لم يمض سوي القليل من الوقت علي ما أعلنه د. محمد بديع المرشد العام لجماعة الاخوان في الكنيسة الانجيلية حول »أننا أصبحنا الأن أعضاء اتحاد ملاك مصر« حتي فاجأ حزب الاخوان »الحرية والعدالة« في الاجتماع المشترك لمجلسي الشعب والشوري بتجاهل آراء بقية اعضاء اتحاد ملاك مصر بخصوص تشكيل تأسيسية الدستور، وذلك عندما صوت علي قرار بأن يكون التشكيل مناصفة بين نواب المجلسين ومن هم من غير النواب.. وذلك الموقف أعطي اشارات بأن اتحاد ملاك مصر في تقدير الاخوان لا يشمل كل المصريين. والمثير في الامر ان حزب الحرية والعدالة تراجع عن اقتراح سبق ان أعلنه وتقدم به رسميا لهيئتي مكتب مجلس الشعب والشوري يقضي بأن تكون مشاركة النواب بنسبة 04٪ من اعضاء اللجنة التأسيسية ومشاركة غير النواب بنسبة 06٪ بل ان بعض قاده الحزب اعلنوا أنهم منفتحون ومستعدون للتفاوض لتخفيض نسبة مشاركة النواب في اللجنة التأسيسية.. ولكن بدلا من ذلك فاجأ الاخوان الجميع بزيادة هذه النسبة لتقترب من النسبة التي اقترحها السلفيون رسميا وهي 06٪ للنواب. وكانت هذه اشارة بأن الاخوان راغبون في استرضاء السلفيين فقط دون بقية اعضاء اتحاد ملاك مصر من الليبراليين والقوميين واليساريين، الذين اغضبهم كثيرا ما حدث.، لدرجة ان منهم من أaعلن مقاطعة المشاركة في تأسيسية الدستور. ومنهم من قرر اقامة دعاوي قضائية تطعن في تشكيلها علي النحو الذي اقرته الاغلبية في المجلسين معا. وبغض النظر عما يمكن ان يستنتجه البعض حول تلاعب الاخوان ببقية الشركاء في اتحاد ملاك مصر، وهو ما يلحق الضرر بهم جماهيريا، فإن الاختيار الحقيقي الذي ينتظر الاخوان بالفعل يتمثل في الخطوة التالية لتشكيل اللجنة التأسيسية، وهي صياغة الدستور. فنحن منذ سقوط نظام مبارك ونسمع تطمينات عديدة متنوعة من الاخوان لبقية القوي السياسية، تراوحت ما بين انهم لا يعملون بأسلوب المغالبة انما بأسلوب المشاركة، ولذلك لا ينوون ترشيح أي منهم لرئاسة الجمهورية. وما بين انهم يرون ان ما يستحق التغيير في دستور 17 لا يتعلق بهوية الدولة أو بالحقوق الاساسية للمواطنين.. إنما فقط بشكل نظام الحكم، وتحديدا ما يتعلق بصلاحيات رئيس الجمهورية. لكن كل هذه التطمينات تبددت وتلاشي تأثيرها نظرا لأن افعال الاخوان كانت تتناقض مع اقوالهم.. فهم قالوا انهم سوف يشاركون في انتخابات مجلس الشعب بنسبة 03٪ فقط. ولكنهم نافسوا في كل الدوائر.. وقالوا ايضا انهم لن يرشحوا احدا منهم لمنصب رئيس الجمهورية. بينما يسربون اخبارا بعضها يتحدث عن تأييد د. سليم العوا القريب منهم.. وبعضها يتحدث عن رغبة عدد منهم في ترشيح المهندس خيرت الشاطر.. وقالوا ايضا انهم مستعدون للتفاهم مع من يطالبون بتخفيض نسبة نواب مجلسي الشعب والشوري في تأسيسية الدستور ثم صدموهم بزيادة هذه النسبة. كما قالوا من قبل انهم لا يعارضون في استمرار حكومة الجنزوري ثم الآن يمارسون ضغوطا مكثفة للاطاحة بهذه الحكومة حتي يعجلوا من تشكيل حكومتهم.. كل ذلك ساهم في اثارة شكوك عدد من القوي السياسية في نوايا الاخوان..، لدرجة ان هناك من قال ان الدستور الجديد جاهز لديهم، وانهم سوف يمررونه في اللجنة التأسيسية التي ضمنوا السيطرة عليها.. ولن يبدد هذه الشكوك إلا أن ينهج الاخوان في عملية صياغة الدستور منهجا يبدد هذه الشكوك. ويترجم بالفعل ما قالوه من قبل ان هذا الدستور سوف يكون دستور الجميع، أو من اسماهم المرشد اعضاء اتحاد ملاك مصر، الذين كانوا مستأجرين من قبل في ظل النظام السابق. هذا هو الاختيار الحقيقي الذي يواجه الاخوان الآن.. وهم لن يتمكنوا من اجتياز هذا الاختيار بنجاح اذا استمروا يعملون ويتصرفون بنهج الاستحواذ. مثلما حدث في طريقة تشكيل تأسيسية الدستور، ومن قبله تشكيل لجان مجلس الشعب، وأيضا الطريقة التي يتعجلون بها تشكيل حكومتهم. نعم لقد حظي الاخوان بالاغلبية النسبية في انتخابات مجلسي الشعب والشوري، وهذا أمر يتعين احترامه، ما دمنا ارتضينا جميعا للاحتكام لصندوق الانتخابات.. وليس مستساغا ان يخرج علينا الآن احد مهما كان قدره السياسي ليصف البرلمان بأنه مشكوك في انتخابه. ولكن مع ذلك كله يتعين علي الاخوان ألا ينسوا ان المزاج العام المصري في اعقاب نجاح الانفجار الثوري في 52 يناير يتسم بالغضب.. والمصري لم يعد مستعدا للانتظار طويلا علي أي مسئول أو منحه فترة سماح تصل لسنوات كما كان يحدث من قبل. بل ان الاغلبية البرلمانية رغم صغر المدة التي انقضت علي انتخابها تتعرض الآن لانتقادات شعبية تؤثر بالسلب علي ثقة الناخبين التي حظي بها الاخوان في الانتخابات قبل بضعة اسابيع قليلة مضت أي لوجرت الانتخابات اليوم لكانت النتيجة مختلفة. لذلك.. اذا مضي الاخوان في منهج المغالبة وليس المشاركة حتي نهاية الشوط أي حتي اعداد الدستور الجديد، وجاء هذا الدستور لا يحظي بنسبة مناسبة من التوافق أو غير مقبول من قطاعات عديدة في المجتمع فإن الاخوان لن يرتاحوا في مقاعد الاغلبية التي ظفروا بها في البرلمان. ولن يستقروا في حكومتهم سواء شكلوها اليوم أو بعد بضعة اسابيع قليلة قادمة. صحيح ان الثورات لا تحدث كل يوم.. ولكن انفجار الغضب يمكن ان يحدث كل لحظة.. وليس في مصلحة الاخوان ان يتعرضوا حتي وإن كان لديهم اغلبية برلمانية مناسبة لانفجارات غضب شعبية هنا وهناك، خاصة اذا كانوا يراهنون علي تجربتهم الاولي في الحكم. من مصلحة الاخوان الا يتصوروا انهم هم وحدهم اعضاء اتحاد ملاك مصر، واننا جميعا اعضاء في هذا الاتحاد، والدستور يتضمن قواعد العيش المشترك بيننا كلنا.. ويتعين بالتالي ان تكون هذه القواعد مقبولة من الجميع وتحوز علي رضاهم أو علي قدر مناسب من هذا الرضا. واذا كان الاخوان لم يتداركوا مصلحتهم في عملية تشكيل تأسيسية الدستور.. فإن الفرصة مازالت متاحة لتدارك ما تجاهلوه وأهملوه في عملية صياغة الدستور حتي يتجنبوا غضبا لا قبل لأحد به.