أطرق لأول مرة بوابة مؤسسة أخبار اليوم العملاقة .. الطرقات وإن كانت تحمل قوة الأمل في المستقبل إلا أنها تعرف خوف الضعف من البدايات! يفتح أستاذي جلال الدين الحمامصي الكاتب الصحفي الكبير أمامي باب طريق التقدم علي مصراعيه لي ويمنحني ثقة وحبا واحتواءاً.. أتلهف علي الدخول إلي عالم الكتابة الصحفية التي شغفت لبي، أحلم بأول سطوري علي صفحات الجريدة، وبأول توقيع لي تحت هذه السطور! تأتي فرصتي الثانية عاجلة منه، من د. رفعت كمال هذا الكاتب الصحفي الكبير الشهير والذي طالما قرأت له ، يتعرف إ إليّ فلا أكاد أصدق تواضعه، يسألني وابتسامته الآسرة تبعد الرهبة عن قلبي وعقلي: " بتحبي تكتبي في أي تخصص ؟" ينتظر مني بصبر أبوي إجابة لاتأتي لأنها مازالت تتلعثم علي لسان خوفي.. تتسع مساحة ابتسامته الحانية يربت علي كتفي قائلا : " بلاش تردي ياستي.. أرد أنا بدلا منك ؟" أهز رأسي بقبول، تتعالي ضحكته لتشق سكون المكان قائلا أبدئي معي بالكتابة الطبية، ويتابع "شوفي ياستي هذا رقم تليفون طبيب شهير جدا، وهذا عنوان موضوع صحفي أريدك أن تقدميه لي في خلال يومين، حدثي الطبيب هاتفيا وقولي له أنك تلميذتي النجيبة، لاتخش شيئا، انطلقي الآن، لاتترددي إذا وقف في طريقك شئ، سلميني الموضوع فور انتهائك منه " ثم أخيرا يقول لي وأنا أسلمه الموضوع مكتوبا ويتلقاه مني بسعادة مشجعا، محفزا " برافو ياستي هاينزل علي الصفحة فورا، وأثق إنك هاتكوني صحفية شاطرة جدا ". هكذا كان د. رفعت كمال عاشق مهنة الصحافة وأحد كبار كتابها.. والذي سينسب إليه دوما ودون منازع تاريخ إخراج الصحافة الطبية في مصر إلي الوجود وتمكينها من أداء رسالتها الإنسانية، فهو الذي عشق الكتابة عن الطب، وحلم بتبسيط المعلومات الصحية للقارئ، وأصر علي أن يجعل منها سبيلا للوقاية والعلاج، وأصبح عبر جهوده الدؤوبة وهو مازال بعد شابا أول رئيس تحريرلمجلة " طبيبك الخاص " ثم أشرف علي كتاب »اليوم الطبي« وليعلو بالمنافسة لقمة أرقام التوزيع، فاستطاع بهذا أن يمد جسور الحب والتعاون لابين مهنة الطب الشريفة فقط والمواطن بل بينها وبين الوطن كله كضامن لمعافاته وعافيته! كان د. رفعت كمال كاتبا حالما وراقيا ومخلصا لرسالته التي عرفها تماما، وأتقنها تماما وانحاز لها ولكرامته تماما.. فلم يتنازل يوما، أو يخضع يوما، أو يتراجع يوما.. عاش دائما منتصر الموقف، مرفوع الرأس، عالي القامة، كان مدافعا عن كرامة المهنة وعن مواقفها وعن رسالتها.. لذلك انطلق من شهرة إلي شهرة ومن نجاح إلي نجاح ومن منصب إلي أعلي المناصب، كان لايعرف إلا الحب والأمل والحنان والتسامح.. فأعطي بلا حدود، ومنح بلا انتظار.. وحدد رسالته الإنسانية السامية كزوج وأب وصديق وحدد مهمته الصحفية السامية كزميل ورئيس وكاتب بدقة وشفافية ومصداقية علي الأرض، فهنيئا له في السماء.. مسك الكلام.. من يعمل بالصحافة.. لا يُكتب تاريخه الحقيقي سرا.. بل يقرؤه الجميع علنا بعد رحيله !