مُوزع أنا ولست تائهًا، أقبضُ بيد واثقة على مفاتيح مغاليق أبوابهم الصَدئة، أرْكضُ فى الميادين وأحشدُ الناس لقضيتى ويبقى داخلى الحنين للوحدة والإبداع، أغوصُ فى وشوش البُسَطاء وألتصق بهتافات المصريين ما بين جمعة الغضب وجمعة لا للعنف، ما بين استئساد على الجبروت وإصرار على اقتلاعه، يُغذينى تقلبى فى الوطنيين الصادقين، وفى الطريق إلى الاستديوهات أحكى للسائق ويحكى لى عن تاريخ بؤسنا العَصى وخفة دم الشعب فى الأزمات وتسكن ملامحه الراضية ألم فراقى عن الأحبة إلى حين، ويُخبرنى أن هناك اثنين من منظريهم ينتظرانك، إنهم لفى ضلالهم القديم وعشقهم للاستبداد وأحذية العسكر، يكرهون السماء التى تمطر، يجيدون فن الخداع والدجل، يرتدون ثيابًا مُحتالة بها رائحة فساد لم تغتسل من عرق الكَبر وجنابة العُهر، مطرزة بحقد قديم للطهر والعفة، يزعقون ويدعون الحكمة ويجيدون المَط والتطويل، صاروا جزءًا من مشهد البؤس وعلامة من علامات الوجع، يفلسفون العصيان ويروجون للتمرد ويحرضون على اغتيال التغيير وهدم أى منهج جديد وسد أى منفذ للخلاص، يكتبون بخط رَكيك على مداخل أرواحنا المشتاقة للتحرر، الملتاعة من العذاب، سيناريو باقى حلقات مسلسل مبارك وعائلته الذى انقطع تصويره فى يناير قبل الماضى. ينظرون إلى منطقك الثورى باحتقار ويخيرونك بين مبارك ومبارك ويجاهدون فى إظهارك أمام عيون العالم أنك إثمُ الأرض الوحيد وسفاحها العتيد وسبب شقائها ومصدر عهرها. أجلس واثقًا من حلمى، مُستندًا بظهرى إلى تاريخى، أفند مزاعمهم وأرد على أكاذيبهم وأفضحُ ضلالهم المبين. المشهدُ مرة أخرى أيها السائق الطيب؛ فلا يهمنى إن كان أكاديميًا أو بلطجيًا، جهبذًا أو قنفذًا، أمن الراسخين فى التحليل البارعين فى الرؤية أو فى النفاق، سأقصص رؤياى على الألمعى اللوذعى والمفكر الخطير، فكيف سيكيد لوطن جاعَ وعطش طويلًا فى صحراء البؤس والطغيان، ولم تبقَ سوى خطوات قليلة ويدخل خيمة الاستقرار والرفاهية والنماء. أيها الفلان، لقد حملنا السلاح ردًا على الاعتداء الآثم الذى قاده زعيم ميليشيا مبارك زكى بدر تحت عنوان "الضرب فى سويداء القلب"، بعد أن قُتل شبابنا وانتهكت حرمات بيوتنا ومساجدنا، وحملنا السلاح لفتح المجال السياسى وانتزاع حرية المصريين، وأنتم تحاربون اليوم لغلقه، ونحن راجعنا أخطاءنا وقمنا بنقد أنفسنا، واستمراركم فى انتهاج العنف لأنكم لم تراجعوا يومًا أخطاءكم ولم تتوبوا يومًا عن جرائمكم التى ارتكبتموها فى حق مصر وشركائكم فى الوطن فى أواسط الخمسينات ونهاية السبعينات. طالَ الحوار والجدل وزادَ شوقى للعودة للميدان وإلى رؤية وجه السائق الطيب ووشوش المصريين الأحرار "احنا حماة الثورة ديا ضد الهمج البلطجية" "صبرًا صبرًا يا وطن إحنا ولادك فى المحن"، وبعد إثبات أن القضية تضحية بوطن من أجل خلاف فكرى وأيديولوجى لإعاقة رسم الرئاسة والدستور والحكومة والبرلمان بخط الإسلاميين الصادق الجميل المعبر عن الشعب، ذكرتهم بالأبله الأحمق الذى شغلَ الشعب بفكرة خائبة أن البطيخة لا تُكسر بالسكين إنما بالمقص، وبعد أن أثبت له الملك أن ذلك مستحيل أصرَ وتابعَ فى دعوة الرعية لانتهاج فلسفته "يا مساكين البطيخة لا تُقطع بالسكين"، وأمرَ به الملك فإما يعود إلى رشده وإما يُقذف فى البحر، وفى البحر يغرق وهو يرفع إصبعيه السبابة والوسطى علامة المقص؛ فمصر لا تُقسم عند السادة الناصريين واليساريين أبدًا قسمة عادلة بالانتخابات والشورى والديمقراطية ليأخذ الإسلاميون نصيبهم الذى يستحقون، كلا وألف كلا، بل بمقص البلطجة الناصرى والتخريب اليسارى والفوضى الأناركى والطمع الطائفى. أيها الصبى ضحل المعرفة متهافت المنطق عاشق المولوتوف، يا فلان ابن فلان، يا ذا السكسوكة والشال، أيها النجم الفضائى بالجينز والآى باد، تحارب باستماتة لا يخرس لك لسان، تريدُ تشتهر كالأعرابى الذى بالَ فى بئر زمزم، كُف عن التفلسف والتقعر والتعولم والتفذلك، ستغرق كذلك الأحمق يا مسكين، وتبقى مصر عصية على مقصاتكم، لا تقسم إلا قسمة عادلة متوازنة، تحتوى جميع أبنائها وترضى جميع من ناضلوا وضحوا فى سبيلها. [email protected]