في عهد الإمام الاكبر الدكتور عبدالحليم محمود شيخ الأزهر اوصي المؤتمر الثامن لمجمع البحوث الاسلامية بوضع دستور اسلامي مدني ولم يكن هدف وضع هذا الدستور ان يؤخذ به في مصر وحدها وانما تم وضعه ليكون تحت طلب اي دولة تريد ان تأخذ بالشريعة الاسلامية منهاجا لحياتها. واذا كانت مصر كلها الآن تناقش وتبحث اصدار الدستور الجديد ليعالج كل سوءات الماضي ويضع مصر علي اعتاب مستقبل واعد جديد، يصبح غريبا ومثيرا للدهشة استمرار تجاهل هذا الدستور الذي وضعه علماء الامة واستمدوا أحكامه من مختلف المذاهب والآراء الفقهية بل يصبح تجاهل هذا الدستور جريمة في حق الشعب المصري بكل طوائفه خاصة ان الشريعة الاسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع!! ويبدو ان ذلك الجدل السياسي المثار بشأن الاخوان المسلمين تارة والسلفيين تارة اخري واستخدامهما بالتبادل كفزاعة لارهاب المجتمع واخافته من الاسلام يقف وراء تحرج فقهاء الدستور من ان يمدوا ايديهم نحو هذا المشروع الدستوري لفحصه والتأكد من ان مواده قوية وواضحة وتحقق مصلحة هذا الوطن بكل طوائفه واولها مصلحة الاخوة المسيحيين الذين سيحصلون علي حقهم في ظله من العدل والسلام والمحبة. واذا كانت مصر دولة اسلامية حقا وليست اسما فإن النظر في هذا المشروع يصبح فريضة واجبة حيث لا ينبغي ان يوجد في دولة اسلامية احكام تخالف احكام الشريعة أو ان يتحاكم الناس إلي غير ما استقر عليه الفقه الاسلامي في جعل كثير من الناس في حالة شك وبدأ البعض يظن ان الاخذ بالانظمة المدنية الاوروبية هو الافضل لهذا الوطن في حين ان ولاء المسلمين لشريعة الله امر لا جدال فيه. وفي يدي وثيقة رائعة صدرت عام 2391 عن مؤتمر لاهاي للقانون المقارن توضح التقدير الكبير من العلماء المنصفين للتشريع الاسلامي الذي بدأ في ذلك الوقت يسود بين فقهاء اوروبا وامريكا.. حيث اعترف اكبر الفقهاء بفضل الاسلام علي القانون الدولي العام وأقروا بحكمة نظام المواريث وتطبيق الحدود والعقوبات. واستعرضوا في هذه الوثيقة وصية ابي بكر الصديق لجنوده والاوامر التي اصدرها في قرطبة الخليفة الحاكم بن عبدالرحمن في نظم الحرب والتي اخذت منها الكثير المواثيق والمعاهدات الدولية. ويقول الفقيه الفرنسي لامبيز نصا »ان الشريعة الاسلامية تضم عناصر لو تولتها يد الصياغة القانونية المعاصرة لصنعت منها نظريات ومباديء لا تقل في الرقي والشمول وفي مسايرة التطورات الحديثة عن اعظم النظريات الفقهية التي نتلقاها عن الفقه الغربي اليوم« وتضم الوثيقة 41 قاعدة فقهية تنظم المعارك والحروب التي تنشب بين الدول اخذها مؤتمر لاهاي عن الشريعة الاسلامية وصدرت عنه ليؤخذ بها في جميع المعاهدات الدولية المنظمة لعلاقات الدول في حال نشوب منازعات بينها منها قواعد حماية النفس أو حق الحياة، والنهي عن قتال غير المعتدين وتحريم الحرب العدوانية. وحق الدفاع عن النفس.. وعقوبة الخيانة أو نقض المعاهدات والتدخل لنصرة المظلوم والاستعداد بالقوة لارهاب الاعداء والحفاظ علي البنية الاساسية وحماية المال العام وحماية المدنيين الذين لا يقاتلون المعاملة الاسري وحقوق القتلي وضوابط النزاعات المسلحة الداخلية وغيرها من القواعد وكلها تناولتها الشريعة الاسلامية والسنة المطهرة وتم اعتمادها كمرجعية عالمية لها السبق علي كل القواعد الدولية التي اخذت منها.. فهل يجوز وهذه نظرة العالم للقواعد الاسلامية ان يظل واضعو الدستور المدني الحديث في مصر بمنأي عنها. يتحرجون من الاقتراب منها تحسبا من اتهامات بالموالاة لتيار ديني؟ وهل يصبح الاخذ بالشريعة الاسلامية في هذا الزمن سبة أو اتهاما بينما نحن نعد لمجتمع جديد متحرر من القيود؟