في سياق فحص الحالة السعودية يجب ان نفرق بشكل اساسي بين الدولة السعودية والدعوة الوهابية علي اختلاف تعبيراتها السياسية والفقهية باعتبارها تنظيما دينيا كان الاكثر قوة وتماسكا في مجتمع الجزيرة العربية خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. فالوهابية كانت تنظيما فقهيا وعسكريا في آن استطاع امراء ال سعود ان يعقدوا معه تحالفا فوفروا لفقهاء الوهابية الحماية اللازمة لنشاطهم في الدرعية والعيينة حيث كان الاعداء يحيطون بهم في ذالك الوقت من كل صوب. الامر الذي صاغ سياسة عامة للتحالف تتمثل في اعطاء اولوية لعنصر القمع والاكراه في مواجهة خصومهما في الداخل والخارج وعلي رأسهم علي سبيل المثال: داهم بن دواس امير الرياض وسلمان امير الاحساء وبنو خالد وابن مفلق امير المقتطف وابن ثوابي امير البصرة. في قول آخر، الميراث التاريخي لتطور الدولة السعودية خلال مراحلها المختلفة كان متوائما مع البيئة البدوية من حيث الغزو والسيطرة الدينية المتشددة كأساس لاستمرار الدولة. فالدولة لكي تنشأ في هذه البيئة ليس امامها للاستمرار الا استخدام الردع الذهني والعسكري. وتعلمت الدولة في دورها الاخير الدرس جيدا فظلت حتي الستينيات من القرن الماضي في عزلة داخلية عن المتغيرات العصرية. وكان الملك فيصل هو اول من تجرأ في محاولة لتخفيض جدار العزلة الداخلية للمجتمع السعودي. مع التخفيض المتتالي لجدار العزلة بدأت تتغير الهويات الاجتماعية تدريجيا بدأ اولا بأولاد النخبة الملكية الي نخبة التجار الي نخبة المتعلمين الي بزوغ مفهوم نخبة الاهتمام والاطلاع العام علي الاحوال المتغيرة للعالم. كافحت المصادر التاريخية للشرعية في الاستمرار واثبتت انها قادرة علي الصمود واعاقة التغيير والتكيف الشامل. فانتهت التجربة السعودية ليس فقط بوجود ثنائية تاريخية بين السيف والعقيدة واخري بين الحكم والايمان، نهضت ثلاث ثنائيات جديدة وجدت تجسيدا تاريخيا لها في تحولات الدولة والمجتمع: اولها، ثانيئة الداخل والخارج، وثانيها، ثنائية المحلي والعالمي، ثالثها، ثنائية السعودي والاجنبي. ساهمت هذه الثنائيات الخمس في جانب الي اعطاء الدولة والمجتمع السعوديين القدرة علي التكيف المحدود في ظل استمرار الوعي التاريخي للرموز ، ومن جانب آخر الي التشظي المجتمعي والمعاناة من انقطاعات معرفية . بعبارة اخري، لازلت قوة التاريخ موجوده في حياة الافراد والجماعات ولكن الذي حدث ان هذه القوة التاريخية لازالت تشكل حائطا للصد المذهبي والمعرفي لصالح الوهابية كأيديلوجية وما يرتبط بها من تشكيلات اجتماعية ولكن في ضوء ثلاثة تكيفات رئيسية : اولها، الافتراق التدريجي اجتماعيا بين تعريف ان يكون الفرد سعوديا في السلوك والقيم وبين ان يكون الفرد وهابيا في السلوك والقيم، ثانيها، الاعتراف المجتمعي بضرورة التكيف مع العالم الخارجي ، فصارت اشكاليات التكيف واشكاله المختلفة تمثل معضلة رئيسية في الحياة السعودية كدولة ومجتمع، ثالثها، صارت الدولة السعودية ثقيلة وكثيفة الحجم والعلاقات بسبب تنامي وتعاظم ما تديره من موارد فلكية القيمة، الامر الذي رفع من مقام الجماعات والافراد الذين يمثلون الدولة ويصيغون مصالحها في هيكل اداري سلطوي شامل للدولة والمجتمع. والعربية السعودية في مقولة مختصرة من الناحية التاريخية تضاءل فيها العنصر المدني سواء المسلح او الديني لصالح تعاظم قوي السلطة المنظمة التي تأخذ شكل الدولة، وهذا بخلاف مع معظم الحالات العربية التي نلاحظ في الكثير منها محاولات لنمو قوي المجتمع في مواجهة بيروقراطية الدولة المسيطرة. بالنسبة للمؤشر الثاني للاجابة عن السؤال الاول - المتمثل في البحث في العوائق التي تأسر الصراع الاجتماعي العام من اقامة اتصال مدني فعال بين الدولة والمجتمع- والمتصل بمدي حجم القوي المحافظة والمساندة للنظام السياسي ومدي ما تعطيه له من سمت استقرار واستمرارية نقول ان المجتمع والدولة السعوديين يشهدان نمو الدينمية المركبة التاليه: هناك تصور مغلوط ان الوهابية في تصورها التقليدي للفرائض الدينية وعلاقة الفرد بهذه الفرائض مازالت تحكم المملكة. في تصورنا ان المملكة نما فيها قوي وهابية جديدة، نطلق عليها مصطلح الوهابية الجديدة، توسع من منطق الفرائض لينسخ الفصل النسبي التقليدي بين المذهب والحكم والذي قامت وأسست عليه الوهابية القديمة. الوهابية الجديدة تجد مصدرها في رفض ثلاثة تطورات للدولة والمجتمع السعوديين: اولها، نمو الدولة البيروقراطية ، وهو ما عمل الوهابيون الجدد علي رفضه بشكل حاسم ، ثانيها، رفض الخضوع لمقتضيات الدولة البيروقراطية وخاصة برفض اعادة صياغة التصورات المذهبية الوهابية الاصولية لتتوافق مع مقتضيات الدولة الحديثة، الامر الذي ادي بالوهابيين الجدد الي القول بضرورة خضوع الدولة وسلوكها لمقتضيات المذهب الاصولي، ثالثها، رفض التكيف مع مقتضيات التكامل وعدم الاعتراف بدور للمرأة والشيعة وغيرها من جماعات هامشية بالتواجد المجتمعي المؤثر في الحياة العامة. اعتبرت السلطات العامة هذا الرفض لعدم التكيف عملية من عمليات خرق للاتفاق التاريخي فلجأت الدولة الي اليات السياسات الحكومية البيروقراطية لخلق بيئة اجبار نفسي ورمزي ومادي للقوي الرافضة. الامر الذي ضاعف من ذلك نمو واسع لقوي الطبقات والفئات الوسطي في المجتمع المدافع للتكاتف والتفاعل مع المنطق الجديد للدولة السعودية الذي ارساه المللك فيصل وتوسع فيه الملك فهد ويطوره الملك عبدالله. هذه الشرائح الوسطي وتمثل مفصل الحكم الان ، هي تحالف اجتماعي واسع بين رجال الاعمال ذوي الحجم الكبير والمتوسط والمتصلين بالضرورة مع قوي الشركات العالمية، من جانب، وبين المهنيين بأشكالهم المختلفة والذين يتبنون سياسات السعودة وسياسات الانصاف الاجتماعي العام، من ناحية اخري. ويستمر التحليل.