كنت أريد ان أخصص زاويتي هذا الاسبوع للكتابة عن التجريدة الضخمة التي لا يتوقف ازديادها وتصاعدها ضد الثورة المصرية. لن اعود الي الوراء كثيرا.. لن ابدأ بصراحة من موقعة الجمل، وكيف ولماذا أسمح للقوات المحمولة علي الجمال والبغال باقتحام الميدان، ولن ابدأ ايضا من الجحيم الذي نصب لشباب الثورة في المتحف المصري، او موقعة 9 مارس في الميدان نفسه، او عدد من المواقع المشابهة خلال مايو الماضي ضد الثوار. كنت اريد البدء من حملة التصفية المنظمة الممنهجة، والتي تحمل بصمات مبارك ونظامه وأجهزة قمعه خلال نوفمبر وديسمبر الماضيين، والتصفية هنا تصفية جسدية، بعد ان فشل الارهاب والتخويف والضرب والمحاكمات العسكرية، وفشل الخيال العجوز البائس للمؤسسة الامنية ثم المؤسسة العسكرية علي السواء في احتواء الثورة وتدجينها وتقزيمها لتصبح مجرد »خناقة« علي معزة بين اثنين، وليست ثورة دفع فيها المصريون حياتهم ذاتها!. والحال أن حملة التصفية الجسدية بدأت، او لنقل تم اعتمادها كأسلوب وحيد ومناسب للمرحلة، بعد أن فشل التخويف والارهاب، والا فما معني ماجري في ماسبيرو وتصويب قناصي الداخلية علي عيون شبابنا بالتحديد؟! ما معني قتل كل هذه الاعداد بالرصاص الحي »طبعا لا احد يصدق الداخلية مطلقا فيما يتعلق بتصريحات العيسوي - الوزير السابق - حول: ماضربناش.. ما عندناش.. مش احنا.. روحوا دوروا علي اللي ضربكو!«. لم تكتب ملحمة شارع عيون الحرية بعد، لكنها تصلح بالفعل لان تكون علامة علي اعتماد التصفية الجسدية، سواء من جانب قوات الداخلية او قوات الجيش من الصاعقة والمظلات والشرطة العسكرية والقوات الخاصة، وهو الاسلوب الذي بدأ تحديدا منذ مذبحة ماسبيرو. وبعد مرحلة التصفية الجسدية التي لم تفلح لان عددنا والحمد لله يفوق تأثير اسلوب التصفية الجسدية، اتجه السادة المسئولون لاسلوب يمزج بين التصفية الجسدية والاهانة والتعرية والتعذيب والتبول علي الناس من فوق مبني البرلمان، الي جانب افتتاح معسكر تعذيب حديث ومجهز في منطقة مجلس الشعب، ليس من اجل التهذيب او التأديب او الاصلاح، بل من اجل الاهانة الشخصية ودهس الكرامة، والا فما معني ضرب وسحل وتعذيب اطباء الميدان تحديدا؟ بما رواه الذين تعرضوا لتعذيب المعسكر الجديد في منطقة البرلمان مخجل، بالطبع وليس مخجلا لمن تعرضوا للاهانة والتعذيب، بل بالنسبة لمن قاموا بتعذيب اخوتهم واخواتهم من الضباط والجنود. وعندما فشلت كل هذه الاساليب والطرق، بما في ذلك التصفية الجسدية والاهانة الشخصية، اخرجت اجهزة مبارك.. بالمناسبة نظام وأجهزة مبارك هم من يحكموننا اليوم وسوف اثبت ذلك في السطور التالية.. اخرجت هذه الاجهزة من جرابها اسلوبا جديدا يمزج بين كل تلك الاساليب السابقة. بدأ هذا المزيج بتجريدة المداهمات لمقار ومكاتب منظمات المجتمع المدني، مع اطلاق قنابل دخان كثيفة حول التمويل الاجنبي، دون ان يقدم لنا حتي الان أي دليل علي جدية هذا الاتهام، وفي الوقت نفسه، وبناء علي بلاغات تقدم من »مواطنين شرفاء« ضد عدد من الرموز السياسية للثورة، يجري التحقيق معهم في قضايا وهمية، مع قنابل دخان أخري كثيفة حول تحريضهم ضد الجيش أو حرقهم للمجمع العلمي. المزيج الاخير أضيف اليه اسلوب الخطف لتغليظ قوامه، وبالتالي يصبح اكثر تأثيرا، حيث تقوم أجهزة امن الدولة او الامن الوطني، لا فرق بخطف الناشطين في وضح النهار، وتغمية عيونهم واصطحابهم لاماكن مجهزة، يتم فيها استجوابهم وتهديدهم والتلويح بإيذاء أهلهم، ثم الالقاء بهم في اماكن بعيدة عن العمران، وهو ما جري مع عدد كبير من الناشطين واطباء الميدان، وآخرهم السيدة المحترمة خديجة الحناوي المعروفة بأم الميدان، والانكي ان كل هؤلاء قدموا بلاغات حول خطفهم ولا احد يعلم نتائج هذه البلاغات، مثلما لم نعرف حتي الآن نتيجة البلاغات في كشوف العذرية والتعذيب والمتحف المصري وماسبيرو.. الخ.. الخ. افتح قوسا هنا لاؤكد انني ضد التمويل الاجنبي، علي الرغم من ان نظام مبارك المستمر حتي الان أول من يعتمد علي التمويل الاجنبي، وليس سرا علاقة هذا النظام بأمريكا وفلوس امريكا وسلاح امريكا والمهم ان نري اي امارة من اي تحقيق شفاف، وساعتها لابد من محاسبة كل من تورط، لا فرق بين منظمة مجتمع مدني او جمعية سلفية او جمعية علاء مبارك، المهم هو التحقيق السريع الشفاف، وهو ما لم يحدث حتي الآن في كل التحقيقات التي بدأت دون ان تنتهي!. والحال أن الانهاك المستمر والمتواصل للثوار هو الشعار المرفوع الآن من جانب نظام مبارك، والآن وقد جرب النظام كل الاساليب وانواع واشكال المزيج دون ان يسقط الثوار، فليس هناك حل الا أن يسقط نظام مبارك، والثوار هم من سيقومون بإسقاطه.