حامد عزالدىن مع كامل احترامي لكل أعضاء مجلس الشعب الذين انتخبهم الشعب المصري في أنزه انتخابات عرفتها مصر في تاريخها الحديث. ومع احترامي وتقديري للأداء البرلماني المتميز بالهدوء والحكمة والحزم للدكتور محمد سعد الكتاتني رئيس مجلس الشعب الا أن لدي الكثير من الملاحظات علي أداء بعض السادة النواب وخصوصا عديمي الخبرة البرلمانية الذين أغرتهم الكاميرات التلفزيونية التي تنقل الجلسات علي الهواء مباشرة في تقليد غير مسبوق في أي مكان في العالم شرقا أو غربا. بل ان محطة أمريكية واحدة واسمها سي سبان تقوم بنقل جلسات اللجان المتخصصة لاطلاع الناخبين الأمريكيين علي الموضوعات المهمة في هذه اللجان التي تعرف بأنها مطبخ البرلمان أما الجلسات العامة فلا يبث منها علي الهواء مباشرة سوي الجلسات الشديدة الأهمية مثل جلسات الاستجوابات أو محاكمة الوزراء أو عزل الرئيس مثلما حدث في قضية مونيكا لوينسكي الشهيرة والرئيس الديمقراطي بيل كلينتون وسيجاره الشهير منذ سنوات بعيدة . وعلي المستوي العربي كذلك لا يتم نقل الجلسات علي الهواء مباشرة سوي في البرلمان اليمني الذي هو أيضا لا ينقل كل الجلسات وانما فقط الجلسات ذات الأهمية الخاصة. وكنت أشغل منصب المستشار الاعلامي لمجلس الأمة عندما تقدم المجلس بمشروع قانون لبث جلساته علي الهواء وهو المشروع الذي حظي بمناقشات واسعة وانتهي بموافقة المجلس علي اصدار القانون لكن الحكومة أعادته مرة أخري مبدية تحفظاتها علي مثل هذا النقل الحي الذي كان يمكن وقتذاك أن يتسبب في مشاكل كبيرة للكويت في علاقاتها بمختلف دول العالم , فالنائب لا يستطيع السيطرة علي انفعالاته وقد يخرج عن شعوره في حديث يخص دولة أجنبية مثلا مما قد يفقد الكويت دعم هذه الدولة أو تلك. كذلك فان وجود مضبطة لجلسات البرلمان يتم التصديق عليها قبل بداية كل جلسة تالية بما يسمح بشطب أجزاء معينة - في حالة وقوع أخطاء قانونية أو هجمات شخصية باستخدام الاسم - يجعل بث الجلسات علي الهواء بمثابة الحكم الأخير علي أي كلام ورد في الجلسة بحيث لا يمكن العودة عن أية كلمة تقال بعدها . أما الحديث عن علانية الجلسات باعتباره المبرر وهو الأمر الموجود في كل برلمانات العالم فهو يعني في الأساس حق المواطنين في حضور الجلسات دون قيود وهو ما يحدث في الكويت حيث أن أبواب القاعة الرئيسية مفتوحة أمام الجميع.. مواطنين ووافدين ولا يعرقل ذلك الا امتلاء الأماكن المخصصة للجمهور. أما الربط بين العلنية وبين البث المباشر علي الهواء فهو ربط غير صحيح بالمرة. لذلك فقد فوجئت بأن قرار بث الجلسات علي الهواء في مجلس الشعب المصري عبر قناة محددة لم يخضع للنقاش في مجلس الشعب بل جاء بمبادرة فردية من وزير الاعلام.
وقد عاني البرلمان الكويتي كثيرا جدا في بداية تطبيق بث الجلسات بعد انتهائها عندما كان النواب يتبارون في طلب الكلام وتقديم الاستجوابات والأسئلة وطلبات المناقشة لمجرد استعراض نشاطهم، مما أضاع وقتا طويلا علي المجلس في مناقشات طويلة مكررة. لكن بمرور الوقت بدأ النواب يتراجعون ويعودون الي سيرتهم الأولي في الأداء البرلماني. لكن علينا أن نضع في اعتبارنا أن عدد أعضاء مجلس الأمة المنتخبين في البرلمان الكويتي هو خمسون نائبا فقط. فما بالنا بمجلس الشعب المصري الذي يضم 508 نواب عندما يتنافس أعضاؤه في الحديث أمام الكاميرات التلفزيونية لا ستغلال ذلك في الدعاية لأنفسهم أولا. وأتذكر أن عدد المسجلين للحديث في موضوع واحد هو أحداث بورسعيد زاد علي 148 نائبا. اضافة بالطبع الي وجود بعض النواب من الشباب المتحمس قليل الخبرة الذي يتعامل داخل القاعة كما لو كان عضوا في مجلس اتحاد طلاب ثانوي أو بالأكثر احدي الكليات أو الجامعات. بل ان احدهم - ويا للفضيحة - ترك اللجنة المكلف بعضويتها للتحقيق في قضية مهمة وعاد علي الفور الي المجلس ليعلن عثوره علي رصاصة خرطوش لم تنفجر. وعندما ثبت أن كلامه غير صحيح لم تواته الجرأة علي الاعتذار عن خطئه.
وأعتقد أن الحل الأول للمشكلة التي يعاني منها رئيس المجلس سعد الكتاتني يمكن حلها أولا بمطالبة لجنة الثقافة والاعلام ومعاونة اللجنة التشريعية والدستورية بوضع مشروع بقانون لتنظيم بث الجلسات بحيث يصبح البث فور انتهاء الجلسة وأن يمنح رئيس الجلسة حق شطب ما يراه غير مناسب للعرض علي أن يتم تحديد الجلسات التي يمكن أن تذاع علي الهواء طبقا لأهمية موضوعها وليس أن يصبح البث علي الهواء روتينا يوميا. ورئيس الجلسة هنا قد لا يكون بالضرورة هو رئيس المجلس. وأعتقد جازما أن البث المباشر فعلا يصب في غير صالح المجلس ولا أعضائه الذين يظهرون أمام قواعدهم الانتخابية بصورة مهزوزة مهتزة تنتقص كثيرا من قدرهم. كذلك فانني أري ضرورة تكليف الأمانة العامة للمجلس وبسرعة بتنظيم دورات تدريبية للنواب وبخاصة الجدد لتعلم أصول العمل والأداء البرلماني من أجل ضمان أداء مشرف للنواب وليس مشاهد الفوضي والفلتان التي تسيء الي النواب والي البرلمان والي الشعب المصري كله. واعتقد أن عددا غير قليل من أعضاء مجلس الشعب المصري قد يفكر كثيرا قبل الحرص علي حضور الجلسات في حال اختفاء الكاميرات التلفزيونية التي يبدو أن عددا من النواب لديهم حالة شبق تجاه الأضواء تجعلهم لا يميزون بين قاعة المجلس وبين ستديوهات برامج التوك شو الصاخبة . ان الهدف الأسمي من نقل الجلسات ينبغي أن يكون هو التسويق للديمقراطية من خلال تعليم الناس كيف تتأثر حياتهم في مختلف المجالات سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية وتعليمية وفنية وصحية وغيرها.
نقطة أخيرة :
الرفض الشعبي العارم لدعوات العصيان المدني غير المبرر التي أطلقتها بعض القوي والأحزاب والائتلافات ليوم السبت الماضي جاءت بمثابة نجاح ضخم لكل الذين راهنوا علي ذكاء هذا الشعب ووعيه الفطري بمصلحة بلاده ورفضه التام لكل محاولات التخريب غير المبررة من بعض الغافلين وبعض أصحاب الثأر مع النظام البائد الذين انتقلت مشاعر الثأر والانتقام لديهم الي الانتقام من مصر الوطن، ذلك ان شعارات الثوريين الاشتراكيين أو الثوريين الاناركيين "الفوضويين " بإسقاط الدولة كهدف لهم صارت أمرا لا يثير شيئا من الاندهاش في ظل حال الفلتان الشامل التي نعيشها والتي ندعو الله أن تتوقف قبل فوات الأوان. وكان الفضل الأول ليقظة الشعب المصري تلك الخطايا التي وقع فيها الداعون للعصيان من أمثال المهندس الشهير الذي استمرأ - رغم كل الوثائق - انكار الاتهامات بحجة التزوير والتزييف غير عابيء بأن للبيت ربا يحميه قادر علي كشف المؤامرات والفتن.