تابعت عن كثب القضية المثارة في أوروبا حاليا بشأن تلوث بعض الخضراوات خاصة الخيار والطماطم وبعض الخضراوات الورقية التي تؤكل طازجة ووصل الأمر إلي التشكك في وصول التلوث إلي الفاكهة أيضا. وحقيقة الأمر أن أغلب دول أوروبا وبسبب ارتفاع معدلات الدخول إتجهت إلي استهلاك الخضراوات والأغذية العضوية والمنتجة من دون استخدامات الكيمياويات سواء أسمدة كيميائية أو مبيدات أو منشطات أو هرمونات وغيرها وهو أمر شبيه بما كان يحدث طبيعيا قبل العصر الصناعي وبداية استخدام هذه الكيمياويات في القطاع الزراعي. إحلال الأسمدة الكيميائية استلزم استخدام كميات كبيرة من الأسمدة العضوية والتي تتكون من المخلفات البشرية والحيوانية وزرق الدواجن بالإضافة إلي أن عددا كبيرا من دول أوروبا تعيد استخدام مياه الصرف الصحي في الري بعد تمام معالجتها ثلاثيا بما يقضي تماما علي كافة أنواع الميكروبات التي يمكن أن تحتويها بالإضافة إلي تمام التخلص من الفلزات الثقيلة والعناصر الصغري الضارة، وهذا أسهل كثيرا من التخلص من الميكروبات (بكتريا وفطر وفيروس وطحالب وأميبا وبروتوزوا ..... وغيرها) الموجودة في الجزء الصلب من المخلفات البشرية والحيوانية والداجنة. فهذه المخلفات الصلبة توضع في مكمورات (تبسيطا للأمر) بنظام محدد بالخلط مع بقايا مخلفات المزرعة من بقايا نباتات وأفرع وأوراق وخلافه وتترك لفترة من الزمن للنضح حيث ترتفع درجة الحرارة داخل هذه الكومة أثناء التحلل عادة ما تكون كافية لقتل الميكروبات الممرضة والضارة الموجودة في المادة العضوية البشرية والحيوانية، مكونة في نهاية فترة الكمر ما يسمي بالمادة العضوية تامة التحلل (الكمبوست) والخالية من الميكروبات والغنية في العناصر السمادية اللازمة لنمو الخضراوات والفاكهة العضوية. هذه الأمور توضح أن حدوث خللا في منظومة إنتاج المادة العضوية تامة التحلل دون حدوث تعفن أو تخمرات ضارة يمكن أن يؤدي إلي تسرب ميكروبي خاصة من النوع السائد والنشط المعروف بأسم البكتريا البرازية أو الإي كولاي E. Coli أو - إيشيريشيا كولاي - والمسببة لأمراض التيفود والنزلات لمعوية والتي خلدها الأديب الإنجليزي الشهير تشارلز ديكنز في روايته "قصة مدينتين" في كيفية إكتشاف إصابة سكان العاصة لندن بالتيفود بسبب سوء الصرف الصحي. السلالات الحديثة من هذه السلالة الميكروبية أصبحت أكثر شراسة بحيث يمكنها إصابة جدار المعدة والأمعاء الدقيقة بالتقرحات الحادة Ulcer محدثة نزيفا وقيئا دمويا وبعضها قد يخترق جدران الجهاز الهضمي مصيبا الغشاء البريتوني ومسببا الوفاة. هذه هي أحد عيوب أو التحفظات علي الزراعة والأغذية العضوية التي توضع في قائمة العيوب والمميزات والتي تتفوق فيها المميزات علي العيوب والمخاوف. هذه الأمور عادة ما تحدث في الزراعات العضوية سواء في الصوبات الزراعية بشكل رئيسي أو في الزراعات المفتوحة بشكل ثانوي وبالتالي فإنه بدخول فصل الصيف وإنحسار زراعة الصوبات التي تستغل في مصر شتاء فقط لإنتاج الخضراوات الصيفية لرفعها لدرجة الحرارة بداخلها، فإن الأخطار تكون بادية في الإنحصار وبالتالي لا خوف من حدوث تلوث في المنتجات الزراعية. الشئ الخطير والذي يستوجب الاهتمام في مصر هو الكم الهائل من مخلفات الصرف الصحي وغير المعالج التي تصرف علي الترع والمصارف والتي تستخدم دوريا في الري وما يصحبها من زيادة نشاط الميكروبات في فصل الصيف وبالتالي وجود أعدادا كبيرة من هذه الميكروبات الممرضة تلامس الخضراوات في الحقول وتسبب الإصابة بالكثير من حالات النزلات المعوية خاصة مع الخضراوات الورقية والتي تؤكل طازجة دون طهي مثل الخس والطماطم والجرجير والبقدونس والشبت وكرنب السلطة والجزر وجميع مكونات طبق السلطة. ولهذا الأمر ينبغي علي كل سيدة منزل أن تراعي العناية الكافية في غسيل هذه الخضراوات بعناية وهدوء ويفضل نقعها أولا في طبق كبير يسمح بغمرها بالمياه وتترك لمدة خمس دقائق تكون كافية لخروج الميكروبات الملتصقة بهذه الحاصلات إلي المياه كما تسمح أيضا بخروج تركيزات ليست بالقليلة من المبيدات الكيميائية المستخدمة في الزراعات غير العضوية، ويتم بعدها التخلص من مياه النقع ثم غسل الخضراوات كالمعتاد. أيضا ضرورة استخدام عصير الليمون الطازج أو الخل في إعداد طبق السلاطة. وقبل كل هذا وبسبب وجود مخلفات الصرف الصحي في كافة أنواع مياه الري في مصر فالنصيحة الأهم لمشتري الخضراوات والفاكهة من الأسواق وملامستها باليد أن يتم غسيل الأيدي بالماء فقط لمدة عشر ثوان ثم بالماء والصابون بمجرد العودة إلي المنزل مع الحرص علي عدم ملامسة اليدين للعين أو الأنف قبل غسيلها. هذا الأمر ينطبق أيضا علي البيض بكل أنواعه والذي ينبغي غسيله بالماء قبل حفظه بالمنزل وكذلك ثمار الليمون وهي الأشياء التي أعتدنا علي عدم غسيلها قبل الاستخدام أو الحفظ في الثلاجة. هذه الأمور البسيطة والاهتمام المستقبلي بالتوسع في إدخال الصرف الصحي إلي الريف يمكن أن تكون أهم محددات سلامة الغذاء في مصر.