هل النظر في الفلسفة وعلوم المنطق مباح؟ وكيف ننظر إلى كتب الأقدمين؟ وهل يخالف المعقول المنقول؟ وما رأي ابن رشد في البرهان؟ وماهي علاقة الحكمة بالشريعة؟ تساؤلات يطرحها كتاب "فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال"، للفيلسوف المسلم الأندلسي، ابن رشد، الذي يعالج إشكالية تعارض الدين مع الفلسفة، بحسب الدكتور، محمد عبدالعال عيسى، الذي شارك في ندوة لمناقشة الكتاب، ضمن فعاليات "كتابات الأقدمين"، أمس الخميس، بمعرض القاهرة الدولي للكتاب. وتحدث عيسى عن الكتاب، وقال إنه يثبت عدم تعارض التفكير القرآني مع التفكير الفلسفي، بل إن القرآن يدعو إلى التفلسف. وأوضح أن هذا الكتاب يتحدث عن "ضرورة النظر"، حيث أن فعل الفلسفة هو النظر في الموجودات، والشرع دعى إلى فعل الفلسفة. وأضاف أن هناك شروط في هذا النظر، حيث يجب على الناظر الاطلاع على كتب الأقدمين، وأن تكون لديه عدالة شرعية وفضيلة خلقية حتى لاينجرف البعض وينسلب من الدين في النهاية. وأضاف أن ابن رشد قسم الناس في الكتاب حسب طباعهم في عملية النظر إلى "عوام، خواص، خواص الخواص" وذكر ابن رشد أن القياس العقلي هو أتم أنواع القياس، وأن الفلاسفة يستعملون البرهان في الحديث فيما بينهم البعض، فهو تقسيم علمي معرفي لايكون الا لخواص الخواص. وتحدث ابن رشد في هذا الكتاب عن أهمية التأويل ووضع تعريفاً له، وقال إن الطريقة القرآنية هي أفضل الطرق لتعليم الشريعة –بحسب عيسى،الذي أوضح أن الكتاب، أوضح أن القرآن فيه كل أنواع الخطاب، فهو لا يفصل بين الحكمة "أي الفلسفة" والشريعة . وقال عيسى عن ابن رشد، إنه عالم موسوعي شامل ألف في عديد من المجالات وله مصنفات وشروح عدّة، مشيرا إلى أن البيئة التي أخرجت ابن رشد كانت عامرةً وزاخرة، عاش فيها ابن رشد 75 عاما قضى معظمها في، التأليف والنشر والفكر، لم يكن خلالها من العلماء الذين يتقربون إلى السلطان. الأديبة سلوى بكر، قالت إن الكتاب درس الإشكالية القائمة بين الدين والفلسفة التي ظهرت مع ظهور المسيحية، التي اعتبرت أن جميع العلوم القديمة وثنية، وشنت حرباً على الفلسفة، حتى أولئك المسيحيون الذين حاولوا أن يقرنوا بين الدين الجديد وبين الفلسفة عانوا معاناة شديدة، فلم يكن هناك حرية أن يعبد أو يختار الانسان الدين أو الإله الذي يرغب به، حيث حرمت المسيحية كل هذا وقالت إن هناك إله حق واحد -وهو إله المسيحيين- ولا يجوز أن يعبد غيره. وأضافت بكر أن المشكلة بدأت من هذا الوقت وتعقدت، حيث كانت الفلسفة آنذاك أكبر مهدد للدين الجديد، وظلت هذه الإشكالية موجودة حتى ظهور الإسلام، وبعد انتشار الإسلام اهتم العلماء المسلمون جميعاً بالفلسفة، وسنجد ظلالا لها في أعمالهم. لافتة إلى أن المسيحيين السريان قامو بعمل بالغ الأهمية وهو ترجمة الفلسفة القديمة إلى اللغة العربية، وهنا وعن طريق العرب والمسلمون انتقلت الفلسفة اليونانية إلى أوروبا. وأشارت بكر إلى أن ابن رشد هو الشارح الأعظم لأرسطو، كما قيل عنه، وكان طبيباً وفلكياً وقارئاً عظيماً للفلسفة ومناظراً، وعن مكانته في الغرب، ذكرت بكر أن الفنان رافاييل رسمه في مطلع القرن ال16 في روما، كما أن هناك كاتبا أرجنتينيا كتب قصة سماها "البحث عن ابن رشد"، وهناك كويكب تم اكتشافه أطلق عليه "ابن رشد" تيمّناً به . وذكرت أن ابن رشد اتّهم بالكفر وعاش محنة في الأندلس ومات في إشبيلية. وقال عنه ابن الأبار: "إنه درس الفقه والأصول ولم ينشأ بالأندلس مثله كمالاً وعلماً وفضلاً، وكان أشد الناس تواضعاً واخفضهم جناحاً، واهتم بالعلم من صغره حتى كبره، وسود وصنف وقيد وألّف نحو عشرة آلاف ورقة، ومال إلى علوم الأوائل، وكان يفزع إلى فتواه في الفقه مع الحظ الوافر من الإعراب والآداب" . وتحدث الباحث مدحت صفوت، قائلاً : إن العمود الفقري لهذا الكتاب هو التأويل والعقل، وأشار إلى وجوب النظر العقلي في الموجودات، مؤكدا أن هذا الكتاب يدعو إلى إعمال العقل في كل القضايا التي يمكن للانسان مقابلتها. وأضاف أنه يرى أن التعامل لابد أن يتم مع النص الديني بالتحديد كونه لغوي، وبالتالي فإن المجاز والتأويل جزء من تكوينه. ويرى صفوت أن كل الصياغات قابلة للتأويل، وأن النظر في الدين والموجودات باب مفتوح على مصراعيه وحق لكل انسان التدقيق والمراجعة والتفكير، حيث أن الدين شأن عام بالأساس وليس خاص بالعلماء، وهو الأمر المفتقد لدى مجتمعاتنا، التي لا تمتلك ثقافة إعمال العقل. على الجانب الآخر تحدث الدكتور شادي طلبة، عن أن الأصولية بكل أشكالها تحاول احتلال الكرة الأرضية، فهناك الاصولية المسيحية متمثلة في ترامب، واليهودية المتمثلة في الدولة الصهيونية المحتلة للأراضي العربية. وهذا الكتاب يقول "لا" لهم جميعاً، ومع أنه قديم إلا أنه إجابة لشيء معاصر، فهو يدور حول معنى رئيسي، وهو أن الشريعة والحكمة أي الفلسفة كلاهما مصنوعين من عند الخالق، ولذلك لا يمكن أن يتعارضا، ويجب أن يتفقا من خلال التأويل. يقول طلبة. وعرف طلبة التأويل بأنه: "إخراج دلالة اللفظ من الدلالة الحرفية إلى الدلالة المجازية"، وذكر طرقا لتطبيقه، واختتم كلامه بأن التأويل موجود عبر التاريخ، ولم يخترعه ابن رشد، ولم يكن أمراً جديداً، فهو القراءة الأمينة الوحيدة للنص.