عبدالقادر شهىب الثائر بالنسبة للشعب كالسمك بالنسبة للماء.. اذا خرج السمك من الماء يموت.. واذا ابتعد الثوري عن الشعب يهلك.. لذلك يتعين علي الثائر ان يحافظ دوما علي حب وثقة الناس والشعب الذي ثار من اجله.. اما اذا فقد الثأر حب الشعب وثقته يصبح هو وثورته في خطر ويكون الاخفاق من نصيبه. هذا هو الدرس الذي تعلمه جيلي من الثائر الذي كان بمثابة القدوة تشي جيفارا.. لذلك عندما خفت تجربة الاختفاء لمدة ثلاث سنوات وثلاثة اشهر خلاصا من المطاردات الامنية في السبعينيات في اعقاب انتفاضة يناير 7791، حصدت نتيجة هذه الثقة التي حرصت عليها من الناس الذين أحاطوني برعايتهم وحمايتهم ودعمهم.. كنت أسير بينهم وأعيش معهم في أماكن شتي دون ان يبادر أحد بايذائي او تسليمي لمن يطاردني.. وحدث ذلك رغم ضراوة الحملات الاعلامية والسياسية الرسمية ضد كل من اقترنت اسماؤهم بالانتفاضة الجماهيرية التي اسماها الرئيس الاسبق انور السادات انتفاضة الحرامية. غير انني أخشي أن ثوار يناير من الشباب لم يحرصوا علي ذلك الدرس البليغ، الذي علمنا اياه جيفارا، والذي - للاسف - انه دفع حياته ثمنا لاغفاله بعض الوقت هذا الدرس. فهم انتفضوا ثوريا في 52 يناير 1102 ليس فقط من أجل أنفسهم وانما من أجل الشعب كله.. وكانت الشعارات التي رفعوها اهمها شعار: »عيش وحرية وكرامة انسانية«.. اي انهم كانوا يبغون مصلحة الشعب الذي عاني الامرين من الديكتاتوريةوالظلم الاجتماعي والفقر وسوء مستوي المعيشة، وذلك بأن يتمكن هذا الشعب من ان يعيش حياة آدمية ويحظي بالعدالة الاجتماعية وينعم بالديمقراطية الحقيقية. ولأن الشعب كان متلهفا لذلك صدقهم ووثق فيهم وبالتالي استجاب لدعوتهم له بالخروج لكسر القيود المكبل بها، والسعي لاسقاط النظام القائم، واقامة نظام بديل جديد تتحقق خلاله هذه الاهداف المنشودة.. ولولا ثقة الناس والجماهير بهؤلاء الشباب لما كانت دعوتهم للانتفاض الثوري قد حققت هدفها في اجبار مبارك علي التنحي وترك السلطة، ولما كان هو وولدايه واركان حكمه يحاكمون الآن، ولما كنا ظفرنا بانتخابات نظيفة نصنع من خلالها السلطة الجديدة في البلاد. لكن بمرور الوقت اخذ بعض هؤلاء الثوار الشباب يتصرفون بطريقة تبعدهم عن الناس، وتفقدهم حبهم، وتبدد ثقتهم التي منحوها لهم، بل وهذه هي الطامة الكبري تثيرهم ضدهم.. وهذ خطر لو يعلمون كبير عليهم وعلي الثورة التي ضحي اشقاء لهم بأرواحهم من اجل انتصارها. خطر عليهم لانهم سوف يجدون أنفسهم في نهاية المطاف معزولين.. ولا يغرنهم بعض السياسيين الذين ينافقونهم الآن كوسيلة من وسائل ممارسة الضغوط، تارة علي المجلس الاعلي للقوات المسلحة الذي يدير البلاد، وتارة أخري في مواجهة القوي السياسية التي يتنافسون معها، وذلك بهدف تحسين اوضاعهم السياسية، وضمان مكاسب جديدة.. وحينما يحققون هذه المكاسب سوف يتخلون عن الشباب الثائر، او بالاصح سوف يبيعونهم عند اول منعطف تتفرق فيه المصالح!. وخطر علي الثورة.. لأن الثورة تحتاج لهؤلاء الثائرين، بما يتمتعون به من حيوية، وشباب، وحماس، واخلاص، واصرار علي تحقيق اهداف الثورة، فضلا بالطبع عن الفتاة غير القابل للكسر او للشراء.. وعندما يبتعد هؤلاء الثائرون عن الشعب سوف ينبذهم، بل ربما سينقض عليهم، وهذا سيناريو كارثي علي الثورة، ولكنه للاسف بات محتملا!. وها نحن نري بأعيننا الخطر ماثلا بل صارخا.. فقد زادت في ظل نقف الخبرة السياسية محاولات استغلال هؤلاء الثوار الشباب من قبل شخصيات شتي لها نقص اخري مختلفة غير مصلحة الثورة ومصلحة هؤلاء الشباب.. منهم من يطمح بشدة للسلطة ولو لمدة عام او عامين من خلال مط زمن المرحلة الانتقالية.. ومنهم من لا يريد الاعتراف بالعملية الانتخابية لان نتائجها لا تأتي علي هواه.. ومنهم من لا يريد نجاح هذه الثورة في مصر، حتي لا تكون نموذجا يحتذي به في المنطقة المحيطة بها. كما نري ونرصد من خلال الاستماع لمواطنين عاديين أن الثقة الكبيرة في الثوار بدأت تتقلص وتنحسر.. وبعد المدح الصاخب جاء للاسف القدح المقلق. وقد حدث تآكل الثقة نتيجة للوقوع في أسر وبراثن من أرادوا استثمارهم.. فهذا جلب معه غياب الفطنة، وعدم حسن التقدير لما ينبغي القيام به ومالا ينبغي عمله، واستعمال الاسلحة الشعبية من اضرابات ومظاهرات واعتصامات في غير زمانها وغير مكانها.. والاهم من ذلك ضياع شعار سلمية الثورة الذي كنا نتباهي به، بعد ان اختلط الثوار بمن يمارسون العنف، فأصبح الفرز شعبيا بينهم صعبا، مما نال من صدقيتهم لدي الناس، عموم الناس، او الناس البسطاء العاديين. إن أفضل ما يجب ان يفعله الثوار الشباب الآن هو مراجعة أنفسهم، ووقايتها من استثمار اصحاب المآرب الاخري التي لاعلاقة لها بالثورة، وان كانت تخفي وراءها، فهذه هي الوسيلة الوحيدة لانقاذ أنفسهم وثورتهم. وليعلم شبابنا الثوار أن صديقك هو من صدقك القول لامن نافقك ليتمكن من استغلالك أو إجهاض ثورتك.