يمثل الأزهر الشريف منارة الوسطية وكعبة العلم التي يؤمها الطلاب من كل فج عميق منذ ما يزيد علي ألف عام.. ففي رحابه تخرَّج علماء وزعماء وقادة، ومن ساحته خرجت الثورات التي هزت كيان الاستعمار وزلزلت أركانه، وما زال الازهر يحمل مشاعل الوسطية والعلم إلي أنحاء الدنيا من خلال خريجيه الذين ينتمون إلي 114 دولة من دول العالم.. وقد شهد الجامع الأزهر مؤخرا أكبر عملية ترميم وتطوير في تاريخه وشهدت أروقته صحوة جديدة ونشاطا دائبا لخدمة الإسلام والمسلمين، فحين تدلف إلي ساحته تسمع أزيزا كأزيز النحل، فهذه حلقة لحفظ القرآن وذاك درس من دروس العلم أوالفقه وهنا ورشة عمل وهناك مسابقة في الثقافة أو المدائح النبوية.. في الحوار التالي يحدثنا الشيخ محمود دراز مدير عام الجامع الأزهر عن تفاصيل التطوير في الشكل والمضمون.. شهد الجامع الأزهر أكبر حركة ترميم في تاريخه ليخرج إلي العالم الاسلامي في ثوب جديد.. حدثنا عن ذلك. بالفعل كانت عمليات الترميم التي شهدها الجامع الازهر مؤخرا أكبر عملية ترميم في تاريخه لكن يجب التأكيد علي أنه من الناحية الأثرية لم يتم تعديل أو تغيير أي وضع كان موجودًا قبل الترميم لأن الجامع أثر ولذلك خضعت عمليات الترميم بالكامل لإشراف وزارة الآثار، وما تم هو إعادة دهان بعض الحوائط وحقن بعض الحوائط التي بها رطوبة،كما تضمنت العملية ترميم الواجهات الحجرية الخارجية والداخلية، وترميم الزخارف الإسلامية والنقوش والأسقف، كما شملت ترميم النوافذ الخشبية والمشربيات والمآذن، وترميم وإعادة تأهيل أرضيات الجامع وتركيب رخام من نفس نوعية الرخام المستخدم في الحرمين المكي والمدني والذي يعمل علي عكس الضوء والحرارة، ويتميز بأنه يمتص الرطوبة عبر مسام دقيقة خلال الليل، وفي النهار يقوم بإخراجها، مما يجعله دائم البرودة في الحر.كما تم تجديد أعمال الإضاءة الخارجية والداخلية وتغيير شبكة الكهرباء بالكامل، وتجديد نظام مقاومة الحريق، والنقل التلفزيوني، وتأهيل السور الخارجي، بالإضافة إلي إعادة إنشاء مبني دورات المياه، كما تم الانتهاء من شبكة صرف الأمطار، وإنشاء شبكة صرف صحي جديدة بأحدث النظم بعد تهالك الشبكة القديمة، وكذلك تجديد وسائل التهوية وتتمثل في »المراوح» المنتشرة في كل أرجاء المسجد، وكنا نتمني إدخال التكييفات لكن وزارة الآثار رفضت حتي لا تؤثر علي المبني، أما نظام الصوتيات فلم يتم تسليمه حتي الآن لأنه شبكة عالية التقنية وتحتاج إلي وقت وجهد كبير. ماذا عن التطوير في المضمون والأنشطة؟ بأوامر مباشرة من فضيلة الإمام الأكبرالدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر تمت إعادة دور الأروقة الأزهرية كما كانت قديما ولكن بشكل عصري،فهذه الأروقة كانت تجمع العالم كله في رحاب الازهر من خلال الطلاب من كل البلاد، فكان هناك رواق للأتراك وآخر للمغاربة وثالث للشوام وللصعايدة والشراقوة وغيرهم فعادت هذه الأروقة بنفس التسمية لكنها أصبحت تزخر بالأنشطة المتعددة التي تمتد إلي جميع محافظات الجمهورية حيث تم افتتاح فروع للرواق الأزهري بكل المحافظات تقدم نفس الأنشطة والخدمات التي تقدم في الجامع الأزهر بجانب بعض الإضافات التي تتناسب مع بيئة كل محافظة، وتقدم الأروقة العلم الشرعي وفق المنهج الأزهري لنشر وسطية الإسلام ومواجهة الأفكار المتطرفة التي تحاول استقطاب الشباب، ومن أروقة الأزهر رواق العلوم الشرعية، ورواق الفكر والثقافة، ورواق التدريب، ورواق الإعلام والاتصال، ورواق المتون، ورواق الدعوة، ورواق القرآن، ورواق اللغات الأجنبية وغيرها. مائدة عامرة نود إلقاء الضوء علي أهم الأنشطة التي تتم في الجامع الأزهر خاصة في رمضان؟ مائدة رمضان العلمية والثقافية عامرة بكل أصناف العلم والدين والثقافة والروحانيات،وتشمل هذه الأنشطة جوانب متعددة فمنها أنشطة اجتماعية وثقافية وفقهية وروحية وعقائد وشرائع بحيث يخرج الجمهور وهو لا يحتاج لشيء من خارج الأزهر، أما في رمضان فتشمل أنشطة الجامع الأزهر وأروقته إقامة الشعائر، والدروس العلمية والدعوية والمسابقات وورش العمل إضافة إلي قوافل الرواق، فبالنسبة لإقامة الشعائر تقام صلاة التراويح من 20 ركعة يقرأ في الركعات الثماني الأولي برواية حفص عن عاصم وباقي الركعات برواية من الروايات العشر المتواترة، علي أن يختم القرآن في صلاة التراويح ليلة السابع والعشرين، وهناك ختمة أخري في صلاة التهجد التي تبدأ من الليلة الخامسة عشرة من رمضان الساعة الثانية عشرة مساءً، ويختم بها القرآن في ليلة التاسع والعشرين، وتكون القراءة برواية ورش عن نافع بأصوات نديَّة. أما الدروس العلميةفي ساحة الأزهر فهي كثيرة حيث هناك دروس بعد الصبح والظهر والعصر والتراويح، ويحاضر في صلاة الظهر أساتذة جامعة الأزهر ولجنة الفتوي، وتدور دروس العصر عن شرح الأربعين الأزهرية ثم الإجابة عن أسئلة الصائمين، ويقوم بالتدريس وعاظ الأزهر، كما تم تحديد دروس صلاة الصبح لتكون عن الحكم العطائية ويحاضر بها أساتذة الجامعة ووعاظ الأزهر، أما دروس التراويح فتتناول رسالة الأزهر للأمة، ويلقيها أعضاء هيئة كبار العلماء. علي مدار العام هل تقتصر أنشطة الأروقة علي شهر رمضان؟ الأروقة الأزهرية عددها 13 رواقا ولها العديد من الفروع بالمحافظات كما ذكرنا، وتقيم هذه الأروقة التي يشرف عليها الدكتور محمد مهنا مستشار الإمام الأكبر شيخ الأزهر العديد من الدورات علي مدار العام وليس في رمضان فقط، ولا تقتصر هذه الدورات علي أبناء الأزهر وحدهم بل تشمل جميع الفئات والأعمار علي اختلاف مستوياتهم، وتمنح كل من يحضر دوراتها ويجتازها شهادة بذلك،وأهم هذه الأروقة رواق العلوم الشرعية الذي يقوم علي تدريس العلوم الشرعية والعربية من خلال منظومة محكمة من كتب التراث التي كانت تدرس قديماً بالجامع الأزهر لتأهيل الطلاب لفهمها مع تقديمها بصورة تتناسب مع متطلبات العصر والشرائح العمرية المختلفة وبوسائط تعليمية حديثة. ولا تقتصر هذه الدورات علي الجوانب الشرعية فقط، حيث تم تنظيم دورات في التنمية البشرية والخط العربي وتقديم محاضرات باللغات الأجنبية لغير الناطقين بالعربية والوفود الأجنبية من خلال رواق اللغات الأجنبية. ما أهم الأنشطة التي يقوم بها الرواق خارج أسوار الجامع الأزهر؟ تنطلق الأروقةالأزهرية إلي خارج الجامع الأزهر للاحتكاك بفئات المجتمع المختلفة وحمل رسالة الوسطية اليها، حيث يقوم الرواق بتنظيم زيارات للتجمعات الشبابية في الأندية ومراكز الشباب لتقديم الإسلام من خلال الندوات والمحاضرات والإجابة عن تساؤلات الشباب في أمور دينهم ودنياهم، كما نظم الرواق زيارات إلي المستشفيات ومرضي السرطان ومصابي الجيش والشرطة.