من يتابع ما يجري من نقاش أو يشاهد الحوارات التليفزيونية التي تعددت وامتدت علي مدي الليل والنهار، سوف يتصور أن مصر لم تعد مشغولة إلا بمعركة »المايوه الشرعي«!! وأن الثورة لم تقم إلا بسبب السياحة الحلال والسياحة الحرام!! وأن الخلاف علي »النقاب« هو الذي أخرج الناس إلي ميادين التحرير وليس البحث عن الحرية والعدالة والكرامة الانسانية!! لقد انتهت المرحلة الأولي من الانتخابات بسلبياتها وإيجابياتها وبدأنا طريقاً لابد أن نكمله لإقامة الدولة الديموقراطية، ومع ذلك يبدو الأمر وكأن ملايين المواطنين في واد والنخبة والأحزاب السياسية في واد آخر. ويبدو أيضا ان هناك إصراراً علي إدخالنا في معارك جانبية حتي نبتعد عن قضايانا الأساسية. ويعود الذين جعلوا قضيتهم الاساسية قبل شهور هي تحرير كاميليا وعبير بدلاً من تحرير مصر، ليقودونا إلي معارك تحريم البيبسي كولا أو كراهية أكل البادنجان!! انتهت المرحلة الأولي للانتخابات وسبقتها شهور الإعداد والاستعداد، ولم نشهد حتي الآن حواراً حقيقياً حول برامج سياسية أو حلولاً تطرح لمشاكل الوطن ومتاعب الناس. منذ البداية نجح البعض في جر الحوار ليكون حول القضايا الفرعية، وليدور حول رؤية كل فريق للحلال والحرام، ولتكون المرجعية هي ما قيل قبل قرون مضت دون اجتهاد حقيقي. كان المفترض أن تكون هذه الانتخابات ساحة للمنافسة بين برامج ومقترحات لعبور هذه المرحلة الصعبة ولتحقيق أهداف الثورة. كان المفروض أن يذهب المواطن ليختار بين الاحزاب والتكتلات علي أساس ما تطرحه من حلول لمشاكل التعليم والصحة والاسكان، وما تقدمه من اقتراحات لتحسين أحوال الناس وخلق فرص العمل والتقدم باقتصاد الوطن. وقبل ذلك وبعد تصور كل فريق للدولة الحديثة التي نعمل علي اقامتها. للاسف الشديد لم يحدث شيء من ذلك.. غابت الافكار وحضرت الاموال، اختفت البرامج السياسية وحضر الفرز الطائفي. ابتعد شباب الثورة وضاعت اهدافها وسط ضجيج الاتهامات المتبادلة بالكفر والإلحاد والتطرف والإرهاب. لم يعد مقبولاً أن تسأل المرشح عن البطالة والغلاء وأنبوبة البوتاجاز ورغيف الخبز، بعد أن اصبحت المعركة حول »المايوه الشرعي« أهم واخطر من معركة الدستور!!