حسنو النية وما أكثرهم في عالمنا العربي، وعالمهم الغربي يأملون في أن يرضخ بشار الأسد ويوافق مضطراً علي مغادرة سوريا وترك حكمها لإرادة شعبها، ولم يكتفوا بذلك وإنما قدموا خيارات عديدة أمام بشار ليختار أحدها كمنفي آمن ومريح له ولأسرته. عبدالحليم خدام لا يشارك حسني النية في سعيهم لطرد بشار من سوريا كحل سلمي وواقعي لوقف الحرب المروعة التي يشنها جيش بشار، منذ 11شهراً، ضد الشعب. فنائب الرئيس السوري السابق عبدالحليم خدام، المقيم منذ سنوات في باريس بعد انشقاقه عن الأسد ونظام حكمه رغم أنه كان أحد أهم مؤسسيه وأكثرهم تفانياً في خدمة الراحل حافظ الأسد ثم في خدمة ابنه بشار قبل أن ينقلب علي الأخير.. أو الأخير هو الذي انقلب عليه. أكد خدام أول أمس علي شاشة العربية أن بشار لن يغادر سوريا، ولن يوقف حربه ضد الشعب، بل علي العكس سيتوسع فيها قتلاً وذبحاً. واستند خدام في تأكيده علي ما قاله الأسد لأحد أصدقائه من الوزراء اللبنانيين من أنه في حال تطورت الأوضاع في غير صالحه فسيضطر إلي إشعال الحرب الطائفية في البلاد، وسيعمل علي إقامة دولة في منطقة الساحل، حيث يكثر فيها أنصاره من الطائفة العلوية.. وهكذا تتفكك البلاد وتتقاسمها الطوائف وتتحارب فيما بينها (..). وأنهي عبدالحليم خدام حواره الطويل مقدماً الحل الذي لا حل غيره، وهو إرسال قوات جوية تشارك فيها دول عربية وغربية مثلما حدث في ليبيا وغيرها. حليف الأسد بالأمس وعدوه اليوم عبدالحليم خدام يري أن الأسد يسير علي خطي معمر القذافي، ويتوقع له نفس المصير. أما الذين يتوقعون لجوء بشار إلي دولة صديقة فهم كما قال الخدام لا يعرفون حقيقة بشار.. قاتل شعبه. ما زلنا مع الواهمين كما وصفهم خدام الذين يشغلون أنفسهم بتحديد أنسب دولة لاستقبال آل الأسد من بين الدول القليلة التي مازالت صديقة لبشار حتي اليوم. تحديد واحدة منها ليس سهلاً. فحتي روسيا التي تجهر وتتفاخر برفض المساس بالنظام السوري، وتمنع أي قرار دولي بإدانته، فهي غير "مضمونة" نظراً لشهرتها في تغيير مواقفها من أقصي الشمال إلي أقصي اليمين مادام في ذلك مصلحة لها، وضرر بالآخرين! الباحثون عن منفي مناسب لبشار يتخوفون من تغيّر الموقف الروسي في أية لحظة. وماذا سيحدث في حال إصدار مذكرة من المحكمة الجنائية الدولية ب "ضبط وإحضار" بشار الأسد لمحاسبته علي حرب الإبادة التي يمارسها ضد شعبه؟! حقيقة أن روسيا واحدة من المائة والعشرين دولة التي وقعت علي اتفاقية إنشاء المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، وتلزم الموقعين عليها بتنفيد مثل تلك المذكرات، لكن حقيقة أخري أن روسيا لم توثق توقيعها علي الاتفاقية حتي الآن، فهل يعني ذلك أنه يمكنها تجاهل مذكرة تسليم بشار الأسد إذا ما لجأ إليها أم ستضطر إلي تسليمه؟! الإجابة عن السؤال قد نجدها في السوابق التاريخية، منها علي سبيل المثال لا الحصر ما حدث مع زعيم الأكراد الشهير عبدالله أوكلان. في أكتوبر عام 1998 مارست تركيا ضغوطاً هائلة علي دمشق لترحيل وتسليم أوكلان اللاجيء إليها منذ سنوات طويلة سابقة، رغم ظهوره علي قائمة الإرهابيين المطلوبين من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وهي الضغوط التي أدت إلي إبعاد أوكلان عن سوريا واللجوء إلي روسيا. ومورست نفس الضغوط علي موسكو التي سرعان ما نفضت يديها من عبء إقامته لديها. وهام أوكلان علي وجهه بحثاً عن مأوي آمن في العديد من دول أوروبا، ليغادرها يأساً إلي أفريقيا حيث أقام في نيروبي. وفي 15فبراير 1999 وبقوة خاصة من المخابرات المركزية الأمريكية والموساد الإسرائيلي تم القبض علي أوكلان وتسليمه لأعدي الأعداء : الأتراك، الذين قدموه لمحاكمة غير عادلة حكمت بإعدامه لولا الضغوط الأوروبية التي أجبرت أنقرة علي إلغاء عقوبة الإعدام في قوانينها فتحوّلت عقوبة أوكلان من الإعدام إلي السجن المؤبد!