لا يمكن ان يكون »خافيا« أن المفاوضات غير المباشرة التي من المتوقع ان تبدأ بين الفلسطينيين والإسرائيليين خلال الساعات القليلة القادمة ما هي إلا وليدة ضغوط أمريكية تعرض لها الطرفان العربي- الفلسطيني من جانب والطرف الإسرائيلي من الجانب الآخر. ليس معني هذا ان هناك أملا في التوصل إلي تسوية عادلة للقضية الفلسطينية يتطلع إليها العرب والمجتمع الدولي وإنما يمكن وصف ما يجري بأنه خطوة لن تؤتي ثمارها إلا إذا كانت واشنطن جادة فعلا في دفع ورعاية جهود السلام. أرجو أن يكون تحليلي صحيحا فيما يتعلق بهدف ومبررات هذا التحرك الأمريكي. انه يستند إلي الاعتقاد بأن هناك تغييرا في المفاهيم الأمريكية تقوم علي بدء الاقتناع بأن الكثير من مشاكل الشرق الاوسط وانعكاساتها السلبية علي المصالح الأمريكية علي المدي القصير والطويل انما تعود بشكل أساسي إلي عدم ايجاد حل للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي . انه وضع تنعكس آثاره سلبا علي علاقات العالمين العربي والإسلامي مع الولاياتالمتحدة المنحازة كليا إلي إسرائيل . وهناك في المعسكر الأمريكي العاقل من يري بأن مشكلة إيران وملفها النووي وما يرتبط بها من توتر في كل منطقة الشرق الاوسط الحساسة ليست إلا نتاج لممارسات اسرائيل العدوانية والتي تتخذ منها طهران غطاء لتصعيد سعيها إلي اكتساب كل مظاهر القوة لارهاب وابتزاز دول الشرق الاوسط . اصحاب هذا الفكر يؤمنون ان تحقيق السلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين سوف يؤدي إلي حرمان إيران من استغلال الورقة الفلسطينية لاستقطاب التعاطف والتأييد لمواقفها وسياستها. من ناحية أخري فإنه لا يمكن التغاضي عن دور الرأي العام العالمي وحكومات العديد من دول العالم خاصة الغربي في ممارسة الضغوط سواء علي الادارة الأمريكية أو اسرائيل. انها تدعو إلي ضرورة ايجاد حل لقضية فلسطين ورفع المعاناة عن شعبها الذي يتعرض لانتهاك حقوقه الإنسانية علي يد الاحتلال الاسرائيلي غير المشروع. هذه الضغوط المتصاعدة أدت إلي نوع من العزلة علي الكيان الاسرائيلي دوليا وهو ما جعل حكومة نتنياهو في موقف الدفاع بعد تلاشي قدرتها علي اقناع العالم بمواقفها وبعدم مساندة حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة. ليس جديدا القول بأن الدعم والتأييد الأمريكي بالمال والسلاح كان وراء تقوية موقف إسرائيل الرافض للسلام واصرارها علي مواصلة سياسة التوسع والاستيطان لطمس معالم الهوية الفلسطينية.. ولكن الأخطر من ذلك هو الدعم السياسي الأمريكي الذي يحميها من الخضوع لقرارات الشرعية الدولية . ان اسرائيل تفهم تماما ان تخلي واشنطن عن استخدام الفيتو في مجلس الأمن يعد في نظرها أخطر أنواع الضغط الذي يمكن ان تتعرض له.. ان معني ذلك هو ان يصبح هذا الكيان العدواني في مواجهة مباشرة مع المجتمع الدولي وهو نفس ما حدث مع النظام العنصري الذي كان يحكم جنوب افريقيا والذي انتهي به الأمر إلي الزوال. من المؤكد ان كل هذه العوامل كانت امام نظر البلطجي »نتنياهو« وهي التي دفعت به نحو الحماس للتفاوض مع الفلسطينيين واضعا في اعتباره البحث عن وسيلة للخروج من العزلة التي فرضت عليه . انه يرضخ علي مضض هذه المرة لضغوط الذهاب الي التفاوض تجنبا لصدام مصيري كان يلوح في الأفق مع الادارة الأمريكية التي شعرت ولأول مرة بفداحة الاهانات التي توجهها إليها حكومة التطرف الإسرائيلي رغم الثمن الباهظ الذي تدفعه من مصالحها وسمعتها بسبب تأييدها لسياساتها. ليس أمامنا سوي ان نتابع سير هذه المفاوضات غير المباشرة والمحدد لانتهائها أربعة شهور وننتظر كيف ستحاول اسرائيل الافلات من مأزق السلام الذي لا تريده. جلال دويدار [email protected]