وزير الخارجية يتفقد القنصلية المصرية في نيويورك ويلتقي بعض ممثلي الجالية    الوكيل: بدء تركيب وعاء الاحتواء الداخلي للمفاعل الثاني بمحطة الضبعة (صور)    الأنبا بولا يلتقي مطران إيبارشية ناشفيل    الوراق على صفيح ساخن..ودعوات للتظاهر لفك حصارها الأمني    نائب محافظ قنا يتابع تنفيذ أنشطة مبادرة «بداية جديدة» لبناء الإنسان بقرية بخانس.. صور    سعر الذهب اليوم في السودان وعيار 21 الآن ببداية تعاملات السبت 28 سبتمبر 2024    تراجع سعر الطماطم والخيار والخضار في الأسواق اليوم السبت 28 سبتمبر 2024    ارتفاع أسعار النفط عقب ضربة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت    بمقدم 50 ألف جنيه.. بدء التقديم على 137 وحدة سكنية في مدينة 6 أكتوبر غدا    بناء القصور وبيع الأصول    الجيش الإسرائيلي يشن غارة جديدة على الضاحية الجنوبية ل بيروت    إعلام عبري: صفارات الإنذار تدوي في صفد ومحيطها    الجيش الإسرائيلي: عملية استهداف نصر الله ستغير شكل الشرق الأوسط    جيش الاحتلال: سنهاجم الضاحية الجنوبية في بيروت بعد قليل    فلسطين.. إصابات جراء استهداف الاحتلال خيام النازحين في مواصي برفح الفلسطينية    رويترز: الاتصال مع القيادة العليا لحزب الله فقد كليًا    الزمالك يعلن عن طبيعة إصابة دونجا وعمر جابر    سهرانين للصبح، استمرار احتفالات الزملكاوية بكأس السوبر الإفريقي (فيديو وصور)    نيرة الأحمر: الله لم يرضَ بالظلم.. وتحملنا ما لم يتحمله أحد    تركي آل الشيخ يداعب شيكابالا وشيكا يحتفل بالفوز(صور)    جوميز ثاني مدرب برتغالي يتوج بكأس السوبر الأفريقي عبر التاريخ    ستوري نجوم كرة القدم.. احتفال لاعبي الزمالك بالسوبر.. بيلينجهام وزيدان.. تحية الونش للجماهير    مصراوي يكشف تفاصيل إصابة محمد هاني    محمد عواد: حققنا فوزًا مستحقًا في السوبر الأفريقي.. ويكشف كواليس أزمته الأخير مع الزمالك    أجواء حارة والعظمى في القاهرة 34.. حالة الطقس اليوم    تجديد حبس عاطل سرق عقارًا تحت الإنشاء ب15 مايو    التصريح بدفن جثمان طفل سقط من أعلى سيارة نقل بحلوان    بدءاً من اليوم.. غلق كلي للطريق الدائري من المنيب اتجاه المريوطية لمدة شهر    برج القوس.. حظك اليوم السبت 28 سبتمبر 2024: لديك استعداد للتخلي عن حبك    وفاة زوجة الفنان إسماعيل فرغلي بعد صراع مع المرض    ذكرى وفاة الزعيم جمال عبد الناصر.. رمز الاستقلال الوطني والكرامة العربية    «عودة أسياد أفريقيا ولسه».. أشرف زكي يحتفل بفوز الزمالك بالسوبر الإفريقي    هشام جمال ينصح المشاركين في «كاستنج»: حاول مرة أخرى إذا فشلت    وفاة زوجة الفنان إسماعيل فرغلي    أنغام تبدع خلال حفلها بدبي ورد فعل مفاجئ منها للجمهور (فيديو وصور)    أبرزها منتجات الألبان.. 5 أطعمة ممنوعة لمرضى تكيس المبايض    يفرز هرمونات ضد السعادة.. نصائح للتخلص من «الكرش»    الأطعمة التي يجب تناولها وتجنبها أثناء فترة الحمل    تفاصيل إصابة شاب إثر الاعتداء عليه بسبب خلافات في كرداسة    حبس تشكيل عصابي تخصص في سرقة أعمدة الإنارة بالقطامية    "المشاط" تختتم زيارتها لنيويورك بلقاء وزير التنمية الدولية الكندي ورئيس مرفق السيولة والاستدامة    5 نعوش في جنازة واحدة.. تشييع جثامين ضحايا حادث صحراوي سوهاج - فيديو وصور    نشرة التوك شو| تحسن في الأحوال الجوية والشعور ببرودة الطقس أوائل أكتوبر    تحرك جديد.. سعر الدولار الرسمي أمام الجنيه المصري اليوم السبت 28 سبتمبر 2024    حظك اليوم.. توقعات الأبراج الفلكية اليوم السبت 28 سبتمبر 2024    الشروع في قتل شاب بمنشأة القناطر    «زي النهارده».. وفاة رئيس الفلبين فرديناند ماركوس 28 سبتمبر 1989    مجلس بلدية صيدا بلبنان: آلاف النازحين يفترشون الطرقات ولا يجدون مأوى    عباس شراقي يُحذر: سد النهضة قد ينفجر في أي لحظة    الأزهر للفتوى: معتقد الأب والأم بضرورة تربية الأبناء مثلما تربوا خلل جسيم في التربية    تزامنا مع مباراة الأهلي والزمالك.. «الأزهر للفتوى» يحذر من التعصب الرياضي    الوزارة فى الميدان    "الصحة" تطلق تطبيقًا لعرض أماكن بيع الأدوية وبدائلها    جراحة عاجلة للدعم فى «الحوار الوطنى»    كل ما تحتاج معرفته عن حكم الجمع والقصر في الصلاة للمسافر (فيديو)    سياسية المصرى الديمقراطى: نحن أمام حرب إبادة فى غزة والضفة    أذكار الصباح والمساء في يوم الجمعة..دليلك لحماية النفس وتحقيق راحة البال    علي جمعة: من المستحب الدعاء بكثرة للميت يوم الجمعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر وهموم الدولة المدنية وشجون الديمقراطية‏ (1‏ 3)
حروب قوي النظام البائد الإجرامية‏..‏ وحتميات تطهير الفساد السياسي والاقتصادي
نشر في الأهرام اليومي يوم 01 - 10 - 2011

دائما وأبدا وعلي امتداد التاريخ كانت شخصية الانسان المصري مادة خصبة علي مأدبة اللئام يلصقون بها القدر الهائل من الأباطيل والأكاذيب علي الأخص فيما يرتبط بالعلاقة بين الحاكم والمحكوم‏. وهو ما يحتاج اليوم وبعد ثورة 25 يناير إلي وقفة جادة من الثورة والثوار لاعادة الاعتبار للانسان المصري, ليس فقط باعتباره مطلبا من مطالب اعادة الاعتبار له وتقديم شخصيته ومنظومة القيم الحضارية والدينية في إطارها الصحيح والسليم, ولكن أيضا باعتباره مطلبا ملحا لوقف النزيف الحاد الذي سببته الحرب النفسية الضارية والدعايات السوداء المغرضة التي مورست بأبشع الصور والأشكال ضد الانسان المصري بهدف تشويه صورته أمام نفسه ومجتمعه وأمام الآخرين لاستخدام هذا التشويه المخطط المتعمد كأداة قمعية دائمة لاخماد ثورته والقضاء علي تطلعاته الدائمة للحرية والعدل والكرامة وتفتيت قواه وإضعاف رغبته في استكمال مسيرته الثورية حتي تحقق كامل طموحاته وآماله وتقضي علي جميع مظاهر الاستبداد والطغيان والفساد التي لايطيقها ولا يتحملها وفقا لتكوينه الفطري وتركيبته الفريدة عبر الزمان والمكان ونسيجه الواحد الذي تنصهر في بوتقته جميع الأجناس والأعراف وجميع الأديان والمعتقدات والملل.
وتؤكد حقائق التاريخ القديم والحديث ووقائعه الثابتة ما يخالف جملة وتفصيلا جميع الأباطيل والأكاذيب والادعاءات التي يرددها دوما الكتبة من عملاء السلطة والسلطان عن خنوع الانسان المصري وخضوعه واستسلامه المهين دوما لظلم واستبداد الحكام وطغيانهم وما يشيعونه من صفات شديدة السلبية عن العقل الجمعي المصري بالقول إن المصريين تجمعهم صفارة ويفرقهم كرباج وكأنهم شعب من الحمقي البلهاء, ولكن وللأسف الشديد فإن هذه الأوصاف المقيتة يتم ترديدها في مناسبات عديدة بغير روية وبدون تدبر, وكأن هناك من يرغبون في جلد أنفسهم وجلد الآخرين أو علي الأقل التنفيذ عن غضبهم وسخطهم بتغيب العقل والتدبر في مواجهة الأوضاع العامة المتردية بشكل مخز ومشين بتوسيع نطاق الاتهام وتضمين مرافعة الادعاء في المحكمة خلطا مستفزا يدين الضحية والجلاد في نفس الوقت, وهو ما يحتم التنبيه واليقظة بين صفوف الثورة والثوار لهذه المكائد وادراك خطورتها ومخاطرها علي مسيرة الثورة واستخدامها دائما كسلاح فتاك لاجهاض جميع الثورات المصرية باعتبارها وسيلة مهمة لاضعاف روح الثورة والتشكيك في امكانية استمرار الالتفاف الشعبي الواسع النطاق حول اهدافها وطموحاتها المشروعة.
الثورة لاتحارب فقط الفلول بل تواجه قوة منظمة
وترتكب الثورة ويرتكب الثوار خطيئة كبري بالوقوع في وهم انهم يحاربون فلول النظام بعد أن نجحوا في اسقاط رأس النظام الفاسد البائد وعائلته الفاسدة البائدة وعدد من رموز تشكيله العصابي الاجرامي, ويظنون انهم بذلك وجهوا ضربة قاصمة للطغيان والاستبداد والفساد وحققوا نصرا مؤزرا في المعركة في مواجهة جيش الظلام العاتي الذي جثم علي انفاس مصر والمصريين لثلاثة عقود طوال وهو ما يحتم أن ينتقل التوصيف والتحليل إلي عتبات مغايرة تماما لجميع التوصيفات والتحليلات الراهنة التي تدور في فلك الفلول باعتبارها جيوب الظلام المتربصة والمترصدة للثورة الساعية للانقضاض عليها بليل, بحكم أن التوصيف والتحليل الصائب يحتم حماية للثورة والثوار أنه يتم التعامل مع الفلول علي حقيقتها, ووفقا لواقعها العملي, وهو ما يستوجب تسميتها باعتبارها قوي منظمة مازالت تملك الكثير والكثير من قوة المال الوفير البالغ الضخامة بكل ما يعنيه ذلك من امكانات الحشد والتكتيل والتجنيد لمواجهة الثورة واعتراض مسيرة الثوار, يضاف لذلك أن التعريف الدقيق للفلول لايمكن أن يتجاهل سطوتها وسيطرتها علي مفاصل الاقتصاد والمال الرئيسية الحاكمة, مما يعطيها الكثير من عناصر القوة الظاهرة والكامنة تتيح الفرصة لهذه الفلول أن تضرب الثورة ضربات موجعة ومؤلمة عندما يكتمل تنظيم وتجميع مختلف الفلول وتهيئة التربة والمناخ وفقا للمخططات المعدة والمدروسة, ووفقا للتوقيتات المحددة والمقدرة.
وتتبدي خطورة هذه القوي المنظمة من استمرار نفوذها الطاغي في الكثير من مؤسسات الدولة المهمة والحيوية وما يعنيه من امتلاك سلطان ونفوذ يملك القدرة علي توجيه الكثير من الأحداث في مسارات مختارة ومحددة, كما يملك القدرة علي التأثير في المناخ العام للدولة سياسيا واقتصاديا وأمنيا وإعلاميا, وهو ما يشيع الكثير من البلبلة والاضطراب في نفوس قاعدة عريضة من المواطنين, ويدفع لتبني تأويلات وتفسيرات تندرج في الغالب الأعم تحت بند نظرية المؤامرة والتآمر, ويؤدي ذلك في نهاية المطاف إلي أزمة ثقة حادة متصاعدة الحلقات, لابد أن تفرز نتائجها السلبية علي مجمل أوضاع الاقتصاد والحياة والمعاملات, وتصنع بالتالي حالة نفسية تتعامل مع الثورة كأنها حالة طارئة ومؤقتة وتتعامل مع مطالب قوي الثورة وطموحاتهم لتغيير الواقع الفاسد والانتقال بمصر لأوضاع جديدة وكأنها ضغوط للتنفيس عن السخط والاحتقان يمكان ان تزول مع الزمن القريب ومتغيراته الواقعية والفعلية.
ومع تصاعد حلقات الفراغ الأمني المخطط والمدبر والغياب الواضح للارادة السياسية التنقيذية لعودة الأمن لممارسة مهامه الرئيسية وما ينتج عن ذلك من تصاعد المخاوف الشعبية المشروعة بين قواعد عريضة من المواطنين نتيجة للافتقار للأمن والأمان وشيوع الكثير من مظاهر البلطجة وترويع المواطنين بصور وأشكال تتسع حلقاتها وتتعدد ألوانها, وتصل إلي حدود تعطيل المصانع والمنشآت والمرافق العامة الحيوية تحت وطأة عمليات السرقة والنهب المنظم في ظل غياب المواجهة الرادعة والعقاب الصارم يبدو الأمر وكأن هناك قبولا بهذه التجاوزات الفاضحة لأنها تصب في خانة قوي النظام البائد وتخدم مخططاتها بما تصنعه من مناخ عام فاسد يتيح الفرصة للترحم علي النظم المستبدة القمعية وما كانت تصنعه من أوهام الأمن والأمان الكاذبة المضللة.
اعادة ترتيب اولويات الثورة والاصرار علي التطهير
من هنا فإن إعادة النظر الشاملة والعاجلة لأولويات الثورة والثوار لابد أن يكون الشغل الشاغل في هذه المرحلة لضمان استمرار الثورة وتعميق الثقة واليقين بنجاحها وقدرتها علي تحقيق المطالب المشروعة للشعب, وهو ما يحتم أن يتصدر التطهير الكامل لجميع أجهزة الدولة ومؤسساتها من رموز النظام وأذنابه وغلمانه مقدمة الأولويات المرحلية حتي يمكن منع نزع فتيل جميع القنابل الموقوتة, وبالتالي تجنب تفجيرها في وجه الثورة والثوار, وفي غياب التطهير الشامل فإن الخطر يطل برأسه ليل نهار وهو خطر لا يهدد الثورة والثوار فقط, بل يمكن أن يمتد ليهدد الوجود المصري والدولة المصرية بحكم أن الممسكين بمقاليد السلطة والسلطات من أركان التشكيل العصابي الاجرامي, يمكن بحكم تفكيرهم الاجرامي وبحكم المخاوف علي ما يخسرونه ويفتقدونه وهو الذي يكاد يشمل مجمل الثروة المصرية, وتمت حيازته بالفساد والسرقة والنهب واللصوصية تحت ظلال الطغيان والاستبداد والقهر أن يدفع بهم إلي خيارات مدمرة وخيارات شديدة القسوة والعنف والتخريب لارغام الغالبية العظمي المقهورة والمطحونة من فوضي الأوضاع مع غياب الحسم للقضايا الرئيسية علي ساحة الحياة العامة للتراخي في دعمها ومساندتها للثورة والثوار وترك ظهرهم عاريا مستباحا لطعنات الغدر والاجرام.
ولا يعني التطهير فقط لاغير الجوانب المرتبطة بتطهير الوظيفة العامة علي الأخص في قمتها العليا من مافيا الجريمة المنظمة التي أقام دعائمها, وبني شبكتها ونسج خيوطها النظام البائد الفاسد لاحكام قبضته الاستبدادية, واحكام قبضته لنهب الثروات والأموال واضاعة الحقوق وتسهيل السطو والاستيلاء علي المال العام. ولكن التطهير يعني ما هو أبعد وأشمل من ذلك بكثير لأنه لابد وأن يمتد إلي تطهير الحياة الاقتصادية والمعاملات المالية والتجارية من العصابات وسلوكياتها الاجرامية وتحكمها المستفز في جميع المفاصل والأطراف في ظل أن سطوة المال لا تقل خطورة عن سطوة السلطة, وفي ظل الطغيان البائد فإن زواجا غير شرعي تم بين السلطة والمال مما صنع قوة كبيرة للشر توحشت معها في تنفيذ أهوائها المريضة, وتمكنت بالفعل من امتلاك مفاتيح النشاط الاقتصادي للدولة والمجتمع وأصبح لديها خزائن فيها ثرواته وأمواله وفي مواجهة هذا الواقع البشع المهين لايمكن أن تترك مافيا المال لادارة شئون مصر الاقتصادية من بورتو طرة أو أن تترك منشآت اقتصادية حيوية تتحرك بأوامرهم ويخضع تسيير أمورها لمشيئتهم بحكم استمرارهم كمالكين في ظل التغافل عن حقيقة الملكية واستنادها الي النصب والنهب والتحايل والابتزاز.
وفي هذا السياق فإن نجاح الثورة يتطلب أولوية أولي لتطهير الحياة السياسية من المندسين وفقا لمعايير موضوعية عملية لا تأخذ العاطل بالباطل ولاتتبني نظريات الاحتلال الأمريكي المطبقة في العراق التي نفذها بول بريمر المندوب السامي الأمريكي وحاكم العراق وما تضمنته من قرارات اجرامية لهدم الدولة العراقية وتقويض دعائمها وزلزلة دعائم المجتمع واثارة الاحقاد والنزاعات الطائفية والعرقية والدينية وقد كان نائب رئيس الوزراء السابق الدكتور يحيي الجمل يطبق الكثير من وصفات بول بريمر الجاهزة وتبنته جماعة ما كان يسمي الوفاق الوطني الذي هو في حقيقته الشقاق الوطني بأحلي صورة وأجل معانيه بحكم أن التطهير السياسي المنشود لايمكن أن يعني تطبيقات من نوعية تطبيقات اجتثاث البعث من العراق لأنها كانت مدخلا لتسريح الجيش العراقي واحالة كل قياداته وضباطه للتقاعد بأساليب مهينة مستفزة, كما كانت ستارا لاغتيال العلماء وتصفية الضباط الطيارين وأساتذة الجامعات والمهنيين وإجبار نسبة كبيرة منهم علي الفرار خارج الحدود بحثا عن الأمن والأمان.
حتيمة الحرمان السياسي لكافة رموز النظام البائد
وتجربة الشعب المصري في الحياة السياسية بكل امراضها وموبقاتها يجب أن تؤخذ في الاعتبار عند القيام بالتطهير السياسي ففي ظل التنظيم السياسي الواحد تحت مسمي هيئة التحرير وحتي الاتحاد الاشتراكي كانت العضوية لاتعني أكثر من سلوك اعتيادي للتأمين وتجنب بطش السلطة بالنسبة للأغلبية الكاسحة من المصريين مثلها مثل شراء طوابع معونة الشتاء قسرا وجبرا لاتمام المعاملات الرسمية الحكومية وكذلك الحال بالنسبة للغالبية العظمي من حالات العضوية للحزب الوطني المنحل الفاسد وهو ما يستوجب عدم الالتفات الي وضع الغالبية العظمي الكاسحة من الأعضاء وإن كان ذلك لاينفي حتمية التدقيق العاجل والسريع في وضع كل القيادات العليا وحرمانها من ممارسة الحقوق السياسية فيما يعني الترشح تحديدا لكل المستويات التمثيلية للشعب ولايتطلب المنع والحرمان معضلات كثيرة عند التطبيق وذلك من خلال تبني قاعدة واضحة وصريحة وشفافة لاترتبط فقط بعضوية الحزب الوطني ولكنها ترتبط بما هو أشمل وأعم المرتبط بالعضوية الفاعلة في النظام البائد والمشاركة المباشرة في افعاله الاجرامية المستبدة اضافة للتربح وتحقيق الثروة بالاستيلاء علي المال العام والثروة العامة بالنفوذ والسلطات وبالمخالفة لقواعد القانون.
ويعني ذلك بالضرورة أن يشمل الحرمان السياسي اللازم والضروري لتأمين الحياة السياسية الديمقراطية في المرحلة المقبلة وضمان خروج القدر الأكبر من رموز المافيا والجريمة المنظمة من المؤسسات التشريعية والشعبية أن يتم حرمان كل اعضاء مجلسي الشعب والشوري المنتمين للحزب الوطني المنحل علي امتداد الدورات السابقة ليس فقط بحكم الانتماء للحزب المنحل بل حكم مشاركتهم في تزوير الارادة الشعبية وبحكم تفريطهم في حقوق الشعب وفي واجبهم الدستوري كرقباء علي السلطة التنفيذية واصدارهم لتشريعات تضر المصالح المشروعة للمواطنين, يضاف لهم قياداته العليا واعضاء الأمانة العامة واعضاء أمانات الحزب علي مستوي المحافظات, كذلك كل أذرع النظام البائد من رؤساء وزراء ووزراء ومحافظين ورؤساء هيئات ومصالح حكومية ورؤساء أجهزة الاعلام الرسمية والصحف القومية والبنوك والمؤسسات المالية وغيرها لدورهم الأصيل واللصيق في مساندة العهد البائد وتنفيذ مخططاته الاجرامية ويمتد الحرمان الي رجال الأعمال الذين حصلوا علي امتيازات خاصة تخالف القانون وكانوا مصادر مهمة لتمويل اعمال وأنشطة الحزب اضافة لقيادات الغرف التجارية واتحاد الصناعات الذين كان يتم تعيينهم عن طريق الوزراء التنفيذيين وفرضهم قسرا علي مجتمع الأعمال كما يجب أن يمتد الحرمان السياسي ليشمل كل الأعضاء المعنيين في مجلس الشوري لأن اختيارهم كان يعني الرضا والقبول من النظام البائد وكان يعني توافقات وتوازنات من خلف الستار لأداء أدوار بعينها في توقيتات محدودة سواء لتجميل الصورة الرديئة للنظام الفاسد او لشغل الرأي العام بقضايا جانبية وهامشية.
وفي ظل دور جهاز الشرطة الصريح لمساندة النظام وقمع المواطنين وكبت الحريات العامة فإن كل قيادات وزارة الداخلية علي امتداد العقدين الماضيين يجب أن يشملهم الحرمان السياسي, وكذلك يجب أن يمتد الحرمان السياسي الي كل ضباط أمن الدولة والي جميع من وجهت لهم تهم قتل المتظاهرين إضافة للأطقم العاملة فيما يسمي الأجهزة الخاصة بوزارة الداخلية, وكذلك الضباط المتهمون بالتعذيب في أقسام الشرطة, وفي السجون علي امتداد العقود الثلاثة الماضية, وكل المسئولين والعاملين بأجهزة كانت تتولي عمليات التنصت علي المواطنين حتي يكون ذلك بداية لثقافة جديدة لجهاز الشرطة تجعل الولاء الأول والأخير للدولة وليس لشخص الحاكم ونظامه, يمثل فيها أمن المواطن والمجتمع مكانة مرموقة ومتميزة ويمثل فيها احترام القانون المكانة العالية والمرتبة الرفيعة وهو ما يضمن ألا يلغي الأمن السياسي كل ما عداه ويتسبب في اهدار أمن المواطن والمجتمع وينتج عنه الاستعانة بالبلطجية وتجار المخدرات واللصوص وأرباب السوابق وتحويلهم الي قوة باطشة مساندة للشرطة وعماد لجهازها من المخبرين السريين بالرغم من أن مفاسدهم وتجاوزاتهم أكثر خطرا بكثير من منافع الاستعانة بهم واستخدامهم.
لا بديل عن التركيز الشديد في مواجهة الحرب النفسية ودعايتها السوداء باعتبارها ذراعا رئيسية من أذرع قوي النظام الاجرامي الفاسد لمواجهة الثورة والتحضير لمعركة جديدة تسعي من خلالها مافيا الجريمة المنظمة للعودة لامتلاك زمام الأمور في الدولة والمجتمع بصورة كاملة غير منقوصة وهي معركة في حقيقتها الواضحة القائمة تشكل معركة السطوة والسيطرة علي عقل ووجدان المواطن المصري البسيط, ويقدم التاريخ المصري الحديث من خلال حادثة دنشواي وجريمة اعدام الفلاحين المصريين بتهم قتل جندي انجليزي لم يقتلوه أصلا بل قتلته حرارة الشمس الشديدة نموذجا لأساليب التحايل النفسي علي عقل ووجدان الشعوب, حيث استخدم الاحتلال الانجليزي فصاحة المحامي الهلباوي البليغة في المحكمة وكان يمثل الادعاء أي النيابة العامة ضد بني بلدة من المصريين ليحولها من خلال زبانيته وعملائه الي عبارة مأثورة بليغة يرددها عامة الشعب تعبيرا عن الفصاحة المكروهة بقولهم لمن يحاول ويناقش باصرار انت هلباوي بدلا عن كونها دليلا دامغا علي العمالة وخيانة الوطن ولعق احذية السادة من المحتلين بكل مفاسدهم وشرورهم وخطاياهم.
ويرتبط باعادة ترتيب الأولويات ضرورة الاصرار علي التطهير الشامل الدقيق للمشاركين الفعليين في الافساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني والاعلامي وعدم السماح لكل الرموز التي ارتبطت بالعهد البائد بكل مفاسده وشروره وآلامه بالترشح في الانتخابات العامة بكل صورها واشكالها, وكذلك في الانتخابات الخاصة بالنقابات والاتحادات التجارية والصناعية والعمالية حتي لايقع البسطاء في فخ أن رئيس جمهوريتهم المقبل او يمثلهم في مجلسي الشعب والشوري او المحليات كان عضوا بارزا في التشكيل العصابي الاجرامي للعهد البائد يتحدث باسمه وينهب تحت مظلته وظلاله من المال العام المستباح ويدوس مصالح الأمة والشعب بالأقدام ارضاء لمخططات العمالة الداخلية والخارجية المقيتة وما سببته من تقزيم لمصر وفقدانها للمكانة والريادة ونهب ثرواتها وتجويع وتشريد أبنائها؟!
المزيد من مقالات أسامة غيث


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.