في ظل حالة فوضي التعبير عن الرأي التي اجتاحت البلاد بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، ظهرت وسيلة جديدة للتعبير عن الرأي لم تكن يوماً من سمات الشعب المصري المتدين بطبعه، فبدأ شباب جماعة الإخوان في إعادة تشكيل فن الجرافيتي علي الحوائط الي نوع آخر من التعبير عن الرأي الغاضب يظهر في شكل شتائم وألفاظ خارجة تكتب علي حوائط وأسوار المباني العامة والخاصة، مما يفقدها منظرها الجمالي ويسئ الي سمعة البلد بهذه الكتابات غير الاخلاقية التي تكتب عادة تحت ستار الليل للهروب من الملاحقة القانونية. ولكن هل هذه الكتابات والعبارات التي تشوه حوائط شوارعنا تعد جريمة يعاقب عليها القانون؟، وما مدي اساءتها للبلاد ولمظهرها الحضاري بين العالم؟ وما الدافع وراء ارتكاب مثل هذه الاعمال التخريبية؟, حملنا تساؤلاتنا الي عدد من الخبراء واصحاب الرأي لمحاولة البحث عن حل.. الدكتور أحمد عودة 'أستاذ القانون' قال: إن تلك الكلمات التي يكتبها البعض أثناء تظاهرهم علي حوائط وأسوار المباني تعد سبا علنياً لما تتضمنه من ألفاظ خارجة تخرج عن اللياقة والأدب والذوق العام وعقوبتها الحبس. وأكد عودة أنه بالرغم من أن المنطق يجعل كتابة هذه العبارات في جنح الليل وفي الظلام حتي لا يمسك بهم أحد ويتعذر ضبطهم للإفلات من العقوبة والمسئولية الجنائية، وهذا ما يحدث فعلا في غالب الاحيان، إلا ان هؤلاء الشباب الذين يرتكبون هذه الجرائم لا يخشون أحداً، بل إنهم يكتبون هذه العبارات أثناء تظاهرهم في وضح النهار، حيث يستهدفون أسوار المنشآت العامة ويبدأون في الكتابة عليها، وتكون كلماتهم بها تهديدات ووعيد كما انها تتضمن شتائم وألفاظًا خارجة مما يجعلها أعمالا تخريبية وغير قانونية. كما شدد علي ضرورة مراقبة مثل هذه التصرفات والإمساك بفاعليها وتحميلهم تكاليف ازالة هذه العبارات بخلاف توجيه تهم السب العلني وتخريب المنشآت العامة لهم، وضرب مثالاً علي ذلك بأن موظفي أجهزة الحكم المحلي يقومون بازالة آثار الدعاية الانتخابية علي نفقة المرشح، وبالتالي يجب إزالة هذه الكتابات علي نفقة مرتكبيها. ويؤكد المستشار بهاء أبو شقة 'أستاذ القانون الجنائي' أن هذه الأفعال مؤثمة بموجب قانون العقوبات وتصل عقوبتها الي الحبس حتي 3 سنوات، موضحاً أنه وفقاً لقانون العقوبات، فإن هذه الكتابات أو الصور أو الرسومات يجب معاقبة مرتكبيها لأنها تسيء الي سمعة الافراد أو تكدر الأمن العام أو تسيء الي سمعة الدولة، وهي تشكل سباً وقذفاً في حق الغير، تكون عقوبتها الحبس. وأضاف أن كتابة مثل هذه العبارات المسيئة تعبر عن نفسية إجرامية كامنة في عقول هؤلاء الشباب ويجب التحرك لعلاجها وإيجاد اسبابها للوقوف علي حل لمثل هذه التصرفات غير الأخلاقية، مشيراً الي أن هذه العبارات تتم كتابتها ليلاً أو في الساعات الأولي من الصباح، وهذه العبارات يعاقب عليها القانون وتدخل تحت جريمة السب والقذف والتشويه للمباني والمنشآت العامة والخاصة. ويري الدكتور هاني رسلان 'خبير سياسي بمركز الأهرام'، أن السلوك التخريبي الذي تقوم به جماعة الاخوان المسلمين من سب وشتم وحديث عن انقلاب علي حوائط المؤسسات والمنشآت المهمة في الدولة يمثل إساءة لسمعة مصر وجزءًا من السياسة التخريبية لطائفة منفصلة عن الشعب والوطن. وأضاف رسلان أنهم يرون أنهم أصحاب حق شرعي في إدارة الدولة، وإذا لم يستطيعوا الوصول لذلك -كما حدث بعد 30 يونيو وخروج الملايين من الشعب للمطالبة برحيلهم ووقوف الجيش بجانب ارادة تلك الملايين، فيتجهون لمثل تلك الاعمال التخريبية، التي وصفها رسلان بأنها أعمال بائسة وسطحية ولن تغير شيئًا من المعادلات الموجودة لأن الملايين التي خرجت مازال الجيش هو وجهتها بالفعل ونتاج أعمالهم تلك المزيد من العزلة ومشاعر سلبية من كل فئات الشعب، ويري رسلان أن مثل تلك الأعمال تعطي مشروعية لمحاسبة تلك الجماعة بحسم حيث توجد حالة من الصبر الطويل فمثل تلك الأعمال التخريبية يجب أن تواجه ويتصدي لهم بحزم أكبر. ويؤكد أنها فترة انتقالية وسوف نمر منها فهم غير أسوياء وتعرضوا لضربة قوية أفقدتهم كل ماكانوا يحلمون به. وتقول الدكتورة سلوي شعراوي 'أستاذ السياسات العامة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة'، إن حرية التعبير مكفولة للجميع ولكن دون المساس بالشكل الجمالي و الحضاري للبلد، فما يحدث في مصر في الآونة الاخيرة من تشويه للمنشآت والمباني، يعد عملاً غير ثقافي، حيث يعبر عما بداخل الفرد من قيم و ثقافات و رقي، ولا يمت لحرية الرأي بصلة. وتؤكد 'شعراوي' أن ذلك كان ممكنًا أن يحدث في أوقات لم يوجد فيها وسائل أخري للتعبير عن الرأي وليس بمثل هذه الصورة، وتضيف بأننا الآن في أمس الحاجة لتحسين جودة الحياة واقتصاد الوطن فمواردنا محدودة للغاية في تلك الفترة وما يحدث من أعمال بعيدة كل البعد عن التمثيل الحضاري و الاخلاقي ويكلفنا مبالغ طائلة لإصلاح ما يتم تشويهه. ويري الدكتور وحيد عبد المجيد 'الخبير السياسي ورئيس مركز الأهرام للترجمة والنشر'، أنه يجب التمييز بين أمرين، الأول هو رسوم الجرافيتي فهذا فن لابد من الحفاظ عليه بكل ما يتضمنه عن ثورة 25 يناير ومحمد محمود وميدان التحرير وكل مكان يوجد به هذا الفن الثوري فهو معرض حي للثورة في كل موجاتها بكل مراحلها، أما الأمر الثاني فهو تلك الشعارات والشتائم التي أصبحت موجودة علي الكثير من المنشآت العامة والتي ينبغي إزالتها حتي لو لم تكن مسيئة، ويجب ان تكون تلك قاعدة عامة حتي نستطيع التفريق بين فن الجرافيتي وهو فن عالمي ومثل تلك الاعمال المسيئة حتي لا نأخذ العاطل بالباطل مثل ما حدث في نقابة الصحفيين عندما تمت إزالة رسم للشهيد الحسيني أبو ضيف من علي جدران النقابة وقيل بعد ذلك أنه تم عن طريق الخطأ، وأدان عبد المجيد مجلس النقابة كله وأكد أن التاريخ لن يغفر لهم ذلك. ووصف الدكتور أيمن العزوني 'أستاذ الطب النفسي'، الشتائم التي تكتب علي الجدران بأنها غير حضارية وتمثل انقلابا أخلاقيا ولفظيا وتجرؤاً علي القانون، وأنها تعد خطوات وتعبر عن تطور السلوك لهذه النوعية من الشتامين بأنها تبدأ بالصمت ثم النظرات الغاضبة وتتطور إلي الصوت العالي وتنتهي بالسلوك العدواني. وأكد أن اتجاه الجماعة إلي مثل هذه الكتابات والتي تتم غالبا في أوقات متأخرة من الليل أو ساعات الصباح الأولي كشف عن عودة هذه الجماعة إلي العمل السري فهم لا يعرفون العمل في النهار والشمس ساطعة. وأوضح أن السلوك تطور لدي هذه الجماعات من مرحلة العدوانية إلي مرحلة العدوان، وعن الفرق بين مرحلة العدوانية والعدوان، أشار إلي أن العدوانية عبارة عن مشاعر لدي الشخص فإذا خرجت هذه المشاعر وأخذت شكل سلوك أصبحت عدواناً وسلوكا مفضوحا. ولخص العزوني منهج الإخوان بأنه يقوم علي التشويه وتأليب الناس علي خصومهم وعلي من لا يتفقون معهم في الرأي إذا لم يفلحوا فإنهم يلجئون للاغتيال والعنف سواء كان سياسياً أو جنائيا فهم يشتغلون شغل المنافقين إذا خاصموا فجروا.