نزولاً من شعار »الأسد لازم يرحل» .. وصولاً إلي »لا مانع من بقائه ولكن بشروط» حدث التحول الدراماتيكي في الموقف الإسرائيلي من سوريا. وكان لا بد من ثمن أو مقابل لهذا التحول تدفعه الدول الكبري الراعية للأوضاع في سوريا. ليأتي القبول الإسرائيلي ببقاء الأسد في سدة الحكم في دمشق شريطة العمل علي تحقيق هدفها الرئيسي بإنهاء الوجود الإيراني والميليشيات الشيعية التابعة له في سوريا فيما يمكننا وصفه بصفقة القرن السورية. ماذا تريد اسرائيل من كل من »پوتين وترامپ» في سبيل ترتيب الأوضاع بسوريا وانهاء الوجود الإيراني هناك؟ هذا هو موضوع الملف. نتانياهو من موسكو: لا مانع من بقاء الأسد.. ولكن بشروط ! يوم الخميس الماضي اعلن نتانياهو ان اسرائيل لا تمانع من بقاء الأسد علي رأس النظام السوري ولا تعارض تعزيز حكمه هناك وتثبيت دعائم استقراره، لكنها في المقابل ستعمل بكل طريقة لحماية حدودها ضد الجيش السوري مثلما فعلت في السابق. لعل هذه هي المرة الأولي التي تعلن تل أبيب صراحة قبولها بوجود الرئيس بشار الأسد علي رأس الحكم في دمشق؛ فكل ما سبق من تلميحات اسرائيلية كان يدور في فلك التحليلات والاجتهادات بأن الأسد هو أفضل خيار بالنسبة لإسرائيل في حكم سوريا مقارنة بخيارات أخري بديلة. في محادثاته مع الرئيس ڤلاديمير پوتين التي جرت بموسكو يوم الأربعاء الماضي حدد نتانياهو الأهداف الرئيسية لإسرائيل بأنها: ازالة الصواريخ الموجهة نحوها من سوريا وانسحاب القوات الإيرانية واحترام خطوط اتفاقات فك الارتباط مع سوريا حول الجولان المعقودة في 1974. بالإضافة لذلك تريد اسرائيل من روسيا ضمان عدم الإضرار بالسوريين المقيمين في الجولان بالقرب من الحدود الذين حصلوا علي معونات انسانية من اسرائيل في السنوات الماضية. (لاحظ هنا الرغبة الإسرائيلية في ضمان الولاء مقابل ما قدمته من رشي في شكل معونات انسانية). وأضاف نتانياهو : »لقد حددت سياسة واضحة بألا نتدخل في الصراع الأهلي السوري ولم نتدخل، ما يثير قلقنا هو وجود داعش وحزب الله وهذا الوضع لم يتغير، لذا فإن لب الموضوع هو ان نحتفظ بحرية التعامل ضد اي طرف يعمل ضدنا وثانيا ازالة الإيرانيين من الأراضي السورية». تطورات الأحداث في سوريا والتنسيق الجاري بين تل ابيب وموسكو جعل من نتانياهو ضيفا دائما علي موسكو، مع ذلك فقد اكتسب لقاء الأربعاء الماضي بينه وبين پوتين اهمية خاصة لأنه يسبق اللقاء المزمع بين الأخير وبين الرئيس الأمريكي ترامپ ويفرض ضرورة ترتيب الأوراق واستيضاح الموقف الأمريكي من رغبة روسيا في تثبيت حكم الأسد في سوريا. مع ان التركيز الأساسي في لقاء الأربعاء الماضي والذي يعد الثالث خلال ستة أشهر كان علي ضرورة تلافي التوتر علي طول الحدود الإسرائيلية مع سوريا فقد بدا للمراقبين الإسرائيليين أن پوتين نفسه لم يعد متمسكا تماما بحماية أو تغطية الوجود الإيراني في الأراضي السورية، وأنه بعد الشكاوي الإسرائيلية المتعددة من نكوصه عن تعهداته بمقاومة ايران، وعلي أثر مواجهة نتانياهو له بفقدان الثقة في وعوده ربما بات اكثر حرصاً علي تدعيم الترتيبات الحربية التي سبق الاتفاق عليها مع اسرائيل لتلافي اي صدام حربي بين القوات الروسية والإسرائيلية في سماء سوريا. وحسب رؤية لمسئول اسرائيلي لم تفصح جريدة هاآرتس عن اسمه فقد ظهر جليا ان ثمة فرصة حقيقية لدفع إيران إلي خارج سوريا قد نشأت في اللقاء الأخير بين پوتين ونتانياهو وأن روسيا -هي الأخري - ليست شغوفة بالوجود الإيراني في سوريا، وحتي الرئيس بشار الأسد اصبح مدركاً - حسب تصور المسئول الإسرائيلي- أن الإيرانيين يستغلونه من اجل مصالحهم الخاصة في المنطقة. لذلك تبدو اهمية التنسيق مع الروس وغيرهم من الضالعين في الصراع. في هذا اللقاء أصر نتانياهو علي التأكيد علي احتفاظه بحرية التعامل والرد علي عمل عدواني يأتي من سوريا تجاه اسرائيل، وكان حريصا أن علي يضع النقاط فوق الحروف مع پوتين قبل اللقاء المزمع بين الأخير وبين الرئيس الأمريكي ترامپ. »مشروع إيران».. شفرة أمريكا وإسرائيل السرية لتصفية »الحلم الفارسي» دخل خيار المواجهة العسكرية مع إيران منعطفاً جديداً، ترجمته علي الأرض تنسيقات غير مسبوقة بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل، واتفاق بين الجانبين لإعداد مسرح عسكري اسرائيلي، يمهد لتولي جانب من المهمة الوشيكة، لاسيما في ظل التصعيد الإيراني بإغلاق مضيق هرمز أمام سفن نقل النفط، والتهديد بعمل مسلح ضد موانئ خليجية حال إصرار إدارة ترامپ علي قرار حظر تصدير النفط، المزمع تفعيله بداية من 4 نوفمبر المقبل في إطار العقوبات المفروضة علي طهران. وفي إطار تلك الترتيبات، أجري رئيس الأركان الاسرائيلي جادي أيزنكوت مباحثات عسكرية قبل أيام في واشنطن مع المستوي العسكري الأمريكي، وفي طليعته رئيس الأركان المشتركة چوزيف دنفورد، وقائد القيادة المركزية الچنرال چوزيف فوتيل؛ بالإضافة إلي قائد العمليات في الجيش الاسرائيلي نيتسان ألون. وفي محاولة لتفعيل المباحثات، اتفق الطرفان علي تدشين 4 نقاط قيادة عسكرية مشتركة بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل، تختص كل واحدة منها بمهمة محددة في منظومة قوات الدولتين، وإعداد كل قيادة لتنفيذ مهام بعينها خلال اندلاع مواجهة وشيكة مع إيران. ووفقاً لتقرير نشره موقع »دبكا» العبري، أطلقت إسرائيل والولاياتالمتحدة علي القيادة العسكرية المشتركة الأولي اسم »القيادة النووية»، لتصبح معنية بالتعامل عسكرياً مع أية تفاصيل تتعلق بالبرامج النووية الإيرانية، لاسيما المفاعلات القادرة علي انتاج الپلوتونيوم، ومعامل تخصيب اليوارنيوم، وصولاً إلي محطات انتاج منظومات الطرد المركزي. أما القيادة الثانية، بحسب معلومات التقرير العبري، فيطلق عليها »القيادة البالستية»، وهو القيادة المعنية بالتعامل عسكرياً مع منظومة الصواريخ البالستية الإيرانية، بداية من قواعد الصواريخ بما في ذلك القواعد التي دشنتها إيران تحت سطح الأرض، بالإضافة إلي مصانع انتاج الصواريخ ذاتها، والمعدات والمعامل الإيرانية المعنية بتطوير الصواريخ. ويشير التقرير الذي يدعي اعتماده في معلوماته علي دوائر استخباراتية إلي أن القيادة الثالثة، التي جري تدشينها في إسرائيل بالتعاون مع الولاياتالمتحدة، يطلق عليها »القيادة المضادة للخلايا السرية الإقليمية»، وتركز عناصر تلك القيادة في عملياتها المعلنة والسرية علي التواجد والانتشار الإيراني العسكري والاستخباراتي الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، لاسيما في سوريا ولبنان واليمن؛ كما تتعامل الوحدة ذاتها مع التهديدات الإليكترونية الإيرانية، التي تدخل في إطار ما يعرف بالحروب الرقمية أو »معارك السايبر» مع إيران. أما القيادة العسكرية الرابعة، فهي المجموعة العسكرية المعروفة ب»القيادة الاقتصادية»، وهي في إطارها العام عبارة عن جهاز معني بالتنسيق المشترك بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل حول منظومة العقوبات التي تفرضها الولاياتالمتحدة علي إيران، وتعتمد المساهمة الاسرائيلية في هذا الصدد علي منتوج معلوماتي توفره منظومة الاستخبارات الاسرائيلية، خاصة تقارير ما يجري في الداخل الإيراني، وكيفية تعاطي والتفاف إيران حول العقوبات المفروضة عليها. واتفقت إسرائيل والولاياتالمتحدة علي إطلاق اسم »مشروع إيران» علي نقاط القيادات الأمريكية-الاسرائيلية الأربعة، كما اتفقا علي تولي قائد عمليات الجيش الاسرائيلي الچنرال نيتسان ألون مهمة الإشراف علي المشروع من مختلف زواياه. وعزت دوائر التقرير العبري اختيار الچنرال ألون للمنصب إلي رؤية رئيس الأركان جادي أيزنكوت، التي اعتبر فيها مرشحه مؤهلاً أكثر من غيره للتعامل مع الملف الإيراني علي وجه الخصوص، وقال أيزنكوت في سياق تبرير ترشيحه، إن ألون عسكري غير تقليدي، ومن أشد المؤيدين لضرورة تفعيل الخيار العسكري في التعامل مع إيران، لاسيما أنه دعا غير ذي مرة إلي استغلال تردي العلاقات الأمريكية - الإيرانية، والحرب الدائرة في سوريا، واقتراب الحرس الثوري الإيراني وعناصر حزب الله من خط التماس مع إسرائيل، لتفعيل العمل المسلح ضد إيران والقضاء نهائياً علي التطلعات الفارسية في منطقة الشرق الأوسط. وبعيداً عن الاتفاق الأمريكي الاسرائيلي علي »مشروع إيران» العسكري الجديد، كشفت دوائر التقرير العبري النقاب عن أن القليل في إسرائيل وخارجها يعلمون أن رئيس الأركان الإسرائيلي جادي أيزنكوت يمهد لتلك الخطوة منذ سنوات، وأنه عمل عليها من خلال سلسلة تعيينات علي رأس أسلحة الجيش الاسرائيلي، لتشكيل هيئة أركان مكونة من »معسكر الصقور»، المتطلع إلي تفعيل الخيار العسكري الاسرائيلي ضد إيران، ويأتي في طليعة المعسكر الذي يدور الحديث عنه قائد سلاح الجو الجديد عاميقام نوركين، وقائد قيادة العمق الاسرائيلي الچنرال موني كاتس، وقائد قيادة منطقة الوسط الجديد الچنرال نديڤ بيدن، ورئيس الاستخبارات العسكرية الچنرال تامير هايمن.