العدالة شرط أخلاقي وقانوني كي يستعيد الوطن بهاءه ومجده اليوم هو رابع أيام الشهر الفضيل.. تنتابني مشاعر متضاربة إذ لم أكد أتفرغ لطقوس العبادة والتقرب الواجبة في هذه الفرصة الإلهية النادرة التي لا تأتي سوي مرة كل عام، حتي تلهينا الدنيا وما فيها. منذ الأمس شخصت أبصار المصريين والعالم كله أمام شاشات التليفزيون لمتابعة محاكمة القرن أو محاكمة مبارك وابنيه وباقي رجال نظامه. حدث تاريخي بكل المقاييس تصنعه مصر كعادتها. مجد تخط سطوره، وتنقش حروفه علي جدار الضمير العالمي. لأول مرة يشهد العالم محاكمة رئيس مصري سابق وحاكم خلعه شعبه . تساؤلات كثيرة دارت في أذهان الناس سبقت الحدث التاريخي، وبدلا من أن ينشغل الناس في الاستعدادات الدنيوية الرمضانية المألوفة أو في انتهاز فرصة حلول الشهر الكريم لمضاعفة الطاعات وحصد جوائز السماء وتطهير القلوب والنفوس، إذا بنا ننشغل بتفاصيل المحاكمة ومحاولات تفحص ملامح وجه الرئيس السابق بعد ان عمد ابناه إلي اخفائه بجسديهما. لا أنكر ان رعدة سرت في اوصالي ودمعت عيناي في تلك اللحظة التاريخية التي واكبت ظهور الرئيس السابق في قفص الاتهام. وانشغل العالم كله بسؤال عن كيفية تأمين محاكمة عادلة للمتهمين. العدالة ليست شرطا دوليا وحسب كي تحصل مصر علي مكانتها التي تستحقها، لكنها شرط أخلاقي وقانوني من شأنه أن يحفظ للوطن بهاءه ومجده. ومن قبل ذلك هو شرط شرعي أمرنا به الله تعالي حين قال في كتابه الكريم: »يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَي أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَي وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ«. بجوار العدالة تقف قيم الشفافية لتتحدي النظام القائم الآن في أن يثبت حسن نواياه. ومما يثير القلق تلك الثغرة القانونية الصارخة التي أثارها الحقوقيون الضالعون في القضايا المنظورة الآن بضم القضية الأقدم الخاصة بوزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي وآخرين عن قتل المتظاهرين، إلي القضية الأحدث الخاصة بالرئيس المخلوع! وهو ما اعتبروه خطأ قانونيا لا يفوت علي أصغر القانونيين فما بالك بفطاحل القضاة الذين يتولون القضية؟ هذا الأمر يشكل مدعاة للقلق، ومن شأنه أن يثير الريبة في صحة الإجراءات القانونية التي يمكن أن تهدم القضية من أساسها في لحظة. ومع الأخذ بحسن النية وإذا اعتبرناها هفوة انزلق اليها القاضي الذي كان يتولي قضية العادلي ورفاقه بدلاً من تنحيه عن نظر القضية، فإن الرغبة في تصحيح الإجراءات لإثبات حسن النوايا وضمان عدالة المحاكمة قد يستهلك وقتا ً وجهداً قد يطيل أمد نظر الدعوي مما قد يرفع من درجة احتقان النفوس ويهبط بمنسوب الثقة بين الشعب والنظام القائم. من المهم في هذه الفترة الحرجة التي يمر بها الوطن أن ندرك جميعاً - حكاماً ومحكومين أننا لا نملك ترف مثل هذه الهفوات، ولا خوض نظريات التجربة والخطأ، وأن نتعامل عن يقين بقدر هائل من الشفافية والمصارحة والاستقامة وكفانا تضييعا للوقت. حالة »طجرمة« في يوميات سابقة صرخت بأعلي صوتي أنادي بالاهتمام بالأمن. أعترف ان ثمة تحسناً في التواجد المروري والشرطي بالطرق لكن تأثير هذا التواجد مايزال هزيلاً. والأيام السابقة علي الشهر الكريم شهدت اعتصامات في أماكن متفرقة من البلاد، تخوفا من شلل أو انفلات أمني مفاجئ. اقترن التعاطي معها باستعمال القوة لفض الاعتصامات وتفريق المعتصمين وإخلاء الميادين وتسييل المرور. الغاية مشروعة بلا ريب، انما الوسيلة ينبغي أن تكون محل نظر. في الجوانب الأخري يبدو مشهد مماثل ربما هو الأجدر بالالتفات؛ انه اندلاع المشادات والاشتباكات العنيفة بين المواطنين في أحياء متفرقة وبتزامن مريب. في السيدة زينب، السبتية وبولاق أبو العلا.. ظاهرة غريبة يبرز فيها ارتفاع عدد الضحايا. ما كل هذا العنف الذي طفح علي بدن الوطن؟ ما كل هذه الأسلحة المستخدمة في المشاجرات بين المواطنين العاديين؟ ومن أين أتت؟ الأنباء تتردد بأنها ليست تلك المسروقة من الأجهزة الأمنية، لكنها قادمة من ليبيا! ولاندري هل هي أسلحة قوات القذافي أم أسلحة الثوار التي أمدهم بها الناتو. ولو صحت هذه المعلومات فكيف تسربت من حدودنا الغربية؟ ألا يحق لنا أن نقلق علي جانبنا الغربي ونتساءل عن حجم الأموال التي أنفقت في سبيل اقتنائها والغرض من حيازتها؟ نعم مازلنا مسكونين بمشاعر عدم الأمان، أري العديد من فتيات وسيدات العائلة يتسلحن بأدوات بسيطة للدفاع عن النفس مع انتشار اخبار البلطجة والاعتداء علي المواطنين العزل. لكن تلك الأسلحة الموجودة الآن لم تكن شائعة في بلادنا، ولم تعد في أيدي الأجهزة الأمنية فقط ولا البلطجية، ثمة نزوع نحو العنف، لانتزاع ما يُعتقد انه حق بالقوة الذاتية لا بقوة القانون، كل واحد قرر أن يأخذ حقه بيده. والمتأمل لأسباب المشاجرات يجد انعكاساً واضحاً لهذا السلوك المتفاقم. لو كنت ممن يمرون بشارع 26 يوليو في منطقة أبو العلا ستلحظ انه لم يعد هناك نهر للطريق فقط شريط ضيق يسمح بعبور سيارة واحدة، زحفت كل إشغالات الرصيف من شماعات ملابس وعربات بيع الفواكه وفرش الباعة الجائلين الي الشارع نفسه، اختفت معالم الطريق لدرجة انه لم يعد بإمكانك العثور علي الصيدلية التي تعرفها ولا المطعم الذي تتعامل معه. بديهي إنها مشكلة تتبع المحليات التي أصبحت في خبر كان، لكن ألم تعد هناك أجهزة رسمية تتولي إعادة النظام للشارع ؟ وماذا عن سلوكنا نحن المواطنين؟ أين ذلك العقد الاجتماعي القابع في نفس المواطن والحد الفاصل بين الحق الخاص والحق العام؟ لماذا انقلبت الثورة الي فوضي وعدوان علي النظام العام وعلي هيبة الدولة ؟ أنظر الي قائدي الموتوسيكلات الطائرة الذين يسيرون عكس الاتجاه يعرضون انفسهم وغيرهم للخطر دون أدني إحساس بالمسئولية أو بالخطأ. دون كلمة اعتذار أو ذرة خجل. انها حالة "طجرمة" غير مسبوقة . مقعد في الجحيم هلّ هلال رمضان وقد تحول الربيع العربي الي صيف ملتهب. وبدلا من أن يحجز العرب مقعدهم في فردوس الحرية إذا بهم يضلون الطريق ويتجهون الي الجحيم المستعر. سوريا تنزف، ليبيا تحتضر، اليمن الذي كان سعيداً في كتب التاريخ يبيت علي أنين يدمي القلوب. رمضان واحد من الأشهر الحرم، حرم فيه القتال. المتحاربون جميعا مسلمون أو هكذا يزعمون. ومن سخرية الأوضاع أن الحكام المتشبثين بمقاعد الحكم لا تطرف لهم عين من خشية الله ويأمرون بقتل مواطنيهم بدم بارد وقبضة حديدية. لا تدهشني كثيراً مشاهد العنف والدم المراق في اليمن، فقد وعيت علي ألبوم ذكريات والدتي رحمها الله من فترة سنوات عملها في عدن قبل الاستقلال عن الاحتلال الانجليزي وقبل الوحدة اليمنية بالطبع. في ذلك الألبوم شريط صور متتابعة لواقعة إعدام أحد المواطنين بالسيف وتسجل الصور مراحل الإعدام بدءا بتركيع المحكوم ومرورا بضربتين علي خلف الرقبة حتي فصلها تماما عن الجسد. ورغم وحشية المشهد وجبروته، إلا أن التقاليد الشعبية تتداخل مع الأعراف والقانون بشكل يصعب التمييز بينهم، وللآن مايزال الزي الوطني اليمني يتميز بالحزام والغمد والسيف، وكلما طال واحتد وثقل وزنه كلما دل ذلك علي رفعة شأن حامله. لكن النزيف السوري هو أكثر ما يثير الألم. مدن الشام المنكوبة قديماً وحديثاً ، مدينة حماه وهي تنزف الآن، تلعق جراحها وتستعيد ذكرياتها البائسة مع نظام الأسرة العلوية وعلي رأسها الرئيس الراحل حافظ الأسد الذي أطلق يد شقيقه رفعت في ذبح أهالي حماه والتنكيل بهم عام 1982 في المجزرة التي لم يشهد لها التاريخ سابقة ضد المعارضين من الإخوان المسلمين. ومدينة دير الزور تلك المنكوبة مرتين مرة من العدو الصهيوني حين شن عدوانه عليها عام 2007 بحجة احتوائها علي منشآت نووية سرية .ومابين النيران الصديقة والنيران المعادية تعيش " الدير" أحلي أيامها. إسكندريلا.. دانتيلا حالة مبهرة تنشرها هذه الفرقة الغنائية الصاعدة بسرعة الصاروخ. فرقة "اسكندريلا" واحدة من فرق الهواة التي تسمي بفرق الشارع. كنت قد سمعت عنها منذ سنوات قليلة وتصادف ان شاهدت أحد عروضها في ساقية الصاوي، الفرقة من الشباب ويهتمون بإحياء تراث سيد درويش والشيخ إمام عيسي، ويبدو في ألحان مؤسسها وملحنها حازم شاهين تأثره بالخط الفني للشيخ إمام وأيضا بالشيخ سيد مكاوي. في تلك المرة بالساقية لفتت الفرقة انتباهي لكنها لم تخطف قلبي بحق إلا أيام الثورة في ميدان التحرير بأغنياتها الثورية الحماسية وإبداعاتها المتميزة. هات لي يابكرة صفحة جديدة حط لي مصر ف جملة مفيدة مابقتش الحرية بعيدة اسكندريلا فرقة دانتيلا رقيقة رهيفة تجمع أبناء عملاقين من عمالقة الشعر المصري صلاح چاهين وفؤاد حداد. سامية جاهين بصدرها وجوفها الواسع.. تشعر بها وهي تؤدي كأنها علي خشبة مسرح اوپرالي هي لا تغني بقدر ماتدك الأرض وتثير حماسة المستمع وتلهبه كأنها تضربه بالسوط ليتحرك ويقاوم وينهض وزميلها احمد حداد الشاعر الذي وضع كلمات الأعمال الخاصة بالفرقة راجعين بقلب جديد راجعين أمل بيزيد خطر يروح لأمان شجر يقول أناشيد راجعين من الماضي رايحين علي المستقبل بعزمنا الماضي الدنيا تصبح أجمل يا حياة يا حريّة يا روح يا مصريّة يا عيش وملح وماء الناس سواسية كلمة وقلناها الدنيا تسمعنا بلدنا معناها قلوب تجمّعنا اتجمعوا يا ناس املوا الهوا بحماس املوا الحياة إحساس النور هييجي أكيد راجعين راجعين راجعين يا حياة