تمر مصر بلحظة فارقة, ثمة من يريد لها أن تكون نموذجا آخر من سوريا حيث المواجهات بين الجيش والشعب والقتل اليومي للأبرياء وانسداد الافق السياسي والأمني علي السواء, وثمة من يري الامور كلها من منظور اسود معتبرا أنه ما دام لم يصل هو شخصيا الي سدة الحكم, فان الثورة لم تقم بعد, وهناك ثالثا من يدفعون الي تأجيج الامور وتحريض جموع الشباب وتوظيف طاقتهم في التدمير والتخريب بدلا من توظيفها في البناء والنماء, وهناك اخيرا, وهم للاسف عدد قليل يدعون الي تحكيم العقل والمنطق, والنظر الي الامور بحلوها ومرها, وينادون بالإسهام إيجابيا في بلعن مصر جديدة والاستفادة من كل التغيرات الكبري التي حدثت وعدم الاكتفاء بعلن الظلام, ولكن بالمشاركة واشعال الضوء وانارة الطريق. من ينظر الي ما يعرف باعتصام ميدان التحرير الذي دعا اليه بداية ما يعرف بائتلاف مصابي الثورة الذين توعدوا الشعب المصري والشرطة بمفاجأة كبيرة ليلة الجمعة الماضية حسب منشوراتهم ووفقا لما نشره موقع اليوم السابع الاخباري ثم شاركتهم مجموعات سلفية ومجموعات شبابية, وما ادي اليه من مشاحنات ومشاجرات وقتلي ومصابين, ناهيك عن محاولات المتظاهرين الهجوم مرة تلو مرة علي مبني وزارة الداخلية بغرض احتلاله وتخريبه وربما تدميره عن بكره أبيه, في الوقت نفسه لاتوجد مطالب محددة تستحق كل هذا الثمن الكبير, ومن ثم يدرك المرء علي الفور اننا امام لحظة متعمدة للفوضي والتخريب قبل اقل من اسبوع علي أول انتخابات برلمانية بعد الثورة, يريد بها أبطالها ودعاتها إلهاء الوطن وتخريب العملية الديمقراطيةلنقل السلطة سلميا الي برلمان منتخب وحكومة تستمد شرعيتها من صندوق الانتخابات وليس من تعطيل حياة الناس وتدمير مستقبل الوطن. نشعر بالاسف الشديد والحزن العميق حيث نقول ان في مصر قوي سياسية لاتعترف بشرعية الاستفتاء الذي وافق خلاله14 مليون مصري علي خطة نقل السلطة وصياغة دستور جديد من قبل جمعية تأسيسية تعكس التنوع الحقيقي القائم في مصر سياسيا واجتماعيا وثقافيا وفكريا, ونفس هذه القوي اهدرت الوقت والطاقة في محاولات مستميتة للالتفاف حول نتائج هذا الاستفتاء تارة اولي بسب جموع المصريين الذين وافقوا علي خطة نقل السلطة ووصفهم بانهم جهلاء لايفهمون معني الثورة والتغيير الشامل وانهم يتأثرون بدعايات الشيوخ واقطاب الحزب الوطني السابقين, وتارة ثانية بالمناداة بتشكيل مجلس رئاسي واسع الصلاحيات ليحكم البلاد دون ان نعرف من هؤلاء وما هي شرعيتهم ووزنهم الجماهيري ومن سيقوم باختيارهم ويعطيهم هذه الصلاحيات الواسعة وتارة ثالثة بالمناداة باطالة زمن المرحلة الانتقالية حتي تستطيع القوي الثورية والمدنية بناء جذور شعبية لهم في المجتمع وتارة رابعة بالمطالبة باحداث تغييرات كبري في يوم وليلة من قبيل تحقيق العدالة الاجتماعية وتغيير كل منظومة العمل في كل الوزارات والمصالح الحكومية واجهزة الدولة المختلفة في الوقت الذي يتجاهلون فيه تماما اي دعوة للعمل والانتاج وتسيير دولاب العمل وتارة خامسة باستغلال اخطاء فردية تحدث في اي مكان وتحويلها الي سبب للتحريض ضد الحكومة وضد المجلس العسكري, ومن ثم التشكيك في قدرة الجيش المصري علي الوفاء بتعهداته في نقل السلطة وفقا للاعلان الدستوري وتارة سادسة باثارة الهجوم علي كل من يقول رأيا مخالفا يخص حاضر البلاد ومستقبلها. هذه القوي التي تدعي احتكار الحديث باسم الثورة وباسم المصريين جميعا وهم لايزيدون عن كونهم مجرد فصيل سياسي محدود العدد ولكنه عالي الصوت, هي نفسها التي تخشي المشاركة في الانتخابات المقبلة, لانها ببساطة اهدرت الفرصة الثمينة التي اتيحت لها عقب الاطاحة مباشرة برأس النظام السابق, ولم تستغلها في تشكيل قواعد شعبية لها في المجتمع المصري, واكتفت بالمبالغة في النقد والتحريض والظهور المكثف في القنوات الفضائية وادعاء البطولة والتأكيد علي استمرار الثأر مع الجيش المصري الذي اغتصب الحكم ووقف ضد الثورة حسب مزاعمهم المريضة, والتأكيد علي استمرار المواجهة مع وزارة الداخلية لانها لم تتغير ولم تتطهر وفقا لرؤيتهم القاصرة وتجسيدا لكل هذا لم تتوقف حملات التشويه ضد هاتين المؤسستين تحديدا, وهما من عماد اي دولة, وان اصابهما مكروه, اصبح الحديث عن وجود الدولة المصرية ذاته امرا في علم الغيب, كثير من المحللين والناشطين السياسيين والمرشحين المحتملين للرئاسة ركزوا علي وجود عنف غير مبرر استخدمته الشرطة ضد مجموعات من المعتصمين مبررين بذلك كل مظاهر التخريب التي مارسها بعض هؤلاء المعتصمين ضد ممتلكات الشرطة وافرادها والتي صورتها كاميرات العديد من القنوات الفضائية, ومبررين ايضا عمليات الاعتداء غير المفهومة علي مبني وزارة الداخلية وكأن من حق المعتصمين ان يخربوا الوطن ويطلب منا ان نصفق لهم, غابت الحكمة لدي الكثيرين مفضلين الظهور بمظهر الثائر الذي لايوقفه شيء والمناضل الذي يحرض من اجل التحريض واشعال الحرائق وحيث تغيب الحكمة في التحليل وتضيع الرشادة في الاستنتاج نجد انفسنا امام اناس غير جديرين بان يكونوا علي رأس هذا الوطن. وكغيري من المصريين لا افهم ولا استطيع ان افهم كل هذا الحقد علي الجيش المصري وعلي ابناء مصر الشرفاء الذين يحمون الوطن وكغيري من المصريين لا استوعب كل هذه الرغبة في التحريض من قبل ناشطين سياسيين يرون انفسهم نماذج ثورية علي اولي خطوات عملية انتقال السلطة بطريقة سلمية وديمقراطية طالما حلمنا بها طويلا وكغيري من المصريين الغيورين علي بلدهم وعلي كل موارده لايمكن ان استوعب او اقبل كل هذه العمليات التخريبية التي تحدث بين الحين والآخر ضد الشرطة المصرية ومنتسبيها الاوفياء, ولايبقي لنا سوي التحذير من مغبة الانصياع وراء رغبات شريرة وخطط خبيثة سوف تفشل حتما وسيذهب اصحابها الي مزبلة التاريخ ولكل هؤلاء نقول اتقوا الله في وطنكم وفي شعبكم وعودوا الي رشدكم.