في اجتماع عقد يوم الاربعاء 72 يوليو في مقر حزب الوسط ويضم جميع القوي والأحزاب السياسية وشباب ائتلافات واتحادات الثورة ومنسقي الحركات المعتصمة بميدان التحرير.. اتفق الحاضرون جميعا علي ما يلي: 1- توجيه التحية الي المعتصمين في ميدان التحرير وجميع ميادين مصر علي التزامهم بسلمية الاعتصام والتظاهر، والمطالبة بتحقيق فوري وعلني فيما وقع من أحداث عنف مدبرة خلال الأيام السابقة. وأكد المجتمعون علي ان الاعتصام أسهم في تحقيق بعض المطالب المشروعة للثورة، كما أكدوا علي ان استمرار الاعتصام أو وقفه.. حق للمعتصمين وحدهم لاتخاذ قرار بشأنه، وعلي ضرورة حماية المؤسسات العامة والمباني الحكومية ومصالح المواطنين. 2- ان جمعة 92 يوليو هي جمعة توافقية نتوحد فيها جميعا من أجل استكمال مطالب الثورة وأهدافها حتي النهاية.. انطلاقا من الإرادة الشعبية ووحدة الصف.. وصولا الي الاستقرار المنشود لكل المصريين. 3- ان اعلان روح الأخوة والمحبة بين جميع التيارات والقوي المشاركة هو هدف في حد ذاته، ومن ثم فان المجتمعين يرفضون مطلقا جميع معاني وعبارات التخوين أو التخويف الصادرة من أي جهة سياسية أو اعلامية. 4- ان اجتماع اليوم هو بداية لبناء توافقي وطني مستمر حول اتمام تحقيق وتنفيذ مطالب الثورة المشروعة وعلي رأسها: تفعيل ما اتخذ من إجراءات لصالح أسر الشهداء مع تحية الشهداء والمصابين وأسرهم، والشروع الفوري في تنفيذ الاجراءات الكفيلة بتحقيق العدالة الاجتماعية.
كان هذا هو الاتفاق الاجماعي الذي توصل اليه 92 حزبا وحركة.. فما الذي حدث في جمعة 92 يوليو؟ اصبحت القضية الرئيسية بالنسبة للاحزاب الدينية المتطرفة هي رفض أي مباديء دستورية عامة أو ما سمي بمواد فوق الدستورية، وان مصر »دولة اسلامية من اسوان الي الاسكندرية«، وان الشعب »يريد تطبيق شرع الله«، وان كل من قالوا »لا« للتعديلات الدستورية التي اجريت قبل عدة اشهر.. من »فلول النظام السابق«! ورفع اعضاء الاحزاب الدينية شعار »ارفع رأسك فوق.. انت مسلم«، بل ترددت هتافات تقول: »يا.. اوباما، يا اوباما.. كلنا هنا أسامة«- والمقصود هو أسامة بن لادن، زعيم تنظيم »القاعدة« الذي قتله الامريكيون مؤخرا. واعلن الشيخ حافظ سلامة ان مصر ليست في حاجة الي دستور جديد.. ذلك ان لديها دستورا اسلاميا جاهزا، وهدد في حال عدم أخذ المصريين حقهم بالقصاص.. بأنهم سيأخذونه بأيديهم!! وقال داعية سلفي انه شاء الله ان يكون ميدان التحرير الذي وقفت فيه »هدي شعراوي« - زعيمة حركة تحرير المرأة- في بدايات القرن الماضي وخلعت فيه النقاب وتبرجت.. هو ذات الميدان الذي وقفت فيه الملايين للمطالبة بتطبيق سنة الرسول. واعلن الشيخ المحلاوي ان ثورة 52 يناير هي »ثورة اسلامية« خالصة جاءت نتيجة جهد متواصل من الحركة الاسلامية، التي ناضلت منذ السبعينيات وحتي الآن حتي حققت ثمارها. واعتبر أمين حزب العدالة والحرية الاخواني ان المعتصمين خارج الاجماع الوطني. وقال آخرون ان المباديء فوق الدستورية بدعة وان هذا البلد لن يحكمه إلا اسلامي ولن.. يحكمها ليبرالي أو علماني! وجري توزيع منشورات في ميدان التحرير ضد العلمانية ومنشورات اخري حول »دستور اسلامي«.
هكذا تحولت جمعة 92 يوليو الي استعراض لقوة الجماعات المناهضة للدستور وللدولة المدنية ولحقوق المرأة.. والي مظاهرة دعائية لاسامة بن لادن وأحد المرشحين السلفيين لموقع الرئاسة! وترتب علي ذلك انسحاب 43 حزبا سياسية وائتلافا لشباب الثورة وحركة احتجاجية من ميدان التحرير.. حيث ان التيارات الدينية المتطرفة لم تلتزم بما سبق الاتفاق عليه.. وفضلت ان تصور نفسها علي انها المسيطرة علي الجماهير وعلي الوطن. لم يعد هناك مجال لتحقيق »لم الشمل« أو »وحدة الصف« أو »الإرادة الشعبية«، بل اصبح الأمر يتلخص ويتركز في تحقيق هدف أوحد هو إقامة إمارة اسلامية في مصر يرأسها »الإمام«، كما ورد في مشروع »الدستور الاسلامي« الذي يروجون له ويريدون -من خلاله- فرض وصايتهم علي الشعب. لقد تكررت في جمعة 92 يوليو مهزلة تديين ميدان التحرير بعد ان نجحت عملية تديين الاستفتاء علي التعديلات الدستورية في شهر مارس الماضي. كما تكررت لغة الاستعلاء والغطرسة، مثل قول أحدهم ان القوي السياسية التي انسحبت من الميدان »لا وزن لها«! وتصريح علي لسان آخر جاء فيه انه »لولا القوي الاسلامية التي شاركت في الثورة.. فانها لم تكن -الثورة- لتنجح«! وكل مصري يعرف انه لا توجد ادني علاقة بين شعارات ثوار 52 يناير، عن الدولة المدنية والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وبين شعارات المتاجرة بالدين.. ويتجاهل قادة الاحزاب الدينية ان شباب ثورة 52 يناير هم السبب في الافراج عن اعضائهم في السجون، التي عانوا أمدا طويلا وراء أسوارها. ولم يكن ثوار 52 يناير يفرقون بين مسلم ومسيحي ويمارسون عمليات تصنيف وتقسيم لابناء الوطن علي اساس الدين. إذن.. هي محاولة لاختطاف وسرقة الثورة من اصحابها الحقيقيين.. ولو ظل قادة الاحزاب الدينية مئات السنين -ومعهم أسامة بن لادن- يحتشدون ويناضلون.. لما استطاعوا تحقيق ما حققه ثوار 52 يناير. وثمة علامات استفهام حول اصحاب المصلحة في تشويه الثورة ووضع القوي في مواجهة بعضها البعض ونسف كل محاولة للتوافق وتوحيد الصف الوطني. ولا معني علي الإطلاق لمحاولة الاحزاب الدينية تقديم نفسها علي أنها المدافع عن قواتنا المسلحة.. فلا يوجد أي خلاف بين جميع الفصائل والاحزاب والتيارات حول الدور الوطني المشرف للقوات المسلحة، كذلك لا توجد أي مشكلة مع المجلس الأعلي للقوات المسلحة.. وتوجيه انتقادات لبعض قراراته أو قوانينه شيء عادي.
وأخيرا.. لماذا هذا الغضب الهستيري من جانب الأحزاب الدينية في مواجهة أية وثيقة تدور حول مباديء عامة للدستور وضوابط لاختيار الجمعية التأسيسية لوضع الدستور وهو ما تركزت حول الحملة المتطرفة في جمعة 92 يوليو؟ ما هي الجريمة في وضع وثيقة مستمرة من افكار وثائق الوفاق القومي والأزهر والتحالف الديمقراطي من أجل مصر »الاحزاب السياسية« والدكتور محمد البرادعي والمستشار هشام البسطويسي ومنظمات حقوق الانسان ووثيقة مستقبل مصر ووثيقة المجلس الوطني المصري..؟ ما هي الكارثة -من وجهة نظر أعداء الدستور- في اعلان المباديء الأساسية للدولة المصرية الحديثة التي تنص علي ان النظام السياسي للدولة جمهوري ديمقراطي يقوم علي تعدد الأحزاب السياسية والتداول السلمي للسلطة، والسيادة للشعب وحده، وانه مصدر كل السلطات، وان سيادة القانون هي اساس الحكم في الدولة التي يقوم نظامها علي مبدأ الفصل بين السلطات، واستقلال القضاء، وعدم جواز تعريض أي انسان للتعذيب أو المعاملة المهينة، لكرامته، وان جميع المواطنين أحرار ومتساوون أمام القانون مع إقرار حرية العقيدة والتفكير وحرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة ووسائل الاعلام.. إلخ ما ورد في اعلان المباديء الأساسية للدولة المصرية المدنية الحديثة. ما الذي يزعج هؤلاء السادة من التوافق حول هذه المباديء؟ كلمة السر: إنهم يريدون دستورا لدولة دينية.