في أسبوع واحد أقرأ خبرين يصبان في اتجاه واحد، الأول يشير إلي ارتفاع معدلات إغلاق الحسابات علي مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة فيس بوك، وأن الأمر يتجاوز مسألة انتهاك الخصوصية التي باتت ككرة الثلج التي ما تلبث أن تتكشف بعض تفاصيلها، حتي تتفجر فضيحة أكبر وأخطر، بعدما باع مارك زوكربيرج مؤسس فيس بوك تقريبا كل بيانات عملائه علي الموقع الأزرق، وقبض الثمن مقدما مليارات الدولارات، بينما نحن نواصل إضاعة ساعات العمر في »الهري» والخناقات في الواقع الافتراضي الذي اختلقه لنا السيد مارك. أما الخبر الثاني فكان مصدره الولاياتالمتحدة، أكبر سوق استهلاكي في العالم، وخاصة في مجال التكنولوجيا، والخبر يقول إن معدلات زيادة بيع الهواتف الغبية - وهو وصف للهواتف التقليدية التي يقتصر دورها علي وظائف محدودة مثل الاتصال أو كتابة الرسائل القصيرة - تفوق للمرة الأولي علي معدلات زيادة بيع الهواتف الذكية، وأرجع المحللون عودة المستهلكين إلي شراء هذا النوع من الهواتف البسيطة إلي محاولة الهروب من حصار وسائل التواصل الاجتماعي، التي باتت تستهلك وقتا متزايدا، وتستنزف طاقات روادها في موضوعات لا طائل من ورائها. وبالفعل، ورغم ما تمتعت به وسائل التواصل الاجتماعي من تأثير خطير، سياسيا وثقافيا واجتماعيا طيلة السنوات الماضية، وبعدما باتت وسيلة لتوجيه المواقف وتشكيل الاتجاهات، وفي كثير من الأحيان التلاعب بالعقول، سواء من خلال كثافة الحديث عن موضوعات بعينها، أو حتي بنشر شائعات وأخبار مفبركة، إلا أن تلك الوسائل بدأت تفقد بريقها لدي كثيرين، وأنا منهم، فما يتردد عبر تلك المواقع بات محل شك أكثر منه موضع اهتمام. وعندما يخبرني أحد الزملاء أو الأصدقاء أن الموضوع مثار عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو أن تلك الصور أو الفيديوهات منتشرة علي نطاق واسع بتلك المواقع، فإنني أسارع إلي تحسس عقلي والتأكد أكثر من مرة من صحة تلك المعلومات، وغالبا ما تكون غير صحيحة. الأخطر في تقديري - بالإضافة إلي التلاعب بالعقول ونشر الكثير من الأكاذيب - هو ما أحدثته وسائل التواصل من تسطيح لفكر المجتمع، وتغليب كل ما هو تافه وفارغ من المضمون، بل بات البعض من نشطاء تلك المواقع والشخصيات الأكثر تأثيرا علي الشبكة يتنافسون في التفاهة كي يحصدوا المزيد من اللايكات والشير، رافعين شعار »اديني في الهيافة وأنا أحبك يا فنانس» وهو »الإفيه» الذي كان يكرره الفنان الراحل محمود عبد العزيز في فيلم الكيف، وها هو »الإفيه» يتكرر، بعدما صارت وسائل التواصل الاجتماعي »كيف» هذا الزمان! انظروا إلي كم القضايا التافهة التي سيطرت علي المجال العام بسبب سطوة السوشيال ميديا، وحجم الإهانات التي وجهت إلي شخصيات، كل جريمتها أنها كانت مجرد »تريند» علي تلك الوسائل، فصار الملايين يتابعون تفاصيل زواج هذا من تلك، أو طلاقهما، أو دخول العريس إلي المستشفي، أو العروس إلي عيادة الطبيب، وكأن كل قضايانا انتهت، ولم يعد يعنينا سوي تلك التفاهات. أتوقع أن يخفت بريق السوشيال خلال فترة ليست بالطويلة، لكنهم سرعان ما سيخترعون لنا وسيلة إلهاء جديدة، فخلف كل مارك يموت مارك جديد.. وتفاهة لا تنتهي!!