أخشي أننا في ظل انشغالنا بما حدث في جمعة الهوية، أو لم الشمل سابقا، وماتلاها من أحداث مثيرة في العباسية وفض اعتصام التحرير ثم بدء محاكمة الرئيس السابق، اننا لم نهتم كما ينبغي بقرار أمريكي خطير، وهو القرار الخاص بتعيين مبعوث أمريكي لحماية الأقليات في أربع دول شرق أوسطية تأتي مصر في مقدمتها. وأخشي أيضا أن يظل اهتمامنا محدودا أو ضعيفا بتلك الخطوة الأمريكية الخطيرة، رغم أنها تشبه أولي الخطوات التي بدأتها أمريكا تجاه السودان وأفضت في نهاية المطاف إلي تقسيمه علي أساس ديني.. وكأننا قمنا بما يجب علينا القيام به بالرفض الذي أعلنه الأزهر والكنيسة لهذا القرار الأمريكي! فمن يتابع القرار الأمريكي وملابسات إصداره سيجد أنه يقصد مصر في الأساس، رغم انه يتضمن ثلاث دول شرق أوسطية أخري معها هي أفغانستان وباكستان والعراق.. ولا نستنتج ذلك فقط من تصدر مصر الدول الأربع التي يشملها نشاط المبعوث لحماية الأقليات، إنما لأن مصر تعد هي الدولة الوحيدة بينها غير المحتلة أمريكيا أو لا توجد فيها قواعد عسكرية أميركية، فضلا عن وجود رأي عام قوي وواسع يرفض بشدة التدخل الأجنبي، خاصة الأمريكي، وباكستان أراضيها مستباحة للقوات الأمريكية، وهذا ما كشفت عنه عملية اغتيال بن لادن، ومن قبلها وبعدها غارات الطائرات الأمريكية علي الأراضي الباكستانية. كما ان هذا القرار الذي تبنته لجنة هلسنكي بالكونجرس علله من أصدروه بأكاذيب كان أخطرها أكذوبة ان ثمة ظاهرة عامة في مصر تتمثل في خطف وتعذيب واغتصاب البنات المسيحيات، وذلك للقضاءعلي المسيحيين فيها وإبادتهم جماعيا، مما يفتح الباب واسعا وعلي مصراعيه كما قال أحد أقباط الخارج لفرض الوصاية الدولية علي مصر، أليست هناك جريمة إبادة جماعية؟.. وأليست هذه الجريمة هي التي يلاحقون بها الآن السودان وبرر بها حلف الناتو شن غاراته علي ليبيا؟ ولذلك لم يكن غريبا أن يصدر هذا القرار الأمريكي في ظل موجات من الهجوم الأمريكي الإعلامي وغير الإعلامي ضد المجلس الأعلي للقوات المسلحة في مصر الذي يتولي إدارة شئون البلاد في تلك المرحلة الانتقالية. ثم ان هذا القرار الأمريكي المثير للاستفزاز يأتي مقترنا بمحاولات أمريكية أخري للتدخل في شئوننا الداخلية وإصرار علي استمرار هذه المحاولات أو هذا التدخل، مما يعني سوء النوايا الأمريكية تجاهنا، وعدم صدق ادعاءاتها بأنها تساند ثورتنا وتتمني لنا مستقبلا ديمقراطيا زاهراً! وقد تمثلت هذه المحاولات في إصرار أمريكا علي تقديم أموال سياسية لدعم عدد من منظمات المجتمع المدني بل والجماعات السياسية في البلاد سرا ومن وراء ظهر الدولة وبدون علم السلطات المسئولة.. وهذا ما تباهت به السفيرة الأمريكيةالجديدة في مصر آن باترسون، حينما كشفت أن واشنطن أنفقت في غضون خمسة أشهر منذ 52 يناير نحو 04 مليون دولار علي هذه الجماعات والمنظمات والهيئات.. ولم يقتصر الأمر علي ذلك فقط، بل ان السفيرة الأمريكية أبلغت أعضاء الكونجرس أيضا أن الإدارة الأمريكية مصرة علي الاستمرار في تقديم هذا المال السياسي لمن يطلبه في مصر، خاصة أن هناك نحو 006 منظمة كما قالت السفيرة الأمريكية تقدمت بطلبات للحصول علي نصيب من هذا المال السياسي، أو ما تسميه واشنطن مساعدات لدعم الديمقراطية في مصر. بل ان واشنطن حضت عددا من الدول الأوروبية علي محاكاتها في تقديم المال السياسي لمنظمات وجماعات مصرية، ليبدو الأمر وكأن ذلك يتم دوليا وليس أمريكيا فقط. وقد استجابت ثلاث دول أوروبية بالفعل لطلب واشنطن في هذا الصدد هي: فرنسا وبولندا وإيطاليا.. وهكذا صارت مصر مقصدا للمال السياسي الأجنبي الأمريكي والأوروبي بالإضافة إلي الخليجي أيضا. وعندما طالبت حكومة د. شرف الخارجية الأمريكية وهيئة المساعدات الأمريكية كشف المنظمات والقوي والجماعات التي استفادت من هذا المال السياسي الأمريكي رفض الأمريكان بدعوي ان الذين تلقوا هذا المال في مصر طلبوا منهم الحفاظ علي ذلك سرا وعدم الإفصاح عن هويتهم!.. وكأنهم يريدون القول لنا انهم ماضون فيما يفعلون ولن تثنيهم احتجاجاتنا الرسمية أو غير الرسمية فهل هناك استفزاز لنا من قبل الأمريكان أكثر من هذا؟! لذلك.. يتعين ان يكون لحكومة شرف موقف واضح وصارم تجاه هذا التدخل الأمريكي السافر والفج في شئوننا الداخلية. علي حكومة د. شرف الإسراع بأعلان قائمة من تلقوا أموالا أمريكية أو أجنبية بصفة عامة، والسعي لتطبيق القانون في هذا الشأن، خاصة أن الفحص الأولي يشير إلي ان هذه القائمة لا تضم فقط حركات سياسية أو منظمات مجتمع مدني إنما تضم أيضا أحزابا سياسية، والقانون يحظر تلقي الأحزاب التمويل الأجنبي، أما الجمعيات الأهلية فإن القانون يحظر تلقيها الأموال الأجنبية سراً. كما يجب علي حكومة د. شرف ان ترفض استقبال المبعوث الأمريكي للأقليات رسميا وتوجيه نداء للمصريين برفض استقباله شعبيا أيضا، حتي يشعر انه شخص غير مرغوب فيه بمصر، وأن ما يقوم به في بلادنا مرفوض من أهلها مثلما هو مرفوض من حكومتها، ونحن لنا تجربة ناجحة في هذا الصدد مع البريطانيين حتي وهم يحتلون أراضينا فما بالنا الآن وأرضنا لا يدنسها جندي أجنبي واحد. والأهم من ذلك يتعين علي حكومة د. شرف أن تمضي قدما وبخطي أوسع وأسرع في حل المشاكل التي تعوق وتعطل حصول الأقباط علي حقوق المواطنة كاملة، وتجريم أي تمييز ضدهم.. وياحبذا لو تبدأ الحكومة في تطبيق ذلك علي نفسها بأن تضم أقباطا في صفوفها، خاصة أنه لم يعد هناك سوي وزير قبطي واحد فيها. ولنتذكر أن بجاحة الأمريكان في إصرارهم علي التدخل في شئوننا الداخلية يستند إلي وجود مشاكل طائفية لدينا هم لم يصنعوها إنما يحاولون استثمارها، بينما نحن الذين صنعناها، وبالتالي وجب علينا وحدنا ايجاد حل لها حماية لوحدتنا وصيانة لاستقلالنا الوطني.