كأن لجنة السياسات بيننا.. تحكمنا باسم الحزب المنحل.. تتحكم في مصيرنا.. تسرقنا وتنهبنا وتضربنا بعصا الخصخصة الغليظة! فالشعب الذي أشعل الثورة وانشغل -ومازال- بتداعياتها ونتائجها لم تكتمل سعادته بحكم المحكمة الذي قضي بإعادة الشركات المنهوبة الي الدولة.. لأن الشركات مازالت في حوزة أصحابها يواصلون تحقيق المزيد من الربح والتربح.. والحكومة تتعامل بوجهين مع المسألة.. فهي تشيد بحكم القضاء.. لكنها في نفس الوقت تترك الباب مفتوحا علي مصراعيه أمام ناهبي المال العام.. وذلك بعدم اتخاذ خطوة جادة حتي الآن لإعادة الشركات -موضع الحكم- للدولة. .. حتي الإجراءات التحفظية بشأن الشركات تقاعست عن اتخاذها.. بما جعل صاحب كل شركة يجردها من أهم محتوياتها، ويقوم بتلغيمها بالبلطجية لمنع الاقتراب من أراضيها المدرجة في خطة التسقيع!وعلي الجانب الآخر فإن العمال يؤكدون تمسكهم بضرورة تنفيذ حكم القضاء.. يقولون بكل أسي: »كارثة أن تتعاطف حكومة الثورة مع لصوص نظام مبارك.. سنواصل الوقفات الاحتجاجية والاعتصامات حتي إشعار آخر«! »الأخبار« ترصد المأساة علي أرض الواقع.. تسجل بالكلمة والصورة حالة شركات تساوي الكثير من المليارات أهداها النظام السابق للمحظوظين بالقليل من ملايين الجنيهات! وتشارك المتضررين التساؤل: لمصلحة من السكوت عن استعادة القليل المتبقي من المال المنهوب؟ ومن ينكر أن أفكار الشياطين تسكن تفاصيل الإجابة؟!نبدأ تحقيقنا بسؤال أيضا: لماذا كانت الفرحة عارمة بحكم القضاء الشامخ بإعادة شركات طنطا للكتان وغزل شبين والمراجل البخارية وقبلهم عمر أفندي الي منظومة المال العام؟.. والاجابة أن هذه الشركات تمثل جزءا لا بأس به من »نهيبة« المال العام التي قدمها نظام مبارك علي طبق من ذهب للفاسدين.. ولأن بيعها بعقود باطلة وفاسدة يعكس الخطة الشيطانية لذلك النظام بافقار الشعب وتجويعه! خرابة الأخبار قامت بجولة باحدي الشركات التي حكم القضاء بإعادتها للدولة.. تجولت داخلها وأجرت مقارنة بين وضعها بالأمس، وحالتها اليوم.. فقبل الخصخصة كانت شركة النصر للمراجل البخارية في طليعة القلاع الصناعية التي أقامها عبدالناصر عقب ثورة 32 يوليو 2591.. كانت حركة العمل بها نشطة.. وكانت منتجاتها ترجمة حقيقية لشعار »صنع في مصر«.. أما الآن فالحاضر مغاير تماما للماضي.. جسم الشركة تم تفكيكه.. الآلات انتزعت من مواقعها وتم بيعها خردة.. معداتها تبعثرت بعد أن تم تمزيق أواصر الشركة في عمليات الاندماج والانقسام. .. أما عمالها ومهندسوها والفنيون بها فقد تشردوا رغم خبراتهم النادرة.. ولم يبق من معالمها إلا الأرض -23 فدانا- والتي يتولي حراستها عدد من البلطجية لحمايتها من تنفيذ الحكم وتسقيعها.. باختصار الشركة تحولت الي »خرابة«! تفاصيل صفقة البيع مريبة وكواليسها تكشف كيف كانت تباع مصر، من جانب حفنة من الانتهازيين تحت مسمي "الخصخصة" نظير عمولات وضعوها في حساباتهم السرية في الخارج، فالبداية كما يرويها عبد الغفار مغاوري المحامي صاحب دعوي بطلان بيع الشركة أنه تم البيع في عام 1994 بموجب عقد ينص علي بيع كامل للشركة من ارض ومعدات وخامات بمبلغ 17 مليون دولار بما يعادل 57 مليون جنيه وقتها، وكان العقد يوضح تقسيم المبلغ فالارض المقام عليها الشركة تم بيعها ب6 ملايين ونصف والروافع ووسائل النقل بمليون و200 الف دولار والمعدات ب3 ملايين دولار والاساس والتجهيزات ب200 الف دولار والمخزون الاساسي للصناعة ب6 ملايين، وعندما تم البيع كان قائما علي اساس باطل وهو ان احد اعضاء الشركة القابضة الهندسية التي باعت "المراجل البخارية" هو والد اثنين من الاطراف الذين اشتروا الشركة مما يثبت وجود شبهة فساد وتعارض مصالح وهو ما استندت اليه المحكمة في حكمها، وكانت المفاجأة ان الشريك الاخر هو شركة بنمية لها اصول يهودية، بمجرد تسلمها الشركة قامت بجلب خبراء يهود اسرائيليين، اتوا الي الشركة وعندما شاهدوا مدي التقدم والتدريب الموجود في الشركة انتابهم الذهول، فتعلموا وتدربوا ونقلوا خبراتهم الي اسرائيل وقاموا بعدها بتنفيذ مخططهم بتدمير صناعة المراجل المصرية فهدموا المركز الالماني المسئول عن التدريب في الشركة، وهو ما اعتبره مصطفي فؤاد احد العاملين في الشركة واحد العمال الذين تم تسريحهم بداية لتوقف العمل وتدمير الصناعة، موضحا ان الاجانب الذين كانوا يعملون في الشركة هم من اليهود. تخريب وتسريح مسلسل تخريب الشركة لم يقف عند هذا الحد، فكما يشير حسن ابو الدهب احد العاملين انه رغم ان عقد البيع ينص علي ان الحفاظ علي العمالة والحفاظ علي الصناعة الا انه بمجرد اتمام عملية البيع تم تسريح عدد كبير من العمال ولم يكتف سوي ب 192 عاملا فقط من اجمالي 1114 عاملا هم قوة العاملين بالشركة، وبعد حكم المحكمة ببطلان البيع والزام المشتري بإعادة الشركة كما كانت عليه قبل البيع قام بطرد باقي العمال المعينين، وقام ببيع الماكينات والمعدات الي احدي شركات ساويرس في الفترة من 2008 واصبحت ارض الشركة "خرابة". أما عن الاهمية الاستراتيجية لمنتجات الشركة فيؤكد المهندس عادل قرني المدعي الاول في القضية ومدير عام التصنيع سابقا، ان الحكومة لا تدرك اهمية هذه الصناعة الحيوية حيث تستخدم المراجل في أغلب الصناعات (الغذائية، الكيميائية، الأسمدة، المنسوجات، الورق، تصنيع البترول، البتروكيماويات والفنادق والمستشفيات)، وتستخدم كقوي محركة لتسيير السفن بجميع أنواعها، والمرجل يمثل الجزء الرئيسي من أجزاء المحطات الحرارية لإنتاج الكهرباء، أما الإستخدام غير التقليدي فإنه يتمثل في صناعة غلايات (مراجل) تعمل بالوقود النووي بحيث يمكن أن تصبح في المستقبل جزءا من وحدات مشروع نووي متكامل سواء كان ذلك المشروع موجها للأغراض السلمية أو لأي غرض آخر، حيث تعتبر التكنولوجيا المستخدمة في صناعة المراجل البخارية من أحدث وأعلي تكنولوجيات تصنيع وتشكيل المعادن باستخدام اللحام، و حيث يتطلب ذلك عمالة هندسية وفنية ماهرة ومدربة علي أعلي مستوي وبأحدث التقنيات المستخدمة في التدريب، و لهذا السبب فإن وجود صناعة للمراجل في أية دولة من الدول هو واحد من الأسباب التي تدعو تلك الدولة إلي الإحساس بالفخر، وما حدث عند بيعها هو جريمة في حق هذا الوطن، فالمراجل البخارية كانت تساهم بنسبة 70 ٪ في تصنيع محطات الكهرباء، وقد تم تصنيع محطات الكريمات وسيدي كرير وعيون موسي وغيرها، ولكن بعد ان تم بيعها قام المستثمرون بتدمير الصناعة، لتعطيش السوق ولفتح الباب علي مصراعيه امام الاستيراد وهذا يخدم مصالح المستثمرين فقط، . وينفي مدير التصنيع السابق ما يردده وزير الصناعة بأن ارض الشركة مقام عليها عمارات ومبان سكنية، وهو ما رصدته "الاخبار" في جولتها علي ارض الواقع في ارض الشركة، حيث تحولت الشركة الي "خرابة" اصبحت مسكنا للحيوانات الضالة، بعد ان كانت حركة الماكينات لا تتوقف فيها، حيث قام صاحب الشركة بنقل الماكينات والمعدات الي مدينة 6 اكتوبر، وتشريد العمال وتوقف العمل، تمهيدا لاستغلال الارض في الاستثمار السياحي، ومنذ عام 2008 الشركة لا تعمل اطلاقا رغم ان هناك شروطا في العقد تجبر المشتري الحفاظ علي الصناعة وعلي العمالة، وبعد صدور حكم محكمة حكم محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة في القضية رقم 40510لسنة 65ق بتاريخ 21سبتمبر 2011 ببطلان البيع قام باستئجار بلطجية ليحموا الارض رغم انها فضاء ولا يوجد بها شئ، وحتي يمنع العمال من دخول ارض الشركة والاستيلاء عليها. سرقة الإنتاج اما مختار احمد احد العمال المفصولين فيؤكد ان الشركة عندما تم بيعها كان يوجد بها منتجات جاهزة للبيع بأكثر من 25 مليون جنيه، رغم ان الصفقة كلها لم تتعد 17 مليون دولار، كما ان كان يوجد مكبس ضخم في الشركة سعة 1200 طن وكانت تنتج طاقة تستخدم في تخصيب اليورانيوم الأمن، ولكن الخبراء اليهود قاموا بتفكيكها وتخريدها، حتي لا يمكن لمصر ان تتقدم في هذا المجال. وردا علي تصريحات الحكومة بان الشركة تحتاج الي مليار جنيه لإعادة تشغيلها مرة اخري فان العمال يؤكدون انهم مستعدون لتشغيل الشركة خلال شهر واحد، ويكون فيها طاقة العمل بنسة 60 ٪، ونقوم بتشغيلها دون تحميل الحكومة اية اعباء مالية، من جانبه اكد فايز الكرتة رئيس النقابة العامة للصناعات الهندسية انه لابد من سرعة تنفيذ حكم المحكمة بعودة الشركة لإنقاذ ما تبقي من هذه الصناعة التي لا يوجد مثيلها في الشرق الاوسط، كما ان العمال الذين يعملون في هذا المجال يمثلون كنزا بشريا لا يعوض ويجب الحفاظ عليهم لانه بانتهائهم وعدم نقل خبرتهم الي الاجيال القادمة لن يكون هناك صناعة مراجل بخارية مرة اخري، كما ان الشركة كانت تحقق ارباحا حتي عام 1991 حتي بدأ التآمر علي الشركة والحديث بادعاءات كاذبة عن انها خاسرة تمهيدا لبيعها وكان هذا التآمر بزعامة الشركة القابضة للصناعات الهندسية، وانتهي ان تم بيعها لابناء احد اعضاء مجلس ادارة الشركة القابضة، وبالفعل نجحت خطتهم بالتعاون مع الصهاينة لتدمير الصناعة، لذلك يجب ان تسارع الحكومة بتنفيذ الحكم ومطالبة المشتري باعادة الشركة كما كانت عليه. ليس استثمارا الحكومة -سواء حاليا أو في النظام السابق- تتشدق بحماية المستثمرين وضرورة تشجيعهم علي الاستثمار.. لكن يحيي حسين مدير حركة »لا لبيع مصر« والذي فجر فضيحة صفقة عمر افندي يؤكد أن الذين اشتروا شركات القطاع العام ليسوا مستثمرين.. إنما تجار.. بل تجار بضائع مسروقة.. لأن المستثمر الحقيقي هو الذي يحافظ علي الصناعة.. يهتم بتنمية الأنشطة التي من أجلها أنشئت تلك الشركات.. أما الذين اشتروها ضمن برنامج الخصخصة فقد ألغوا هويتها الصناعية وباعوا معداتها.. وتربحوا من أرضها!.. ويعرب عن دهشته عندما يتساءل: أليس غريبا أن قيادات الشركة القابضة المسئولة عن هذه الشركات مازالوا في مناصبهم ولم تزحزحهم الثورة عنها؟.. أليس غريبا أن يوحي تباطؤ الحكومة وعدم جديتها في تنفيذ حكم القضاء، بأن لجنة السياسات مازالت تتحكم في مصيرنا«؟!