تعقيبا علي مقال الأستاذ ياسر رزق رئيس تحرير »الأخبار« بتاريخ الأحد 82/8/1102 بعنوان: »المشروع الاجتماعي.. وإلا ثورة الجياع«. أستهل التعقيب بالاشارة والاشادة بتلك الكلمات التي تدخل في باب الحكمة، والتي تقول فيها »الحرية وحدها لا تشبع بطونا ولا توفر كرامة.. والكرامة لا يحظي بها من كان جائعا مستعبدا«.. وكم كان رائعا طرحك التساؤل: لماذا يظل عبدالناصر حيا في القلوب رغم انه اسلم الروح منذ 41 عاما مضت؟.. ولماذا تحول انقلاب 23 يوليو الي ثورة غيرت وجدان المجتمع المصري؟.. وجاءت اجابتك الصادقة: السر ان عبدالناصر انحاز للاغلبية الكاسحة من البسطاء. وان انقلاب 23 يوليو تبني مشروعا اجتماعيا دشنه بالاصلاح الزراعي بعد 48 يوما لا غير من حركة الجيش. فصارت ثورة عميقة جذورها في المجتمع للقضاء علي الاقطاع وتوزيع خمسة 5 افدنة لكل اجير ومعدم من ملايين الفلاحين.. نعم أخي العزيز فما طرحته يشكل بعدين جديرين بالتعقيب عليهما.. البعد الأول: كلماتك الحكيمة المستمدة من واقع حياة الانسان.. انه ليس بالحرية وحدها يحيا الانسان، وأن المعادل الموضوعي هو أنه بدون الخبز لا يستطيع الانسان ان يحيا.. اما البعد الاخر فيتعلق بضربك المثل بسر خلود جمال عبدالناصر، ما وقامت به ثورة يوليو في تحقيق العدالة الاجتماعية. وحول البعد الأول نقول: ان ما طرحته يعبر عن حقيقة الهية تتعلق بالحياة الانسانية وصدق الله العظيم حيث يقول في بيان نعمه علي قريش »الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف« »آية 4 سورة قريش« وهذه الاية ذات دلالة عميقة بالنسبة لكلماتك التي طرحتها حول الحرية والخبز.. وأنه من المحال- في حياة الانسان- الاعتماد علي احدهما دون الآخر. فبالرغم من نعم الله التي لا تحصي. الا انه سبحانه وتعالي جعل من الاطعام بعد جوع.. والأمن بعد خوف من أهم النعم التي ينعم بها علي عبادة- فلم يعتبر- سبحانه- الغني والثراء- الجاه والسلطان، أو ما يطرح الان من شعارات الحرية والديمقراطية هي وحدها النعم التي تتعلق بحياة الانسان- وإنما هناك الاطعام من جوع والامن بعد خوف، لان اخطر ما يهدد إنسانية الانسان، ويدمر حياته هو »الجوع« و»الخوف« فلا حرية ولا تعديلات دستورية، ولا مواد بعد أو قبل الدستورية، ولا مجالس نيابية يمكن أن تعوض الحصول علي »لقمة العيش« ولا يمكن ان تعوض الشعور بالامن والامان، ووجهان لعملية واحدة هي »حياة الانسان« فالحصول علي »لقمة العيش« هو »الامن المادي« والشعور بعدم الخوف هو »الامن المعنوي« ولا يمكن ان تستقيم حياة الانسان دون توافر هذين النوعين من الامن »المادي والمعنوي« وبالتوسع فيهما يمكن أن نضيف عشرات الوسائل والاساليب الاخري والتي تصب في مجملها في تحقيق »الكرامة الانسانية«.. أما بالنسبة للبعد الاخر ويتعلق بالمثال الذي ضربته حول دور الزعيم الخالد جمال عبدالناصر، وثورة يوليو في تحقيق العدالة الاجتماعية، فإنك لم تتجاوز الحقيقة فيما ذهبت اليه، ويكفي ان نشير- وباختصار شديد- الي ان قضية العدالة الاجتماعية كانت تحتل الاولوية علي اجندة ثورة يوليو.. فمن يحلل وثائق الثورة ابتداء من المباديء الستة المعروفة- التي تم وضعها في بدايات قيام الثورة- ومرورا بكتاب »فلسفة الثورة« الذي صدر عام 4591 وانتهاء بميثاق العمل الوطني- الذي صدر في مايو 2691 يتبين له بوضوح اهمية هذه القضية بالنسبة لثورة يوليو- وما يمكن الاستفادة من دروسها في عصر ما بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير حيث نجد أن هذه الوثائق تنص وتتضمن. - ضرورة إقامة العدالة الاجتماعية وتحقيقها وأن هذا العمل لا يقل ضرورة عن القضاء علي الاستعمار وأعوانه في الوطن العربي، وأن القضاء علي الاقطاع والرأسمالية المستغلة من أهم شروط تحقيق العدالة الاجتماعية. - إن تحقيق هذه العدالة يعد من أهم وسائل التنمية الشاملة وفي الوقت نفسه من أهم الاهداف التي تستهدفها هذه التنمية، بل لا يمكن تحقيق الديمقراطية دون تحقيق الكفاية والعدل بين جميع أبناء الوطن.. الي آخر هذه المباديء التي وجدت الترجمة الفعلية علي أرض الواقع من خلال عشرات من المشاريع والانجازات يأتي في مقدمتها: 1- الاصلاح الزراعي الذي لم يكن يستهدف فقط تحديد الملكية وإنما تضمن ايضا تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر. من حيث تحديد قيمة ايجار فدان الارض، وعدم طرد المستأجر له تعسفيا. وغيرها من الاجراءات التي كانت تستهدف حماية الفلاح من القهر والظلم وتضمن تحقيق العدل الاجتماعي. 2- عمليات التأميم للقضاء علي الاستغلال واعطاء الفرصة للطبقات الوسطي والدنيا المزيد من الفرص والمشاركة في أرباح وادارة والمؤسسات والشركات التي تم تأميمها. 3- مجانية التعليم والتي فتحت الباب للحصول علي فرصة التعليم لكل من حرم منها أو غير قادر عليها وباعتبار التعليم هو اساس الطبقات الدنيا والوسطي لحراك اجتماعي فعال. 4- ما حدث للصحة ولوضع المرأة وغيرها من المجالات من اهتمام غير مسبوق يطول شرحه ويؤكد ان العدالة الاجتماعية وجدت طريقها علي ارض الواقع في الكثير من القطاعات. علينا جميعا ترجمة شعارات الثورة »العدالة الاجتماعية والحرية والكرامة الانسانية« الي واقع ملموس، والعمل من أجل مستقبل واعد ومشرق يليق بمصر التاريخ والحضارة، وكفي هذا مبررا.