لا يعنينا نحن المصريين هذا الهذر السخيف الدائر الآن، سواء علي بعض المواقع الالكترونية أو ما تنشره الصحف، حول اطلاق ضباط وأفراد الشرطة لحاهم أو حلقها، فهذا أمر يخص الداخلية ومن فيها، أما ما يخصنا نحن المصريين فهو أن تتوقف اهانتنا وتعذيبنا وفقء عيون شبابنا وقتلهم بالرصاص الحي، هو أن نكون جميعا أمام القانون سواء، هو ان تكون الشرطة في خدمة القانون، هو ان تعاد هيكلة هذا الجهاز الذي توقف عن اداء عمله مع الناس، بل ضد الناس، منذ ثلاثة عقود متواصلة، وعمل بدلا من ذلك في خدمة الحاكم وبطانته. والحقيقة انني شعرت بانزعاج شديد ازاء ما يجري هذه الأيام بين البرلمان من جهة، ووزارة الداخلية من جهة اخري. وبدا وكأن تمثيلية لحي الضباط مقصودة كقنبلة دخان، للتغطية علي الضغوط التي يمارسها البرلمان بأكثريته المنتمية للتيار الاسلامي، فعلي سبيل المثال نشرت المصري اليوم »61/2/2102« ما نسبته لمصادر مطلعة داخل وزارة الداخلية، ان قيادات من حزب الحرية والعدالة التابع للاخوان المسلمين طلبوا من وزير الداخلية من بين ما طلبوا تخصيص حصة في تعيينات جهاز الشرطة علي ان يكون هناك 3 آلاف فرد وأمين شرطة من أعضاء الجماعة والأخطر ان الوزير وعدهم بدراسة الأمر! وفي اليوم التالي وفي الصحيفة نفسها كشفت ان وزير الداخلية طلب ملفات 508 من العاملين في جهاز أمن الدولة السابق تمهيدا لاقصائهم، وواصلت الصحيفة كلامها حول وعد الوزير بدراسة مطالب الحرية والعدالة بدفعة اخوانية في كلية الشرطة! أي اننا نعيد انتاج نظام مبارك، وبدلا من اعادة هيكلة الشرطة لتكون جهازا لتطبيق القانون علي الجميع، ستصبح جهازا اخوانيا، سواء أمرت الوزارة ضباطها وافرادها بحلق اللحية أو تركها! لم تكن وزارة الداخلية ضد الاخوان وحدهم، وآلة القمع الرهيبة طالت الجميع، وعُذب اليساريون والاخوان ودخلوا السجون، وقبل الثورة وبعدها أيضا للأسف استشهد وعذب شباب الثورة وفقدوا نور عيونهم. وزارة الداخلية اذن شأن يهم المصريين جميعا، وان تصفي الاكثرية البرلمانية حسابها معها هو من أخطر ما يهدد مدنية الدولة. غني عن البيان أن من حق الاخوان والسلفيين والشيوعيين واليبراليين دخول كلية الشرطة مثلا، ولكن بوصفهم مصريون وليس حسب الايدلوجية التي ينتمي إليها الطلاب أو آباؤهم كما كان يحدث أيام مبارك، واذا كانت مهمة الشرطة هي تطبيق القانون علي الجميع بلا استثناء، فإن اعادة هيكلتها لتحقيق مهمتها تكمن هنا بالتحديد، في الابتعاد تماما عن ممارسة السياسة. القضاء والشرطة والجيش علي نحو خاص يجب ابعادهم تماما عن ممارسة السياسة، ومنذ أيام كتب الصديق ابراهيم عيسي في »التحرير« ونقل عن كتاب لمؤلف باكستاني كيف تم تحويل جيش باكستان من جيش محترف مهمته الدفاع عن حدود البلاد، الي جيش اسلامي، مما ادي الي هذه المأساة المروعة التي تعيشها باكستان، والي حمام الدم المتواصل منذ عدة عقود. ولو تخيلنا مثلا ان الاخوان والسلفيين بحكم أكثريتهم البرلمانية ضغطوا علي مؤسسة القضاء، ودفعوا بقوات محمولة جوا من حملة ليسانس الحقوق، للعمل وكلاء نيابة، وبالمرة ضغطوا علي المخابرات ودفعوا بقوات اخري، فمعني هذا ببساطة تفكيك الدولة ذاتها وتقسيمها، وليس تفكيك جهاز القمع أو اعادة هيكلة الداخلية. وماذا سوف نفعل في هذه الكارثة لو حصل الشيوعيون علي الأغلبية البرلمانية بعد عدة سنوات، هل نتركهم يعيثون فسادا ويدخلون ابناءهم كلية الشرطة وسلك النيابة والجيش؟ هذه المؤسسات الوطنية الكبري مثل الداخلية والقوات المسلحة والمخابرات والقضاء لها وضع خصوصي وتتمتع بحساسية خاصة، وهي تعمل من اجل جميع المصريين أيا كانت اتجاهاتهم السياسية، والحفاظ علي استقلالها وتجنيبها أي هوي سياسي أو ايدلوجي. مهمة كبري أمام الثورة المصرية وإلا تفككت الدولة فعلا، أو نتحول إلي باكستان والعياذ بالله، أو طالبان افغانستان المأسوف علي شبابها! هل يعقل هذا: أن تكون هناك حصة في تلك الجهات السيادية التي تمثل صمام الأمن ومناط تنفيذ القانون وحماية الحدود لهذا التيار السياسي أو ذاك لمجرد حصوله علي الاكثرية في انتخابات، ليست مزورة بالتأكيد، ولكن شابها العوار، واستخدم فيها سلاح الدين استخداما سياسيا، وحتي لو كانت انتخابات نزيهة مائة في المائة، فإن سياسة توزيع الحصص يمكن استخدامها في توزيع أنابيب البوتاجاز أو زجاجات الزيت! لنكف عن هذا العبث والهذر السخيف حول لحية الشرطة. اعادة هيكلة جهاز الشرطة وتطهيرها وتطهير المؤسسات المماثلة هو الأمر الملح الآن وغداً.