يُروي أن قائداً عسكرياً كان من ضمن كتيبته جندي متحجر الفكر , مجادل بالباطل, قد أغلق عقله بأقفال تستعصي علي كل المفاتيح فهولا يقبل نصحاً ولا يسمع لناصح ولو كان أعلم منه وأفهم. وقد جمع القدر القائد ذات مرة بذلك الجندي فطلب منه سكيناً ليشق بها بطيخة, فما كان من الجندي إلا أن قال: إن البطيخة تفتح بالمقص ولا تشق بالسكين ! فنهره القائد: ياهذا بل تشق البطيخة بالسكين, لكن الجندي أبي أن يرجع عن قوله, وأصر أن البطيخة تفتح بالمقص. وبين أخذ ورد ضاق القائد بالجندي ذرعاً فأمر زملائه من الجنود بضربه فضربوه ثم أمر بإحضاره إليه وسأله بم تفتح البطيخة فأجاب الجندي وقد أعياه الضرب: تفتح البطيخة بالمقص ! فاستشاط القائد غضباً وأمر بإلقائه في نهر قريب ولسوء حظ الجندي أنه كان لا يحسن السباحة فظل يغوص في الماء ويطفو وكلما طفا هتف وهو ينظر إلي القائد 'بالمقص لا بالسكين تفتح البطيخة يا مسكين حتي إذا غلبه الماء ولم يستطع أن يرفع رأسه أشار بكلتا يديه بعلامة المقص ثم غاص إلي الأعماق غريقاً ! وما ذكرت القصة للتسلية, ولكن لأننا نري في واقعنا ما يشبهها إلي حد التطابق, إن أمثلة ذلك الجندي الأحمق صاحب العقل الموصد موجودة في واقعنا في صورة أولئك الذين يأبون الرجوع إلي الحق ويستمسكون بما صور لهم خيالهم المريض أنه الصواب, وما زين لهم تعصبهم الطائش من أفكار. ولأكون أكثر وضوحاً أقول: إن ما نراه من مواقف جماعة الإخوان من استماتة في التمسك بالباطل الذي يحسبونه حقاً لهو صورة طبق الأصل من شخصية ذلك الجندي سالف الذكر الذي ما تعلم من خطأ ولا استمع لناصح. .. وتاريخ الجماعة يؤيد ما أقول ففي العام 1948 وبعد سلسلة من الاغتيالات والهجمات الإرهابية التي قامت بها جماعة الإخوان قررت الحكومة حل الجماعة ومصادرة أملاكها واعتقال عدد كبير من أعضائها, لكن الإخوان لم يراجعوا أنفسهم ويبحثوا في أفعالهم هم عن سببٍ لقرار الحكومة ذلك, بل أصروا علي أن 'البطيخة لا تفتح إلا بالمقص 'وقاموا باغتيال النقراشي باشا رئيس وزراء مصر-صاحب قرار الحل - وهو ما أدي بدوره لمقتل مؤسس الجماعة ومرشدها الأول حسن البنا ويتكرر السيناريو في العام 1954 حين حاول الإخوان الانقلاب علي ثورة يوليو متعاونين في ذلك مع الانجليز الذين كانوا يرغبون في إسقاط الثورة أيضاً وهو ما باء بالفشل, وأدي لحل الجماعة للمرة الثانية واعتقال وتشريد أتباعها ومرة أخري يحافظون باستبسال علي أقفال عقولهم و يصرون علي المقص كوسيلة لفتح البطيخة, فينشئ سيد قطب تنظيمه السري الذي خطط لقلب نظام الحكم عبر إغراق البلاد في فوضي عارمة ونسف بنيتها التحتية انتقاماً من جمال عبد الناصر, لكن التاريخ ينبئنا أن ذلك لم يحدث وغرق الإخوان و'مقصهم 'في بحار غباءهم. وتمر الأيام والعقل المغلق يأبي الفتح والفكر المتحجر يرفض أن يلين والحمق يسري في عقول القوم كما تسري الدماء في العروق. وبعد سنين من الاختفاء ثم الظهور الخافت والتقلبات التي جرت للجماعة وبعد طول انتظار ظفر الإخوان في العام 2012 بما سعوا من أجله وضحوا في سبيله بكل تلك السنين وفازوا بكرسي الحكم, لكنهم ظلوا وهم في الحكم بنفس طريقة التفكير ونفس أسلوب التعامل مع الحقائق وهو إغلاق العقل وسد الآذان عن كل صوت من خارجهم حتي لو كان ناصحاً أمينا والمنطق يقول أن المقدمات المتطابقة لا تولد نتائج مختلفة فكان الفشل الذريع نتيجة الإعجاب بالرأي واحتقار الغير والإصرار علي الخطأ, فثار الناس عليهم وأسقطوا حكمهم محدثين بذلك رجة عنيفة لعقول لو كانت في صلابة الحجارة لتكسرت, ولكن يبدو أنها من. الحجارة أصلب وعلي عكس كل التوقعات لم تحدث الصدمة تغيراً في فكر الجماعة أو مراجعة لنهجها بحثاً عن أسباب السقوط المتكرر بل سارت الجماعة علي درب الجندي الأحمق في العناد رغم اقتراب الماء من قمة رأسها وإدراك الغرق لها نراها تهتف بلسان الحال ' بالمقص لا بالسكين تُفتح البطيخة يا مسكين' !