بقلم : محمد وجدي قنديل ماذا وراء الأزمة التي تثيرها دول المنبع في حوض النيل حول حصة مصر في مياه النهر والحقوق التاريخية التي تضمنها الاتفاقيات القائمة؟ يمكن القول إن هناك أصابع خارجية تحاول اللعب في منابع النيل وتسعي الي افتعال الأزمة بين دول المنبع »السبع« وبين دولتي المصب »مصر والسودان«.. وكما يتردد ان هناك مخططا أمريكيا - إسرائيليا للضغط علي دول حوض النيل لمد إسرائيل بحصة من مياه النهر من خلال طرح فكرة تدويل نهر النيل، ولذلك فإن هناك عروضا إسرائيلية لضخ استثمارات وأموال إلي دول المنبع الفقيرة التي يمكن التأثير عليها مقابل المساعدات المالية الكبيرة وشراء حصة من مياه النيل وقد أدت تلك الإغراءات إلي حدوث الأزمة وإثارة قضية »الأمن المائي« لدول حوض النيل..! وما حدث في مفاوضات شرم الشيخ بين دول حوض النيل يكشف تأثير الضغوط والإغراءات التي تتعرض لها دول المنبع، وكما قال وزير أثيوبيا: نحن مجموعة الدول السبع قررنا فتح باب التوقيع علي الإتفاقية وستكون هناك مهلة لمدة سنة لمن يرغب في التوقيع علي الاتفاقية التي تضع الأمن المائي في الملحق، وعقب التوقيع يفتح باب التفاوض حول النقاط العالقة للتصديق عليها وستأخذ سنوات لمناقشة »الأمن المائي« لدول حوض النيل وكانت فكرة البنك الدولي عندما تدخل كوسيط.. وكانت أول مرة في المفاوضات تذكر فيها الحقوق التاريخية والاتفاقيات السابقة ويذكر فيها ان كلها باطلة لانها خارج إطار المبادرة، ولم تحظ بالتوافق«!.. وإذن ما معني ذلك وما هو الهدف؟ كما أوضح الدكتور نصر الدين علام وزير الري: أن هذا الوضع يؤكد ان الهدف ليس انشاء مفوضية أو مشروعات لتنمية حوض النيل، ولكن الوصول إلي اتفاقية تلغي جميع الاتفاقيات السابقة ولا تضمن حقوق مصر والسودان. وبمعني إعادة تقسيم حصص مياه النهر وبما يؤثر علي حصتي دولتي المصب. وبنظرة علي الحقوق التاريخية فإن لدينا اتفاقيات سابقة ومنها اتفاقية مع امبراطور أثيوبيا »منليك الثاني« في عام 2091 وهي سارية وتتضمن التعهد بألا يقوم أو يسمح بإنشاء أعمال علي النيل الأزرق أو بحيرة تانا أو نهر السوباط من شأنها تدفق المياه منها إلي نهر النيل إلا بعد استشارة مصر: وفي عام 6091 وقعت بريطانيا وفرنسا وإيطاليا إتفاقا في لندن بشأن الحبشة ويضمن موافقتها علي تأمين وصول مياه النيل الأزرق وروافده إلي مصر..! وقبلها في عام 4981 وقع ملكا بريطانيا وبلجيكا اتفاقا ينص علي تعهد حكومة الكونغو بألا تقيم أو تسمح بإقامة أي اشغال علي نهر سميكي أو نهر أسانجو أو بجوارهما يكون من شأنها خفض حجم المياه المتدفقة في بحيرة ألبرت! وكذا اتفاقية عام 9291 مع دول الحوض التي تنص علي تحديد حق مصر المكتسب من مياه النيل - حصتها السنوية 84 مليار متر مكعب - كما أكدت لمصر نصيبا في كل زيادة من موارد النيل، ولم تعترض دول الحوض في البداية علي الإتفاقية باستثناء أثيوبيا التي لم تعترف بها.. وكذا اتفاقية 9491 مع أوغندا.. وآخرها إتفاقية عام 1991 التي وقعها الرئيس موسيفيني.. ولا توجد أي خطورة في الوقت القريب! إن معالجة القضية تكون »بالقوة الناعمة« - أي الدبلوماسية المحنكة والتمسك بالحقوق القانونية والتاريخية - وليس بالقوة العسكرية لان الروابط بين دول حوض النيل ضاربة الجذور في شعوبها وفي النهر العظيم الذي يتدفق كشريان الحياة من المنبع إلي المصب، ومن الضروري الحفاظ علي تلك الروابط المائية والتاريخية وتقوية الجسور القائمة بحيث لا تؤثر التدخلات الخارجية والاغراءات المالية عليها.. ولابد من تدعيم الدور المصري في دول الحوض والتعاون العربي معها بالمشروعات والاستثمارات المشتركة وبذلك يُقطع الطريق علي محاولات اسرائيل للعب في منابع النيل!