في هذا المقال نبدأ في الإجابة عن السؤال الأول والمتمثل في البحث في العوائق التي تأسر الصراع الاجتماعي العام من اقامة اتصال مدني فعال بين الدولة والمجتمع مع ضرب امثلة من التفاعلات السورية والسعودية والتونسية. كاطار تحليلي عام دعني احدد الإجابة في ثلاثة مجموعات من المتغيرات، أولها مرتبطة بثقل التاريخ علي حياة الأفراد وجماعات، وثانيها مرتبطة بحجم القوي المحافظة الساندة للنظام السياسي والتي تعطي له سمة الاستقرار والاستمرارية، وثالثها مرتبطة بقدرة العمليات السياسية الحالية علي تفادي الاجبار علي التغيير الشامل غير المرغوب. بعبارة اخري، الفرضية الأساسية ان الحاجة المجتمعية للتنوير تنبع من القدرة علي الاتصال المدني الفعال بين قوي الدولة وقوي المجتمع بالنسبة للعربية السعودية يمكن القول بالنسبة للمجموعة الأولي للمتغيرات فقياس ثقل العوامل التاريخية في حياة الأفراد والجماعات مسألة معقدة، ولكن دعني افترض المحك التالي نستطيع من خلاله رؤية وانعكاس الأثر التاريخي علي الواقع: مدي استمرار التجسيد لمصادر الشرعية التاريخية للسلوك والقيم. من نافلة القول انه مازالت الدعوة وهابية النجدية جوهر المشروع السعودي منذ قيام الدولة السعودية الأولي في منتصف القرن السابع عشر حتي الآن، والتي تمثلت في تبني سياسة مركزية تجاه العشائر البدوية التي شكلت العمود الفقري للحركة الوهابية. اقترنت هذه التجربة بسياسات تتعلق بتوطين هذه القبائل في مستعمرات شبه مستقرة تتخذ من الرعي والزراعة مصدر رزقها وحيالها وانخراطها في دورة الحياة السياسية، كل ذلك في اطار من العقائد المشددة التي نهض بها كل امراء آل سعود وعلماء آل الشيخ تجاه انصار الحركة وخصومها. كان التوفيق بين عالم البدو وعالم الحضر المكانزم التاريخي لتجسيد عوامل ومصادر الشرعية التاريخية. يرسم لنا فؤاد حمزة في مؤلفه "قلب جزيرة العرب" المعالم الرئيسية والتي جري تحديدها في أربع محطات: الدور الأول: من الأمير محمد بن سعود إلي بدء ولاية عبد الله بن سعود الكبير 1724 - 1814 الدور الثاني: من تاريخ ولاية عبد الله بن سعود إلي نهاية الاستيلاء العثماني 1814- 1865 الدور الثالث: يبدأ من الفتنة الأهلية بين ابناء فيصل بن تركي إلي ان استولي محمد بن علي رشيد علي البلاد النجدية 1865- 1900 الدور الرابع: قيام الملك عبدالعزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود إلي الآن.