د. شوقى السيد عندما تسقط هيبة الدولة، أي دولة، وتعجز عن ادارة شئون البلاد وعن حماية أمنها وأمن شعبها.. واعادة تنظيم مؤسساتها الدستورية عندئذ قل علي الدنيا السلام، فلا هي تعلن عن انها في حالة شرعية ثورية واتباع منهجها واسلوبها واجراءاتها، ولا هي حمت الشرعية الدستورية في البلاد متي انحازت لها واكدتها منذ البداية، وعندنا في مصر المحروسة وبعد قيام ثورة يناير منذ العام الماضي، في اول اعلان دستوري للبلاد في 31 فبراير الماضي. من بعده صدر الاعلان الدستوري في 03 مارس الماضي، حيث بلغت مواده 36 مادة بالتمام والكمال.. صدر لتهيئة مناخ الحرية والعدالة الاجتماعية وترسيخ الديمقراطية وقد اعلن المجلس الاعلي للقوات المسلحة بصفته السلطة المسئولة عن ادارة شئون البلاد ولمدة اقصاها ستة اشهر انها سلطة تعمل بالشرعية الدستورية في البلاد. لكننا نشاهد الآن تساقط هيبة الدولة في كل اختبار وتصاعد الفوضي في كل مكان.. واتساع دائرة اطلاق الاتهامات في كل جانب، واثارة الشائعات والفزع بين صفوف المواطنين، ولم تسلم اي سلطة من السلطات الا وكانت متهمة بالتواطؤ والاهمال، ولم يسلم معظم الناس من الاتهام بالخيانة والتآمر ضد الوطن، فانتشرت الاقاويل والقصص في انحاء البلاد لتصل الي الفوضي التي ضربت كل مكان. ولم يقتصر الامر علي لغة الكلام او اطلاق الشائعات.. وانما تعدي ذلك الي الافعال والاعمال والقوة حتي اصابت الوطن كله وابناءه في حرياتهم وحقوقهم واموالهم.. فانتشرت اعمال البلطجة والترويع والخطف والاعتداءات علي الافراد والممتلكات والسلطات.. وتصاعد العنف والتظاهر.. واعمال القتل.. والقنابل المسيلة للدموع.. وانتشار استخدام كل انواع السلاح في كل مكان، حتي ضاعت كلمة الحق، فسقطت هيبة الدولة وسقطت معها سيادة القانون. كان يسع السلطة التي تحملت مسئولية ادارة شئون البلاد منذ اندلاع الثورة، ان تعلن اتباعها الشرعية الثورية في البلاد دستورا ومنهاجا، في تحديد المسئوليات او توجيه الاتهامات او اقامة محاكمات ثورية، او اصدار قرارات تتفق مع هذا المنهج الثوري، لكن المجلس العسكري الذي تحمل مسئولية ادارة شئون البلاد اعلن بوضوح انه مع الشرعية الدستورية في اعلان دستوري منذ بداية الثورة كان نصوصه واضحة وصريحة بدءا من حرية الانسان وسيادة القانون وتدعيم قيم المساواة والديمقراطية والتعددية والعدالة الاجتماعية.. والقانون هو السيد والعدالة سيد الموقف.. وحرية التنقل والتعبير محل اعتبار.. وحرية الانتخاب والترشيح مصانة، والحرية الشخصية حق طبيعي ولا تمس.. وللمساكن حرمة.. وحرية المواطن حرمة يحميها القانون، وحرية الرأي وحرية الصحافة مكفولة.. والرقابة محظورة ولا جريمة ولا عقوبة الا بناء علي قانون، والمتهم بريء حتي تثبت ادانته في محاكمة قانونية عادلة، والتقاضي حق مصون، والاشراف القضائي الكامل علي الانتخابات البرلمانية، وسلطات مجلس الشعب وحصانة اعضائه مقررة ومقيدة، واختصاصاته موضحة.. والفصل في صحة العضوية بحكم القضاء.. والقضاة مستقلون ولا سلطان عليهم لغير القانون.. ولا يجوز لأي سلطة التدخل في سير العدالة، ومجلس الدولة والمحكمة الدستورية هيئتان قضائيتان مستقلتان، الي غير ذلك من المباديء الدستورية التي تحمي الحقوق والحريات والشرعية الدستورية في البلاد. ولم يعد من المباديء الدستورية التي تحمي الشرعية الدستورية في البلاد ما هو غائب، اذ جمعت نصوص الاعلان الدستوري كل ذلك مؤكدا علي حماية السلطات والحقوق والحريات.. واعتبار الشعب وحده هو مصدر السلطات.. ثم صدرت المراسيم بقوانين ترسيخا لمزيد من الحريات.. والحقوق، واحيانا استجابة للضغوط ولو علي حساب الاغلبية الكاسحة من الشعب الصامت. ورغم كل ذلك فلقد اجتاح البلاد خرق لكل هذه المباديء الدستورية المعلنة فالقضاء متهم.. والمحاكمات الجارية صورية وهزلية.. وبعض الاصوات تعلو مطالبة باقالة النائب العام لاسباب شخصية.. والتدخل في شئون العدالة بصوت جمهوري.. بل وتقول علي سلطة القضاء من جانب البرلمان، والاعتداء علي حرية المواطنين واموالهم وعلي السلطات والاموال العامة نراه كل يوم.. والسلطة التنفيذية يحاكمها البرلمان ومع ذلك تعلن عن قوتها.. لترد علي مسئوليتها فقط، والدولة امام كل هذا لا تستطيع ان تدافع عن الشرعية الدستورية، فلا مجلس القضاء الاعلي ولا المجالس الخاصة للهيئات القضائية الاخري تدافع عن استقلال القضاء وعدالة المحاكمات، او يرد الاتهامات بالمحاكمات الصورية او الهزلية، ولم يتدخل لاتخاذ اجراء لمواجهة تلك الاتهامات.. او يتصدي للاعتداء علي حصانة النيابة العامة التي هي شعبة من شعب القضاء، ولا يقوي علي ان ينتصر لها حتي ولو ببيان قوي يوجه للرأي العام، ويعلن فيه القول الفصل، فلا هو يتدخل للحماية.. ولا هو يتدخل للتطهير اذا كان له مقتضاه!! ولا يتصدي بكلمة الحق امام تغول سلطة اخري علي سلطة القضاء حتي ولو كان ذلك قد تم تحت قبة البرلمان.. ولا حتي بتصريحات تضع الحدود الفاصلة بين الحل.. والمكروه.. والحرام.. والمذموم. ان الدولة ايها السادة اذا فقدت سر وجودها.. وعجزت عن القيام بمسئولياتها.. فلا هي تعلن عن الشرعية الثورية ولو بعد الأوان ولا هي تدافع عن الشرعية الدستورية التي اعلنت عنها واتخذتها منهجا، واذا استمر عجزها في الدفاع عن موقفها وهيبتها وعن اعلانها الدستوري الذي التزمت به خلال الفترة الانتقالية في ادارة شئون البلاد.. او استمرت خاضعة لقوي بعينها عاجزة عن الدفاع عن موقفها، فانها تكون قد سقطت هيبتها، علي يدها، ولا يكفي ان تقول لنا انها تتجه نحو طريق الديمقراطية والحرية او انها تجري الانتخابات تحت اشراف القضاء او انها في سبيل اعداد الدستور للبلاد او ان الانتخابات الرئاسية علي الابواب وقد اضطرت لتحديد 01 مارس موعدا للترشيح لان ذلك كله لا يصلح ان يكون في جو متوتر وغاضب وغير عادي لانه عندئذ ستفرز نتائج غير عادية لا تعبر عن ارادة الشعب المصري كله. افيقوا ايها السادة اصحاب السلطات.. ولترفعوا كلمة الحق بصوت عال يسمعه كل الناس ويجوب كل الدنيا، عندما تعلو الاصوات فتتغول سلطة علي غيرها، حتي ولو كانت السلطة التشريعية، فالشعب لا يريده مجلسا طاغيا او طائعا، وماذا لو بقيت الدولة مسكينة ضائعة طائعة لا تستطيع ان تحمي نفسها، ففاقد الشيء لا يعطيه، وماذا لو ان السلطة القضائية بهيئاتها وسلطاتها ظلت صامتة لا تدافع عن حقها امام الاتهامات او التغول عليها.. ومسئوليتها عن العدل والحق امام الله. وامام الوطن، ودستورها في خبر كان.. والشعب المصري كله يطلب الامان.. والاستقرار واستمرار حركة الحياة الطبيعية، والقضاء علي مصدر هذه الفوضي.. الاصوات العالية.. والقوي التي تفزع وتثير الفتن وتطلق الاتهام والفزع والاثارة والتخوين والتخويف.. ومحاصرة القوي المضادة التي تريد لهذا الشعب ان ينكسر.. ويتطلب تحقيق ذلك كله القوة والحزم وعدم الخوف والتكاتف بين جميع القوي الوطنية في مواجهة ذلك الطغيان والفوضي المدمرة!!.