محمد وجدى قنديل مازال التساؤل قائما ومطروحا.. عما وراء العلاقة بين أمريكا والإخوان؟ والي اين وصلت الاتصالات بين شخصيات سياسية امريكية مثل السناتور جون كيري- وقيادات حزب الحرية والعدالة- الذراع السياسي للجماعة؟ ولماذا خرجت تلك الاتصالات من السرية الي العلن بعد ثورة 52 يناير وما دلائل التغيير في السياسة الامريكية تجاه الاخوان والاسلاميين في المنطقة العربية؟ يبدو أن الادارة الامريكية اخذت تعيد تقييم مواقفها من الاسلاميين وبالتحديد جماعة الاخوان في مصر علي ضوء المتغيرات التي تحدث علي ارض الواقع السياسي والذي افرزته الثورة، ونتائج المرحلة الأولي والثانية من الانتخابات البرلمانية والتي اوضحت صعود التيار الاسلامي في الشارع المصري والتي قد تؤدي بعد المرحلة الثالثة الي حصول الاخوان علي الاغلبية في مجلس الشعب وهو ما تخطط له الجماعة لكي تكون لها الكلمة في اختيار لجنة وضع الدستور الجديد. ويبدو أن واشنطن قد ادركت ان الاخوان والاسلاميين صاروا البديل الاقوي للاحزاب والتيارات الليبرالية بعد ثورات الربيع العربي- ليس في مصر وحدها وإنما في تونس وغيرها- ويؤشر ذلك الي ان ادارة اوباما استوعبت ان اعتماد الولاياتالمتحدة علي الانظمة الديكتاتورية والبوليسية في مرحلة سابقة زادت لسنوات طويلة مبارك »03 سنة في مصر« والقذافي »04 سنة في ليبيا« وعلي صالح »23 سنة في اليمن« وبن علي »02 سنة في تونس« لم يعد يحقق اهدافها بل يضر بمصالحها في المنطقة ولم تعد قادرة علي حماية تلك الانظمة في مواجهة المد الشعبي المتطلع للحرية والديمقراطية وصعود الاسلام السياسي. وقد استشعرت واشنطن ضعف هذه الانظمة نتيجة الفساد والقمع البوليسي- وبالذات بعد تولي أوباما- وجاء تعليق هيلاري كلينتون علي النتائج الاولية للانتخابات في مصر »ان الشعب المصري له الحق في الفخر ببدء عملية اختيار قادته الجدد«. ويعني ذلك ان امريكا تريد تغيير تحالفاتها مع حكام المنطقة العربية وبحيث تتماشي مع المتغيرات الجارية تجاه الانظمة الحاكمة من جانب الشعوب.. فقد كان اعتماد مبارك في فترة حكمه الطويلة علي اثارة مخاوف امريكا من عدم الاستقرار في مصر في حال رحيله وكان يستخدم »فزاعة الاخوان« لتبرير عدم الاستجابة للاصلاحات السياسية والديمقراطية التي تطلبها واشنطن. وكان يقدم نظامه علي انه الاقوي والذي يخدم المصالح الامريكية ويحافظ علي العلاقات مع اسرائيل.. مثلما كان علي صالح يراهن في السنوات الاخيرة علي »فزاعة تواجد القاعدة في اليمن« وضرورة مساعدته وبقائه للقضاء علي وجود عناصرهم في منطقة »ابين« والذي يهدد الاستقرار في السعودية.. وكذلك كان القذافي يتحدي باحكام قبضته علي ليبيا!. ولكن بدأت الرؤية الأمريكية - قبيل نهاية عهد بوش- تتغير ووقتها اشارت كونداليزا رايس الي امكان تعاون امريكا مع الاخوان اذا وصلوا الي الحكم.. ولم يكن اعلان هيلاري كلينتون مبادرة استئناف الاتصالات مع جماعة الاخوان مفاجأة كاملة ولا غير متوقعة فقد كانت هناك اتصالات مستمرة وفي سرية منذ عام 6002 ولو انها كانت غير معلنة وكانت بمثابة جس النبض لاتجاهات الاخوان ومواقفهم من اسرائيل.. وايران ومن نظام مبارك.. وتكشف ان الاخوان من ناحيتهم ظلوا يتكتمون هذه الاتصالات التي تتم مع قيادات ورموز من الجماعة وكانت الادارة الامريكية من جانبها حريصة علي سرية الاتصالات حتي لا تثير قلق اسرائيل وجماعات اللوبي اليهودي في واشنطن، ولكن بعد إعلان كلينتون عن اتصالات محدودة بين الولاياتالمتحدة وجماعة الاخوان - بعد ثورة يناير- ثارت ردود افعال ومخاوف من جانب اسرائيل باعتبار ان اعضاء الجماعة خطرون ولهم ايدولوجية متشددة. وبينما أكدت كلينتون ان من مصلحة واشنطن التعامل مع الاطراف الملتزمة بالانشطة السياسية التي لا تتسم بالعنف.. ويعتبر ذلك تحولا يسمح للمسئولين الامريكيين بالتعامل مباشرة مع قياديين من جماعة الاخوان في مصر!. ويبدو التغيير في السياسة الامريكية تجاه الاخوان من الاتصالات التي خرجت من نطاق السرية الي دائرة العلن بعد ثورة يناير. وقد جاءت متابعة السناتور كيري رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ- خلال زيارته الاخيرة، واجتماعه مع قيادات حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي للاخوان وبشكل معلن لكي تؤكد علي هذا التحول من جانب واشنطن في التعامل مع الجماعة بعد سنوات من الاتصالات السرية في عهد مبارك. وهو ما بدا واضحا من تصريحات كيري حول موقف الحكومة الامريكية من نتائج المرحلة الأولي للانتخابات البرلمانية، فقد أكد علي أنها ترحب بالنتائج التي اسفرت عنها وبحق المواطنين المصريين في اختيار قياداتهم، وانطلاق العملية الديمقراطية، وكان من أبرز ما قاله لقيادات الاخوان. لم أفاجأ بتقدم حزب الحرية والعدالة في الانتخابات! وبدا واضحا من خلال المقابلة ان الاخوان قدموا تعهدات بشأن العلاقات مع اسرائيل واستمرار اتفاقية السلام وكذلك اتفاقية الغاز الطبيعي، وهو ما يهم الولاياتالمتحدة لضمان الاستقرار في المنطقة!. وقد كشفت وثائق المخابرات المركزية عن اتصالات ولقاءات منتظمة بين اعضاء السفارة الامريكية في القاهرة وجماعة الاخوان علي مدي سنوات، وكانت تتم بعلم كونداليزا رايس وزيرة الخارجية وقتها- وبالرغم من اعلانها عن عدم وجود هذه الاتصالات السرية خشية تأثر العلاقات المصرية الامريكية في عهد مبارك. وخلال تلك اللقاءات قالت قيادة من الاخوان لدبلوماسي امريكي: ان الجماعة تضغط علي النظام وستظل قوية طالما كانت لها صفة السرية! وكانت السفارة الامريكية تمنح قيادات الاخوان تأشيرات مفتوحة ودعوات لزيارة واشنطن مشفوعة بتقارير خاصة عن الاحوال الداخلية في مصر!. ويبقي التساؤل القائم: ما معني الاتصالات بين أمريكا والاخوان في العلن وما هو الهدف بعد الانتخابات؟ ما يبدو واضحا أن السياسة الامريكية تضع حساباتها علي اساس فوز الاخوان بالاغلبية المريحة في مجلس الشعب، وهو ما يمكنهم من الوصول الي الحكم وبذلك تحافظ أمريكا علي مصالحها رغم مخاوفها من صعود الاسلام السياسي في مصر!.