حتي الآن لم يشغل فن الفوتوغرافيا المكانة اللائقة به كفن مستقل له حضوره وفاعليته، كتب نادرة تعد علي أصابع اليدين التي ظهرت في المكتبة العربية التي تضم مجموعات من الفوتوغرافيا ومعظمها صدر عن دار نشر الجامعة الأمريكية بالانجليزية، أخيراً صدر كتاب مهم للفيلسوف الفرنسي رولان بارت »الغرفة المضيئة« أو تأملات في الفوتوغرافيا، ترجمة هالة نمر، مراجعة أنور مغيث، يتأمل بارت الفوتوغرافيا باعتبارها وسيلة لتثبيت الزمن، لاستعادته، ما تلتقطه الصورة لم يحدث إلا مرة واحدة، في الصورة لا يعبر الحدث الذي نراه إلي شيء آخر، إنه تفرد اللحظة، إنها تذكرنا بحركة الطفل حين يشير إلي شيء ما بإصبعه وينطق بحروف متقطعة غير مكتملة، توجد الصورة الفوتوغرافية دائماً علي طرف هذه الحركة، الصورة بالنسبة للشخص تاريخ للنظرات، إنها حضور الإنسان نفسه بوصفه آخر، في كل صورة بؤرة للتركيز، للاهتمام، تختلف من شخص إلي آخر طبقاً للموروث الثقافي له ولتاريخه الشخصي، أحياناً يتذكر الإنسان صورة ما أفضل من صورة ينظر إليها، كما لو أن النظرة المباشرة تزيف ما نراه، بين كل إنسان وكل صورة تاريخ يفصله عنها، الصورة لا تذكر بالماضي، التأثير الذي تحدثه في النفس ليس إمكانية إرجاع ما تم محوه بالزمن والمسافة، ولكن إثبات أن ما أراه قد وُجد بالفعل، ثمة صورة تعبر عن لحظة ولكنها تدل علي جوهر عصر بأكمله. هذا ما كنت أشعر به قبل قراءتي لكتاب بارت، عندما أتأمل الصور الأولي الملتقطة في مصر لكوبري قصر النيل، لفندق شبرد الذي كان، أتأمل الأفراد الذين شاركوا في مظاهرات ثورة 9191، أقول لنفسي: لقد مات كل هؤلاء، وسرعان ما أدرك أن الذين تلتقط صورهم الآن بمن فيهم شخصي سيعبرون إلي الأبد، هذا كتاب في الفلسفة وعلم الجمال والظاهراتية، إنه كتاب جميل أصبح متاحاً في ترجمة رائعة بالعربية، لكن الفن الذي يتحدث عنه لم يوجد بعد في الثقافة العربية، الجريدة الوحيدة التي اهتمت به كفن مستقل »أخبار الأدب«.