تعليقًا على هجمات لبنان.. بوريل: لا أحد قادر على إيقاف نتنياهو وأمريكا فشلت    اليوم.. جامعة الأزهر تستقبل طلابها بالعام الدراسي الجديد    نحو 30 غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت خلال ساعتين    آخر تطورات لبنان.. الاحتلال يشن 21 غارة على بيروت وحزب الله يقصف شمال إسرائيل    «أنا وكيله».. تعليق طريف دونجا على عرض تركي آل الشيخ ل شيكابالا (فيديو)    التحويلات المرورية الجديدة بعد غلق الطريق الدائري من المنيب تجاه وصلة المريوطية    طعنة نافذة تُنهي حياة شاب وإصابة شقيقه بسبب خلافات الجيرة بالغربية    مواقف مؤثرة بين إسماعيل فرغلي وزوجته الراحلة.. أبكته على الهواء    بحضور مستشار رئيس الجمهورية.. ختام معسكر عين شمس تبدع باختلاف    وزير الخارجية: تهجير الفلسطينيين خط أحمر ولن نسمح بحدوثه    درجات الحرارة في مدن وعواصم العالم اليوم.. والعظمى بالقاهرة 33    «مرفق الكهرباء» ينشر نصائحًا لترشيد استهلاك الثلاجة والمكواة.. تعرف عليها    مع تغيرات الفصول.. إجراءات تجنب الصغار «نزلات البرد»    ضياء الدين داوود: لا يوجد مصلحة لأحد بخروج قانون الإجراءات الجنائية منقوص    المتحف المصري الكبير نموذج لترشيد الاستهلاك وتحقيق الاستدامة    الحكومة تستثمر في «رأس بناس» وأخواتها.. وطرح 4 ل 5 مناطق بساحل البحر الأحمر    إيران تزامنا مع أنباء اغتيال حسن نصر الله: الاغتيالات لن تحل مشكلة إسرائيل    حكايات| «سرج».. قصة حب مروة والخيل    تعرف على آخر موعد للتقديم في وظائف الهيئة العامة للكتاب    حسام موافي: لا يوجد علاج لتنميل القدمين حتى الآن    عاجل - "الصحة" تشدد على مكافحة العدوى في المدارس لضمان بيئة تعليمية آمنة    وزير الخارجية: الاحتلال يستخدم التجويع والحصار كسلاح ضد الفلسطينيين لتدمير غزة وطرد أهلها    المثلوثي: ركلة الجزاء كانت اللحظة الأصعب.. ونعد جمهور الزمالك بمزيد من الألقاب    جامعة طنطا تواصل انطلاقتها في أنشطة«مبادرة بداية جديدة لبناء الإنسان»    صحة الإسكندرية تشارك في ماراثون الاحتفال باليوم العالمي للصم والبكم    حياة كريمة توزع 3 ألاف كرتونة مواد غذائية للأولى بالرعاية بكفر الشيخ    عمر جابر: تفاجأنا باحتساب ركلة الجزاء.. والسوبر شهد تفاصيل صغيرة عديدة    مصراوي يكشف تفاصيل إصابة محمد هاني    فتوح أحمد: الزمالك استحق اللقب.. والروح القتالية سبب الفوز    ستوري نجوم كرة القدم.. احتفال لاعبي الزمالك بالسوبر.. بيلينجهام وزيدان.. تحية الونش للجماهير    الوكيل: بدء تركيب وعاء الاحتواء الداخلي للمفاعل الثاني بمحطة الضبعة (صور)    الوراق على صفيح ساخن..ودعوات للتظاهر لفك حصارها الأمني    نائب محافظ قنا يتابع تنفيذ أنشطة مبادرة «بداية جديدة» لبناء الإنسان بقرية بخانس.. صور    تجديد حبس عاطل سرق عقارًا تحت الإنشاء ب15 مايو    التصريح بدفن جثمان طفل سقط من أعلى سيارة نقل بحلوان    بدءاً من اليوم.. غلق كلي للطريق الدائري من المنيب اتجاه المريوطية لمدة شهر    سعر الذهب اليوم في السودان وعيار 21 الآن ببداية تعاملات السبت 28 سبتمبر 2024    أمريكا تستنفر قواتها في الشرق الأوسط وتؤمن سفارتها بدول المنطقة    فلسطين.. إصابات جراء استهداف الاحتلال خيام النازحين في مواصي برفح الفلسطينية    أحمد العوضي يكشف حقيقة تعرضه لأزمة صحية    برج القوس.. حظك اليوم السبت 28 سبتمبر 2024: لديك استعداد للتخلي عن حبك    «عودة أسياد أفريقيا ولسه».. أشرف زكي يحتفل بفوز الزمالك بالسوبر الإفريقي    "الصحة اللبنانية": ارتفاع عدد ضحايا الهجوم الإسرائيلي على ضاحية بيروت إلى 6 قتلى و91 مصابا    استعد لتغيير ساعتك.. رسميا موعد تطبيق التوقيت الشتوي 2024 في مصر وانتهاء الصيفي    وزير الخارجية يتفقد القنصلية المصرية في نيويورك ويلتقي بعض ممثلي الجالية    جوميز ثاني مدرب برتغالي يتوج بكأس السوبر الأفريقي عبر التاريخ    جوميز: استحقينا التتويج بكأس السوبر الإفريقي.. وكنا الطرف الأفضل أمام الأهلي    5 نعوش في جنازة واحدة.. تشييع جثامين ضحايا حادث صحراوي سوهاج - فيديو وصور    "المشاط" تختتم زيارتها لنيويورك بلقاء وزير التنمية الدولية الكندي ورئيس مرفق السيولة والاستدامة    الشروع في قتل شاب بمنشأة القناطر    «زى النهارده».. وفاة الزعيم عبدالناصر 28 سبتمبر 1970    حظك اليوم.. توقعات الأبراج الفلكية اليوم السبت 28 سبتمبر 2024    تحرك جديد.. سعر الدولار الرسمي أمام الجنيه المصري اليوم السبت 28 سبتمبر 2024    تزامنا مع مباراة الأهلي والزمالك.. «الأزهر للفتوى» يحذر من التعصب الرياضي    الأزهر للفتوى: معتقد الأب والأم بضرورة تربية الأبناء مثلما تربوا خلل جسيم في التربية    كل ما تحتاج معرفته عن حكم الجمع والقصر في الصلاة للمسافر (فيديو)    أذكار الصباح والمساء في يوم الجمعة..دليلك لحماية النفس وتحقيق راحة البال    علي جمعة: من المستحب الدعاء بكثرة للميت يوم الجمعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شباب «المصرى اليوم» الفائزون بجوائز الصحافة العربية يكتبون عن تجربتهم

من وحى تجاربهم الشابة فى بلاط صاحبة الجلالة، يتحدث شباب «المصرى اليوم» الفائزون بجوائز الصحافة العربية فى دورتها التاسعة عن تجاربهم الخاصة فى مهنة البحث عن المتاعب، يكتبون كيف شهدوا ميلاد جيل جديد من الصحفيين المحترفين رغم العوائق المختلفة، وكيف راهنوا على الفرصة التى أتاحتها لهم «المصرى اليوم» للتميز، وهضموا رسالتها فى خدمة القارئ الذى لم تلتفت يوما لغيره، يحكون فى سطور قليلة عن روح الإصرار التى ظلت الباعث الحثيث لكشف المستور من قضايا المجتمع المهمة.
يدون أربعة شباب يوميات العمل تحت ضغط حجب المعلومات، وروح التثبيط، وصراع البحث عن دور بين أكوام الورق التى تصدرها المطابع كل صباح، يروون حكايات البحث عن قصة مختلفة، تنتزع اهتمام القارئ، وتحرك المياه الراكدة فى الحياة السياسية والاجتماعية، وتعيد للصحافة المصرية لونا احترافياً غاب عنها فى سنيها العجاف، وفنا يعتمد على تقصى المعلومة، وجمع الدليل مع البرهان لإثبات الحقائق، دون مزايدة أو مبالغة، صحافة تبحث عن الحقيقة فى ثوبها الناصع، تصيب أحيانا، ويكفيها شرف المحاولة إن جانبها التوفيق حينا آخر.
نجاح بطعم العزيمة
«إن لم تزد شيئًا على الدنيا فأنت زائد عليها».. حكمة رائعة صاغ بها مصطفى صادق الرافعى من وحى قلمه فلسفته عن النجاح، تدافعت هذه الكلمات للكاتب الفذ إلى مخيلتى فى لحظة خفق فيها القلب، واهتزت الجوارح، حين دوت قاعة فندق أتلانتس فى دبى بالتصفيق مع إعلان الفائزين بأول جائزة لفرع الصحافة الاستقصائية، ضمن جوائز دبى التى تمثل «نوبل» الصحافة العربية والأعلى فى فئتها دون منازع.
تولد لدى فى تلك اللحظة شعوران متباينان فى آن واحد، فرحة الانتصار، ورهبة المسؤولية، خاصة حين بادر الدكتور أحمد زويل - عالم العرب - بالاحتفاء بصحفيى «المصرى اليوم» التى كان نصيبها جائزتا الصحافة الاستقصائية والصحافة المتخصصة، شرفت وزملائى فى قسم التحقيقات باختيار لجنة التحكيم لموضوعاتنا وزادنا شرفاً تكريم الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبى، فى هذا الحفل العالمى المهم.
وبعد أن وضعت المنافسة أوزارها، لهج اللسان بالحمد والشكر لله على عظيم منته، وجلست أحاول أن أجد تفسيراً لهذه السعادة الممزوجة بالرهبة، وهنا توارد شريط ذكريات رحلة قسم التحقيقات فى «المصرى اليوم» التى أشرف بالانتماء إلى اسمها الكبير فى ذاكرة القارئ المصرى والعربى، وعندها عرفت السبب وبطل العجب.
مازلت أذكر ذلك اليوم الذى حملت فيه شهادة تخرجى فى كلية الإعلام دون أى خبرة غير 6 أشهر فى التجربة الأولى ل«المصرى اليوم»، التى لم تر النور برئاسة الراحل العظيم مجدى مهنا، وقفت على باب الأستاذ مجدى الجلاد وقت أن كان مديراً للتحرير، وأذن لى بالدخول وعبر حوار قصير بدد خوفى من رفض قبول أوراقى، وفتح الباب على مصراعيه بشرط واحد لخصه فى كلمتين «أنت وشطارتك»، كانت هذه الكلمات مفتاح العزيمة الذى أدار لدى محركات العمل وجعلها تعمل بطاقتها القصوى، لن أنسى هذا الجميل لأستاذى مجدى الجلاد ما حييت.
مرت بعد ذلك أيام يجىء رئيس للقسم ويروح آخر، ورئيس التحرير يتمنى أن ينهض قسم التحقيقات، وراهن على ذلك كثيراً، وأعترف أنى كنت حيناً أفى بالوعد وأحياناً أنكث بفعل ضعفى البشرى، حتى جاء إلى عالمى اثنان ثبتا فى نفسى روح الإصرار على النجاح، ياسر الزيات علمنى أن أبحث فى الشاطئ المزدحم عن موجة لم يلتفت إليها أحد، ومحمد البرغوثى الذى مثل لى الأب والأخ والصديق، وعلمنى أن ألتقط أبسط أدوات الصحفى مثل «دليل الهاتف» و«السجل المدنى» لأصنع منها قصة محكمة الأداء، ومعه بدأت بشائر العمل الصحفى المحترف تتضح، حتى كان الرهان الأكبر من رئيس التحرير على شخصية ديناميكية لا تعرف غير المثابرة ونقاء السريرة،
إنه علاء الغطريفى، أخى الأكبر وشريك النجاح، دون مجاملة أدين لهذا الشاب بالكثير، خلال عامين وبضعة شهور نقل العمل من التحقيقات الميدانية الاعتيادية إلى العمل الاستقصائى، القائم على البحث فى العمق، كانت الصحافة الغربية تطلق رصاصها على الفساد المختبئ بفضل هذا النوع من العمل الاحترافى الذى فجر فضيحة ووترجيت وسجون جوانتانامو وأبو غريب، وكان العالم العربى يفتقد هذا النوع الذى غاب عن القارئ بعد جيل هيكل وشردى والأخوين مصطفى وعلى أمين.
كانت البداية بالحصول على دورات متخصصة فى القاهرة ولندن وعمان، ووفرت «المصرى اليوم» لنا فرصة الاختلاط بخبرات ال«بى. بى. سى» ومؤسسة هيكل للصحافة العربية وشبكة «إعلاميون عرب من أجل صحافة استقصائية (أريج)»، وبتشجيع من إدارة التحرير ومن أصدقاء مثل المدرب الصحفى والخبير الإعلامى ياسر عبدالعزيز، شهدت مصر مولد أولى التجارب فى الصحافة الاستقصائية كان لها رد فعل قوى من القارئ المصرى الذكى، وباتت تحقيقات تلوث النيل والرى بالمجارى وكشف شبكات تجارة الأعضاء علامات بارزة فى مسيرة الصحافة المصرية، حركت الرأى العام وفرضت نفسها على عناوين باقى الصحف الشقيقة،
وأخيراً وليس آخراً، سعيد أنا بالتكريم ومترهب من القارئ الذى أعطانا ثقته، لكن عزيمتنا تخور أمامها كل الصعاب وآمل أن نكون عند حسن ظن الجميع، وأن تضيف الوحدة الاستقصائية ل«المصرى اليوم» مولوداً جديداً لصاحبة الجلالة.
على زلط
أرجوك اقبل منى هذه الجائزة
هى لك.. قطعة من المعدن اللامع مخروطية الشكل، ترتكز على قاعدة دائرية تحمل اسمى تحت عبارة «جائزة الصحافة الاستقصائية».. فى قمتها تثبت كرة بلورية يظهر بداخلها شعار جائزة الصحافة العربية فى دورتها التاسعة.. هى لك.. أراك جديراً بها.. أتخيلك وأنت تقبض بيدك الضخمة عليها وترفعها فى فضاء قاعة فندق أتلانتس بمدينة دبى، فيزيد اقتناعى بأنك تستحقها أكثر منى.. أراقب عينيك الضيقتين المستقرتين خلف زجاج نظارتك ذات الإطار الأسود السميك فألحظ بريقاً خاطفاً يقفز منهما..
نفس البريق الذى كنت تواجهنى به عندما أفعل شيئاً يرضيك.. استشعر رضاك فى تلك الابتسامة الواسعة التى تنفرج عنها شفتاك الرقيقتان كاشفة عن أسنانك الصغيرة.. وأراك بعين الخيال وأنت تهبط بقامتك المهيبة من على خشبة التكريم وتمد يديك لتتلقى التهانى من الحضور.. تعيدنى الأصوات الصاخبة المحيطة بى مرة أخرى إلى القاعة وجمهورها، فأدرك أن خيالى أخذنى إلى مناطق بعيدة جداً.
لا.. لم يأخذنى خيال.. لعلى لا أبالغ عندما أقول إنك لم تفارقنى منذ أن فارقت الدنيا كلها قبل أكثر من تسعة أعوام.. ليس فقط لأنى أحتفظ بصورة لك على الدوام فى حافظة نقودى، ولا لأن صورة ثانية تحملها شاشة هاتفى المحمول، أو ثالثة تستقر على سطح مكتبى بمنزلنا، ورابعة فى خزانة ملابسى تواجهنى كلما فتحت أبوابها.. لا ليس هذا فقط.. ثمة أسباب أخرى أعمق من هذا.. تظهر واضحة فى استشهادى بعبارة قلتها معلقاً بها على حدث ما.. أو فى تذكرى لنكتة ألقيتها، فألقيتنا جميعاً على أقفيتنا من الضحك.. أو على موقف اتخذته قديما وقصصته على، فأعدته بحذافيره عندما تعرضت لشبيه له فى حياتى العملية.. أكثر من ذلك.. تفاصيل حياتى اليومية التى أشعر بأنك تقاسمنى فيها لحظة بلحظة، للدرجة التى تجعلنى أسأل نفسى «هل رحلت فعلاً؟».
يجيئنى الجواب بلا معنى.. لا يهمنى فى كثير أو قليل، المهم هو ذلك الشعور الذى يعترينى كلما حققت نجاحاً يحسب لى فى المهنة التى أنتمى إليها.. شعور بأنى لا أستحق فضل ما ينسب لى.. دائماً أشعر بأن لك فيه نصيباً. ربما لأنك أول من فتح أمامى مغاليق عوالم الصحافة السحرية.. أتذكرك جيداً وأنت قادم صباحاً من ورديتك الليلية حيث كنت تعمل بأحد مصانع القطاع العام حاملاً الجريدة فى يدك اليمنى، والإفطار فى اليسرى.. أفض أكياس الطعمية الساخنة وأضعها بجوار طبق الفول ثم أتصارع مع الموجودين على قراءة الجريدة الصباحية.. تتركها لى وأنت تعلم أنها ستعود إليك ساعة العصرية عقب استيقاظك من النوم عندما تضع الكرسى فى الشرفة وتجلس لتقرأها بتمعن.. وفى المساء تناقشنى فى محتوياتها وتلفت أنظارى إلى ما غاب منها عن إدراكى الصغير.
ربما لأنك أول من علمتنى فضيلة المعرفة، والبحث، وقيمة أن يكون الإنسان مثقفاً بغض النظر عن درجته العلمية.. ربما لأنك أول من شجعتنى على اختراق عالم الصحافة عندما جئت إليك مرتعشة خائفة من خوض التجربة وأنا مازلت أدرس فى الجامعة.. ربما لأنك سعدت أكثر منى بأول خبر ينشر لى فى إحدى الصحف ولم أكد أتم عامى الثامن عشر.. أو ربما لأنك أمنت على مقولة الصحفية الكبيرة التى تنبأت لى فى بداية مشوارى ب«مستقبل باهر فى عالم الصحافة».
هذا على الرغم من أنك لم تشهد فيما تلا ذلك من أعوام تنقلى بين الصحف، ولا التجارب العديدة التى خضتها قبل أن ألتحق بكتيبة «المصرى اليوم».. أردت دوماً أن أقصها عليك، وأن أسمع نصائحك التى بالتأكيد كانت ستوفر على سنوات طويلة من الشقاء.. واليوم وأنا أتسلم جائزة الصحافة الاستقصائية فى قاعة فندق أتلانتس بدبى أعى تماماً أنها ليست لى، وأنك شريك فيها، إن لم تكن صاحبها.. من أجل ذلك.. إليك وحدك يا أبى أهدى الجائزة.. فأرجوك.. تقبلها منى.
سماح عبدالعاطى
فيمتو ثانية إعلامية
«السياسة لن تستطيع الوقوف أمام الإعلام، فلم نعد فى العصور الوسطى» تلك الكلمات التى قالها العالم الجليل الدكتور أحمد زويل بجلسة افتتاح فعاليات الدورة التاسعة للمنتدى الإعلامى العربى، أعادت إلى ذهنى أحداث أولى خطواتى للانتقال إلى عالم آخر من الصحافة، يسميه أرباب المهنة «الصحافة الاستقصائية»، شىء ما أشبه بتجربة علمية أو مغامرة بوليسية تقوم على فرضيات واستنتاجات وبحث عن أدلة وإخفائها فى مكان أمين لحين نشر التحقيق، تذكرت كيف أننا طرقنا كل الأبواب الرسمية للحصول على المعلومات التى نريدها لإستكمال تحقيقنا أنا وزميلى هشام علام ولم نفلح،
تذكرت أننا اضطررنا إلى أن نقوم بإجراء جميع التحاليل للمياه والأسماك وبعض السكان من أهالى المنطقة للوصول إلى تأثير الصرف الصناعى الذى تلقيه شركة الحوامدية للسكر فى مياه النيل مباشرة عليهم، وعلمنا بعدها أن معظم تلك التحاليل أجرتها وزارة البيئة قبلنا، ولكن يبقى كل ما توصلت إليه معلومات سرية، كان زويل يتحدث قائلا إنه على الإعلاميين ألا يسعوا فقط لبث الخبر وإنما ينبغى أن يتبعوه بالتحليل الدقيق، فقفز إلى ذهنى أربعة أشهر من البحث استغرقناها حتى خرج تحقيقنا إلى النور.
واليوم جئت أنا و3 من زملائى فى «المصرى اليوم» إلى المنتدى الإعلامى العربى بدبى للمشاركة كمرشحين للفوز بجوائز عن تحقيقاتنا تلك، كانت موسيقى الحفل تعلو حولنا وتعلو معها دقات قلوبنا، فعدد المشاركين فى المسابقة وصل إلى 3500 صحفى وصحفية من 19 دولة عربية، والمنافسة أصبحت شرسة للغاية، لم يكن الخوف الذى تملك منا طمعا فى نصر شخصى، ولكننا تمنينا أن نتوج جهوداً بذلها معنا رؤساؤنا وزملاؤنا فى الجريدة بهذا النجاح، جريدة فتحت لنا ذراعيها فور تخرجنا، فمازلت أتذكر الأستاذ مجدى الجلاد، رئيس التحرير، حينما طلبت منه أن يعطى لى الفرصة للتدريب فى الجريدة،
فوافق على الفور بشرط أن أتمكن من إثبات نفسى ولم يبخل علينا بدورات تدريبية أصقلت مواهبنا وساعدتنا على المضى قدما فى عالم صاحبة الجلالة، أتذكر أيضا الأستاذ محمد البرغوثى، الذى ساعدنى كثيرا، حتى أضع قدمىّ على أول الطريق الصحفى، أما أخى الأكبر الأستاذ علاء الغطريفى، رئيس قسم التحقيقات، فكان همه الأول أن يزرع فينا فكرة أن نكون صحفيين مختلفين بأفكارنا وطرقنا فى إجراء تحقيقاتنا، وأشهد لزملائنا أيضا أنهم تحملوا فترات إنشغالنا بإجراء تحقيقاتنا، وكأننا كتيبة تتناوب السهر على حراسة نجاح القسم.
جاءت اللحظة الحاسمة وجلس العالم المصرى أحمد زويل فى مقدمة الصفوف، لمشاهدة حفل إعلان الجوائز، مرت الثوانى علينا كالدهر حتى أعلن مقدمو الحفل فوز «المصرى اليوم» بجائزتين فى فرع الصحافة التخصصية والاستقصائية، وها هى القلوب التى كانت ترتجف خوفا من شبح الخسارة، تسابق خطوات أقدامنا لتصل إلى منصة التكريم. وما إن انتهينا من تسلم جوائزنا حتى وجدنا فى انتظارنا مفاجأة من العيار الثقيل، فعندما توجهنا إلى سلالم المنصة للهبوط، فوجئنا بالعالم الجليل يتوجه إلينا ويبتسم لنا قائلا «مبروك شرفتونا ورفعتوا راسنا»، كانت كلماته تتويجا من نوع آخر،
فها هو عالم مصرى نفتخر به أمام العالم كله، يشد على يدينا وهو يعلن فخره بنا، شعرت حينها بأننا حققنا إنجازا جللا، هو أشبه بالتوصل إلى فيمتو ثانية إعلامية، وتمنيت أن تظل مصر دائما فوق منصة التكريم، فهذا هو مكانها الذى تستحقه، والأمر ليس صعبا وإنما يحتاج إلى إعطاء الفرص لمن يستحق وتذليل الإمكانيات له لكى يبدع، أما الفرصة فلن تأتى إلا بتحقيق العدالة الاجتماعية، والإمكانيات تكمن فى إيمان النظام أولا بأن تقدم الشعوب يأتى بما تحققه هى وليس بما تستورده من غيرها، وأنا واثقة بأننا، حينها، سنتمكن من التوصل إلى فيمتو ثانية علمية وتعليمية وهندسية وطبية وحضارية، وسنظل دائما فوق منصة التكريم.
دارين فرغلى
نبتٌ نما
منذ 6 سنوات، وأثناء دراستى للترجمة الفورية بجامعة الأزهر، التقيت معلما من طراز خاص، اسمه الدكتور وجدى الفيشاوى، كان يدرس النقد والأدب الإنجليزى، كانت طريقته فى التدريس مختلفة عن منهج عهدته طيلة 18 عاما أمضيتها فى التعليم، يعطينا مؤلفاته الأدبية ويطلب منا أن نقدم نقدا لها، يوزع كتبه الدراسية بالمجان، فلولا الأزهر لما حصل على الدكتوراه من إنجلترا، يعتبرها رداً للجميل، وعند الامتحان، كان يطلب أن نكتب تحليلا لإحدى المشكلات فى الوطن العربى وأن نضع لها حلولا قابلة للتنفيذ، كان يرى– أطال الله فى عمره– أنه يفضل أن يعد قادة للمستقبل قابلين للتفوق أينما حلوا، يفتح مكتبه ومكتبته لكل من أراد أن ينهل منها،
وفى نهاية كل محاضرة يطرح سؤالا جدليا، ويعرض مكافأة لمن يجيب عنه قيمتها 25 قرشا، اكتسبت قيمتها من ندرتها، فطيلة سنوات الجامعة لم يحصل أى منا على هذه القروش الضنينة. ومنذ التحقت بكتيبة «المصرى اليوم»، كان ثمة ضعف رهيب قابع فى قسم التحقيقات بالجريدة، كنا نسميه فيما بيننا بالمشرحة، أعمال لا تنشر، ورؤساء يتناوبون من الداخل والخارج، وشائعات بحل القسم وتسريحه تذكرنا بحالة الوزراء عندما تنشر صحف المعارضة أخبارا عن تغيير وزارى، وفى هذه الأثناء كان كل منا يسعى منفردا لتطوير مهاراته الصحفية، كنت محظوظا عندما وجدت دعما مطلقا من رئيس التحرير،
كانت الفرصة الأولى هى المشاركة ضمن المجموعة التى اختارها الأستاذ هيكل لدورة دراسية قصيرة فى إنجلترا، وبعدها تعرفت عن قرب على نوع غريب من الصحافة يسمى الصحافة الاستقصائية، قررت معها أن أتخصص فيها، قليلون هم من يقعون فى غرامها، لها سحر خاص يشبع غرورىَ الصحفى، نوع من الغرور المطلوب للمثابرة وتحمل أعباء المهنة.
كانت الخطوة التالية أصعب، منحة للعمل فى جريدة سياتل تايمز الأمريكية، واحدة من أعرق المؤسسات الصحفية فى العالم، 5 من صحفييها نالوا جائزة البوليتزر فى الصحافة الاستقصائية، حملت طلب إجازة مدتها 3 أشهر وذهبت إلى رئيس التحرير، ومن داخلى ألتمس له العذر إن رفض، كان القسم على أعتاب قيادة جديدة للزميل علاء الغطريفى، كانت هى المحاولة الأخيرة للإبقاء على القسم، إما النجاح وإما الفراق، لم تستغرق قراءة الطلب منه الكثير، ذكرتنى بلحظة من سنوات مضت يوم دخلت مكتبه وفى يدى صور مغامرة صحفية قمت بها مع بعض الزملاء داخل مستشفى قصر العينى، وقع على الورقة بالموافقة، ثم نظر إلى وأضاف، يصرف راتبه وتقرر له مكافأة وقدرها (...)، شكرته وخرجت، وفى داخلى أن أرد الشكر بطريقتى يوما ما.
كانت الخطوات تتلاحق، وفى غضون شهور كنت قد حصلت على دبلومة فى القيادة الذاتية من جامعة البلطيق بالسويد فى مجال الصحافة الاستقصائية، ووفرت الجريدة لنا دورات تدريبية مع الBBC ومنظمات عربية وأجنبية أخرى للارتقاء بمهاراتنا الصحفية، كان ثمة مخزون يجب إطلاقه، لتتحول الخبرة المكتسبة نظريا إلى تطبيق عملى، حتى جاءت فرصة تحقيق إثبات تلوث النيل فى الحوامدية، دخلت إليه وطلبت منه نشر التحقيق، وكنا نريدها صفحة واحدة، وافق على مضض، ثم عدنا إلى رؤيته مرة أخرى، وبعدها حاز التحقيق على جائزة أحسن تحقيق استقصائى فى مجال البيئة فى العالم العربى فى العام الماضى،
ثم وقع الاختيار علينا لنكون متحدثين رئيسيين فى أكبر محفل عالمى للصحفيين الاستقصائيين إلى جوار سيمور هيرش، وريبرتو سافيانو، ومارك هانتر، ثم كان التتويج النهائى بجائزة دبى للصحافة العربية التى أعلنت نتائجها منذ أيام. ثمة علاقة خفية جعلتنى أجمع بين مجدى الجلاد والدكتور وجدى الفيشاوى، علاقة صامتة، فهذا يعرف أنى أقدره، وذاك يعرف أنى أجله، ولكل علىَّ فضل، ولكن على الأقل أحسب أن هذه الجوائز رد وعرفان للجميل لهذا الكيان، الذى ساعدنا على أن نكون ما صرنا عليه.
هشام علام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.