يضع الباحث مدحت صفوت واحدا من أبرز كتب الفيلسوف الأشهر ابن رشد تحت مجهر الدراسة المتعمقة بأدوات التحليل والنقد الحديثة ويخضع تلك الرسالة ذات الصيت البعيد في مختلف العصور إلي مزيد من البحث والتقصي في كتابه »فصل المقال بين الحكمة والشريعة من الاتصال» الصادر حديثا في سلسلة التراث الحضاري عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، ويتساءل مدحت لماذا كتب ابن رشد هذا العمل؟، وهل النظر في الفلسفة وعلوم المنطق مباح شرعا؟ أم محظور؟ أم مأمور به، إما علي جهة الندب، وإما علي جهة الوجوب، ويقول باحثنا الشاب: ونتفق مع البعض في أنه يمكن تقسيم كتاب ابن رشد إلي أربعة أقسام رئيسية، وهي: فتوي وجوب النظر الفلسفي وإعماله، وعلوم القدماء والاستفادة منها، وأن الكتاب لا يعني بمسألة واحدة، وإنما بمسائل عدة ينظم بينها علاقة الشرع بالعقل، ومثلما كانت نقطة البدء بالسؤال عن علاقة الشريعة بالحكمة تأتي نقطة الختام بالحديث عن المسألة نفسها، لتكون الإجابة بوضوح وليست في صيغة تساؤل.. ويري مدحت أن استدعاء ابن رشد وكتابه الشهير »فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال» للفهم ومعرفة الرشدية من كتابتها لا من الصور المتخيلة التي رسمها كثير من باحثي ومفكري العصر الراهن حيث حاول الباحثون العرب والمشتغلون بالفكر والفلسفة، ودارسو آليات الاستنارة الحديثة، أن ينتجوا قراء فسلفة للموروث وفق رؤية عقلانية نقدية، وإعادة تحرير المحدث طبق منطق علمي رصين، الأمر الذي لم يخل من إسقاطات إيديولوجية، بلغت عند بعضهم أن تصير هي الخيط الناظم للرؤية الكلية للتراث، وهو ما سنتبينه بشيء من التفصيل، وفي خضم الصراع ما بين الخضوع الإيديولوجي في قراءة التراث وإنتاج قراءة موضوعية توزع جهد المفكرين العرب وتشتت في أحايين كثيرة بين التنظير والممارسة المشتبكة مع الواقع.. ويستخدم مدحت طريقة »جاك دريدا» النقدية فيقول: يفضل لعبة جاك دريدا اللانهائية في قراءة ابن رشد محاولين أن نضع علامات الاستفهام حول خطابه، كذا الأسئلة المشروعة عن المنتج العربي الكبير الذي دار حول الرشدية، وحول مدي تعبيره بصدق أو بدقة عن الرؤية الرشدية، وهل أدي إلي إنتاج صورة متخيلة عن أبي الوليد، وإذا كانت الإجابة بنعم لماذا اخترع المفكرون العرب هذه الصورة الرشدية؟، وما الحاجة التي دفعتهم إلي ذلك؟ مستأنسين في طريق البحث، ولنقل اللعب، بمقولة شبحية كما بينها جاك دريدا، التي سنوضح فيما بعد أبعادها، لنكشف عن أشباح سكنت خطاب ابن رشد، وتحكمت في منطلقاته ومساراته ومعطياته، وأحيانا نقاط الوصول.