لها حساسية خاصة وطابع سياسي أو ما يسمَّي بالإجرام السياسي أو جرائم الرأي 'وهي جرائم الكتاب الثاني من قانون العقوبات'، وكان من ثم يعطي لرئيس الجمهورية الحق في إحالتها للقضاء العسكري.. فإنه والحال كذلك فإن مدي قانونية حق رئيس الجمهورية في إحالة المدنيين للمحاكمة أمام المحاكم العسكرية مرتبط بمدي قانونية النصّ القانوني سند الإحالة ارتباط السبب بالمسبب ارتباطًا لا يقبل التجزئة، إذ إنه من المستقرّ أن العلة تدور مع المعلول وجودًا وعدمًا. إن القيمة الدستورية للقضاء العسكري حيث انه المكمل للقضاء العام لتوافر ثلاثة عوامل رئيسية فيه و هي: - الفاعلية و احترام حقوق الإنسان والمساهمة في تحقيق الاستقرار و في ردها أن القضاء العسكري هو قضاء استثنائي و يمثل انتهاكا مستمرا لاستقلال القضاء و الحق في محاكمة منصفة كما انه يمثل انتهاكا صارخا للمادة الرابعة عشرة من العهد الدولي للحقوق السياسية و المدنية و التي تؤكد حق كل فرد في محاكمة منصفة و مستقلة و محايدة و قائمة استناد إلي قانون فضلا عن انه يخل بمبدأ استقلال القضاء و تجانسه و يسلب من المحاكم العامة اختصاصها و يسلب من الشخص ضماناته المكفولة له أمام قاضية الطبيعي حيث يقتصر تشكيل المحاكم العسكرية علي ضباط القوات المسلحة و هم يخضعون لإدارة القضاء العسكري و هي إحدي إدارات القوات المسلحة و التي تخضع بدورها لوزير الدفاع و هم يعينون لمدة سنتين قابلة للتجديد بقرار من وزير الدفاع و هو ما يتعارض مع مبدأ عدم قابلية القضاة للعزل و استقلالهم و عدم التأثير عليهم في أحكامهم و من ناحية أخري لا يخضع الأحكام الصادرة عن المحاكم العسكرية لإشراف محكمة عليا تراقب سلامة تطبيقها للقانون حيث تخضع هذه الأحكام السلطة من رئيس الجمهورية بصفته القائد الأعلي للقوات المسلحة أو من يفوضه في ذلك من ضباط القوات المسلحة إن إحالة متهمين مدنيين للمحاكم العسكرية يشكل حجبا للقضاء العادي في بسط ولايته علي الوقائع التي يرتكبها المواطنون المدنيون و تمثل افتئاتا علي حق المتهم في المثول أمام قاضية الطبيعي و اعتداء علي حق المجتمع في الحفاظ علي استقلالية القضاء و نهوضه بالمهام المنوط به أدائها.