لا أعرف لماذا نعترض علي رجل عالم في الاقتصاد والتخطيط مثل الدكتور كمال الجنزوري ليكون رئيسا لحكومة الانقاذ الوطني..فلماذا نتعجل ولا نعطيه الفرصة فقد يكون افضل من الذين سبقوه.. وبالذات يوم أن يأخذ بنصيحتي التي سبق أن طالبت بها الحكومات السابقة عندما يقوم بتعيين نواب للوزراء من المثقفين الشبان ليدخوا تجربة الحكم لأول مرة حتي يكونوا مؤهلين للعمل كوزراء عندما تدعو الحاجة الي حكومة جديدة.. وكالعادة لم يسمعني أحد لا أيام النظام ولا أيام الثورة لأن رؤساء الحكومات اعتادوا تطنيش الأقلام.. وكلمة حق الجنزوري هو الوحيد الذي كان مصابا بارتيكاريا النقد.. ما من مقال يخص الحكومة إلا ورد عليه.. وهنا يأتي السؤال هل نعترض عليه لأنه كان رئيسا للحكومة علي أيام النظام السابق مع أن المقربين منه يعرفون انه هو الذي تمرد علي مبارك ورفض ان يكون رئيسا للحكومة بدرجة سكرتير لرئيس الجمهورية.. كما رفض أن يكون " إمّعه " في نظام تديره " تربيطات " الحزب الحاكم..هذا الموقف يحسب له ولا يحسب عليه كرجل يعتز بكرامته.. ولم يستغرب الرجل عندما " قلشوه " من منصبه وترك رئاسة الحكومة تلاحقه الشائعات.. مرة علي أنه اعطي بيانات خاطئة عن الميزانية لرئيس الجمهورية.. ومرة لأن زوج ابنته كان يحمل خرائط الاراضي في مصر داخل سيارته ويتاجر فيها مع أن الجنزوري لايمتلك شبرا منها ولم يسكن في قصر من قصور القطامية أو علي قطعة أرض من أراضي المجتمعات الجديدة.. ولأنهم لم يفلحوا في " تلطيخ " سيرته الذاتية.. اتهموه أنه كان يعيش داخل جلباب وزير دولته المستشار طلعت حماد الذي كان يجمع كل السلطات في يديه وقد كان الوزراء يدخلون مكتبه في طوابير.. ولا اعرف ماهي جريمة رئيس حكومة في أن يختار أحد معاونيه بنفس شخصيته.. لقد ظلت الاشاعات تلاحقه والرجل صامت يشعر بجرح غائر في كرامته بعد أن رفض أن يكون " دلدولا " للنظام.. والتزم الصمت ولم يخرج عن صمته إلا مع بزوغ الثورة التي اسقطت النظام وقضت علي ديكتاتوريته.. - لقد تعجبت لاعتراض البعض عليه لأنه " عجوز " وكأننا نشترط علي رئيس الحكومة أن يكون من حاملي الاثقال أو بطلا في كمال الأجسام.. مع أن هذه المرحلة القاسية التي تمر بها البلاد تحتاج الي عقلية وموسوعة اقتصادية قد نجدها في قبطان عجوز يبحر بنا الي بر الامان.. وهذا القبطان لابد أن تكون له تجاربه وخبرته في إدارة الحكومة وإدارة الوزراء.. فقد خسرنا عقلية مثل عقلية احمد شفيق لأنه كان من ترشيحات النظام مع أن هذا الرجل لو تركناه معنا ما وصلنا الي الكارثة التي نحن عليها الآن.. وبمليونية من المليونات اخترنا عصام شرف بديلا عنه مع أنه كان من رجال نفس النظام والذي أهله لهذا الاختيار أن النظام استبعده من الوزارة قبل الثورة.. أي لم يخرج بإرادته ولم نسمع أنه تمرد علي النظام مثل ما فعل الدكتور الجنزوري ومع ذلك كان شرف مهضوما علي قلب الميدان الذي نادي به رئيسا للحكومة.. ودخلنا في تجربة العواطف والتدليل ، ورأينا رئيس الحكومة " يطبطب " علي أصحاب الصوت العالي.. ويدخل معهم في وصلة استعطاف حتي تهدأ الأمور.. الي أن سقط البلد من يديه وأحس الثوار أن مصر " بتغرق " ففضلوا أن يسقطوه حتي لاتسقط مصر.. وكالعادة رفضوا ترشيحات المجلس العسكري وتمسكوا بأن يكون رئيس حكومة الانقاذ من ترشيحهم فهل كان مطلوبا من المجلس العسكري ان يستجيب للميدان ويستبعد شرف وينتظر مرشحهم والبلد يغرق.. اي عقل يقول ان نعطي قرار تشكيل الحكومة لمجموعة من الشباب الثائرين الذين يقودهم الحماس الي تجاهل العقل والمنطق ونرفض الخبرة وسابقة الاعمال في هذه المرحلة بالذات.. فنحن نريد من هو قادر علي انتشال البلد من حالة الانهيار التي تهدد.. تجربتنا الديمقراطية ونحن نختار لأول مرة مجلس شعب بإرادتنا وفي انتخابات حرة تحت وصايتنا.. لاتعرف التزوير.. - لذلك اقول اتركوا للمجلس العسكري ان يختار وعلينا أن نسانده في هذا الاختيار لأن الذي يختاره هو أحد العواجيز " التقال " الذي لم يستكمل مشواره في تقديم الأفكار.. فأهلا بالدكتور الجنزوري.. واهلا بالوزراء الشبان الجدد.. نحن في انتظار ان تلقوا لنا بطوق النجاة ونعبر بمصرنا الحبيبة الي بر الأمان.