لماذا يثير الإخوان الشكوك في نواياهم حينما يرفضون الحوار حول المبادئ الأساسية للدولة المصرية، بحثاً عن توافق حولها، ويهددون باللجوء إلي وسائل شتي لوقف هذا الحوار ومنع هذا التوافق؟!.. إن ما يفعله الإخوان يتعارض مع مصالحهم الانتخابية في معركة يستعدون لها بكل قوة، ويحشد ضدهم فرقاء سياسيين سبق أن ناصروهم وأيدوا حقهم في العمل السياسي حينما كانوا يتعرضون للملاحقة والمطاردة الأمنية. فالإخوان فور ظهور نتائج الاستفتاء علي التعديلات الدستورية بادروا بمطالبة جميع الفرقاء السياسيين بالتوافق حول ورقة مشتركة، لا تختلف في جوهرها وهدفها عن جوهر وهدف ورقة المبادئ السياسية للدولة أو ما تسمي بالمبادئ الحاكمة للدستور.. بل إن الإخوان قدموا مشروعاً لهذه الورقة، والأكثر من ذلك قبلوا إعادة صياغتها في ضوء ملاحظات الفرقاء السياسيين.. بل وقبلوا بأن يعهدوا لمن لا ينتمي إليهم بعملية إعادة الصياغة.. فكيف يتراجع الإخوان علي هذا النحو؟.. من استعداد للتوافق إلي رفض لهذا التوافق.. وأليس هذا التراجع يهز صورتهم لدي الناخبين، حتي وإن كانوا يراهنون علي العمل وسطهم وتقديم خدمات لهم مثل القوافل الطبية، والمشاركة في تأمين لجان امتحانات الثانوية العامة، وتوصيل اسطوانات البوتاجاز إلي المنازل؟! فهذا التراجع يمنح المنافسين السياسيين المبرر للائتلاف والتجمع في مواجهتهم وحشد الناخبين ضدهم، من خلال تنظيم الدعاية ضدهم وكشف مقالبهم وعيوبهم، وإخافة الناخبين منهم ومما يضمرونه للبلاد.. وكان الإخوان في غني عن ذلك كله، وهم الذين بنوا تكتيكهم الانتخابي منذ اللحظة الأولي علي خوض الانتخابات البرلمانية من خلال تحالف انتخابي يعفيهم من هجمات المشاركين في هذا التحالف عليهم أثناء المعركة الانتخابية. إن الإخوان يتذرعون بأنهم لا يريدون التورط في عمل يتعارض مع إرادة غالبية الشعب ويتفادون استفزاز الجماهير برفضهم الحوار حول المبادئ الأساسية للدولة المصرية، لأن هذه المبادئ الحاكمة للدستور تخص الشعب وليس نخبة السياسية فقط، كما أن الرافضين لها أكثر من الموافقين عليها.. وهم يعتبرون أن استباق صياغة الدستور بإعلان المبادئ الحاكمة له يعني تجاهل نتائج الاستفتاء علي التعديلات الدستورية، التي منحت حق إعداد الدستور الجديد لأعضاء لجنة سوف يختارهم البرلمان المنتخب القادم، ومصادرة علي حق البرلمان وأعضاء هذه اللجنة. لكن كل ذلك مردود عليه.. فلا مصادرة هنا علي حق البرلمان القادم في اختيار لجنة صياغة الدستور ولا مصادرة أيضاً علي حق اللجنة في صياغة الدستور.. ولا تعارض بين طريقة إعداد الدستور وبين التوافق علي المبادئ الأساسية له.. ليس فقط لأن الدساتير لا تضطلع بصياغتها الأغلبية البرلمانية، وإنما يتم التوافق حولها بين جميع الفرقاء السياسيين، وإنما لأن هذه المبادئ الحاكمة للدستور أو الأكثر دقة الأساسية للدولة ستكون ملزمة فقط أدبياً وسياسياً لمن سيقومون بإعداد الدستور، اللهم إلا إذا تم الاستفتاء عليها ووافقت عليها الأغلبية. كما أن أحداً هنا لا يفرض شيئاً علي الشعب أو يتحدي إرادته لأن ما ستنتهي إليه لجنة صياغة الدستور سوف يعرض في النهاية علي الشعب في استفتاء عام وسيكون في مقدوره الموافقة عليه أو رفضه. أما القول بأن الرافضين للمبادئ الحاكمة للدستور أو بالأصح المبادئ الأساسية للدولة المصرية أكثر من الموافقين عليها، فهو قول غير مستساغ لأن أحداً لم يطرح الأمر بعد لاستفتاء الشعب عليها حتي نتبين عدد الموافقين وعدد الرافضين. ثم هل نتصور أن يرفض الناخبون أن تكون مصر دولة مدنية ديمقراطية موحدة تقوم علي المواطنة وحكم القانون، وتحترم التعددية، وتكفل المساواة والحرية والعدالة وتكافؤ الفرص لجميع المواطنين دون أي تمييز أو تفرقة؟ أو هل نتصور أن يرفض الناخبون الإقرار بأن الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، ومبادئ شرائع غير المسلمين هي المصدر الرئيس للتشريعات المتعلقة بأحوالهم الشخصية وشئونهم الدينية. وأيضاً هل نتصور أن يرفض الناخبون أن تكون السيادة للشعب وحده، وأن يكون هو مصدر كل السلطات، وأن تكون سيادة القانون هي أساس الحكم في الدولة، وخضوع الجميع مواطنين وسلطات عامة وأشخاصا اعتبارية كافة للقانون دون أي تفرقة وأن استقلال القضاء ضمانة أساسية لمبدأ خضوع الدولة للقانون وتحقيق العدالة للمواطنين جميعاً. إن هذه المبادئ التي كان الجميع يطالب بها هي المبادئ الأساسية للدولة المصرية الحديثة التي تضمنتها الورقة المقترحة من قبل الحكومة وتحديداً د. السلمي والمعروضة للنقاش والحوار الآن.. وكلها مبادئ لم يقل الإخوان في يوم من الأيام انهم يرفضونها.. وحتي إذا كان لهم ملاحظات علي صياغتها، أو يرونها غير كافية فإن في مقدورهم إبداء ما يريدونه من ملاحظات عليها، وتقديم ما يشاءون من اقتراحات بالحذف أو الإضافة في صياغتها، لأنها مطروحة للنقاش.. هذا أجدي لهم من إعلان رفضهم لها.. حتي لا يتيحوا لمنافسيهم السياسيين اتهامهم بأنهم يرفضون أن تكون السيادة للشعب وحده، أو أن تكون سيادة القانون أساس الحكم في الدولة، أو أن يكون هناك استقلال للقضاء! وبدلاً من أن يوجه الإخوان التحذيرات الآن للمجلس الأعلي للقوات المسلحة، وهي التحذيرات المقترنة بالغمز واللمز، فعليهم مراجعة موقفهم الرافض للحوار حول المبادئ الأساسية للدولة المصرية الحديثة والحقوق الأساسية للمواطنين، والسعي للوصول إلي كلمة سواء مع كل الفرقاء السياسيين في مرحلة مهمة من حياة بلدنا تحتاج كما قالوا هم من قبل إلي لم شمل الجميع، وتضافر كل الجهود من أجل تجاوز هذه المرحلة وبناء دولتنا الديمقراطية الحديثة والعادلة.