أتري حين أفقأ عينيكَ .. ثم أثبت جوهرتين مكانهما.. هل تري..؟ هي أشياء لا تشتري.. من أروع قصائد الشاعر الكبير أمل دنقل التي دعت العرب لرفض التصالح مع اسرائيل عدونا الأول وحتي يرث الله الأرض ومن عليها .. لأن ما بيننا وبينهم دماء زكية طاهرة تطلب القصاص ولا نملك حق التفريط فيها. هل يصير دمي - بين عينيك- ماءً؟ أتنسي ردائي الملطَّخَ بالدماء.. تلبس -فوق دمائي- ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟ تذكرت قصيدة أمل دنقل الثورية مع ظهور نغمة المطالبين بالعفو عن الرئيس المخلوع حسني مبارك لأسباب هاوية مثل كبر سنه ولأنه من ابطال حرب اكتوبر وأن مصر تمتعت في عهده بالاستقرار ولم تدخل حروبا .. وكأننا لم نعش في عهده تحت قبضة بوليسية غاشمة توغلت بأذرعتها الأخطبوطية في كل منحي من مناحي حياتنا ، وكأنه لم يحول أراضي مصر إلي كعكة قسمها بينه وبين أعوانه اللئام ولم يتركوا للشعب حتي الفتات ، وكأنه لم يزد الفقراء فقرا والأغنياء غني فازدادت الفجوة بينهما اتساعا ، وكأن حكوماته المتعاقبة لم تبع أصول الشعب ومصانعه بتراب الفلوس لتحصل علي عمولات انتفخت به كروشهم دون أن يشبعوا .. وكأن ترزية القوانين لم يسخروا علمهم لوضع قوانين مقيدة للحريات وتفصيل مواد دستورية علي مقاس الوريث .. إنهم يلوحون الآن برد الملايين المنهوبة من أموال الشعب المصري في مقابل حرية الرئيس المخلوع وزوجته وابنيه وربما العفو عن كبار اللصوص المتغطرسين ممن يسمون برجال الأعمال .. خاصة مع الاعلان عن الموقف الاقتصادي الحرج للبلاد لتناقص الاحتياطي النقدي و توقع انخفاض معدلات النمو وانخفاض دخل السياحة وتوقف عجلة الإنتاج سواء بالإضرابات أو بالكساد .. فهل نسامح من سرق الشعب الذي ائتمنه علي مصيره ومستقبل أجياله ؟ وهل نترك من أفسد دون حساب من أجل بضعة ملايين لا تمثل الا قطرة في بحر ثرواتهم الحرام؟ لا.. قالها الشعب في ميدان التحرير يوم الجمعة الماضي عندما خرج في مليونية رفض العفو عن مبارك.. فمن يملك التسامح في دم حوالي ألف شهيد للثورة ومئات الجرحي نسبة كبيرة منهم فقدوا أعينهم برصاص القناصة لهذا تذكرت مطلع قصيدة أمل دنقل أتري حين أفقأ عينيك .. ثم أثبت جوهرتين مكانهما.. هل تري؟ هي أشياء لا تشتري! لكن هناك من يحاول شراء تنازل من فقدوا عيونهم خلال أحداث 28 يناير شاهدنا بعضا منهم علي شاشة قناة التحرير مع الكاتب بلال فضل وحكوا تفاصيل عروض من أعوان وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي بالتنازل عن بلاغاتهم مقابل عشرين ألف جنيه .. يا بلاش ! إنها الجوهرة التي يضعونها مكان العين التي فقدت بطريقة شيطانية مقصودة.. لكن أغلب المصابين رفضوا التنازل عن حقهم. ولن يتنازل أهالي الشهداء عن القصاص لأبنائهم من القتلة وعلي رأسهم مبارك والعادلي ورجاله.. وستظل أرواح الغارقين في العبارة التي مازال مالكها ينعم بالحرية بالخارج دون أن تطاله يد العقاب وضحايا قطار الصعيد ومحرقة مسرح بني سويف تنادي بالقصاص ممن استهانوا بأرواح المصريين والذين أدخلوا الأسمدة المسرطنة والقمح الفاسد واللحوم التي لا تصلح للاستهلاك الآدمي .. هذا بعض من مظالم عامة يحملها المصريون لمبارك عدا مظالمهم الخاصة. فكيف نعفو ؟ وتأتي مقاطع قصيدة أمل دنقل مواكبة لذكراه الثامنة والعشرين ولتعيين زوجته الصديقة الأديبة عبلة الرويني رئيسة لتحرير جريدة أخبار الأدب وهي جديرة بالمنصب وصاحبة رؤية ابداعية.. تعرفها الأوساط الأدبية المصرية والعربية وتحظي باحترام وتقدير الجميع.. واذا قرأت كتابها الانساني (الجنوبي) ستعرف قصتها القصيرة العميقة مع شاعر كبير مات بالسرطان في الأربعين ولكن أشعاره ظلت تحرض علي الثورة.