منع وحجب الكونجرس لمبلغ من المعونة الأمريكية المخصصة لمصر يستدعي التحليل السياسي الدقيق.. وليس من الحكمة ادعاء أن الأمر غير مهم.. لا هو مهم.. وأهميته ليست في القيمة المالية للمعونة، وإنما في الدعم الفني والتكنولوجي الذي يأتي معها وفي رسالة الاستقرار في العلاقة الدولية مع قطب العالم الأوحد. الكونجرس أصاب في تأكيده أن مصر تتعرض لخطورة حقيقية من الإرهاب في سيناء.. انما اخطأ حينما قال إن مصر تشهد موجة من انتهاكات حقوق الإنسان. كان علينا أن نعمل أكثر حتي لا يخطئ الكونجرس هذا الخطأ.. كان يجب ان نفهم ان أمريكا أصبح لديها عقدة منذ 11 سبتمبر 2001 وأنها قررت أن تغير الأوضاع التي أدت بالإرهاب الي ضربها في عقر دارها. كان يجب ان نجتهد في افهام الامريكيين والعالم الفارق في تطبيق الديمقراطية في مجتمعاتهم المسئولة الواعية ومجتمعنا الذي مازالت تنتشر فيه جهالة مائلة للأثار والتدمير والتخوين بحكم نمط فقه يسيطر علي عقولنا متأثرا بما يحدث في محاكم التفتيش حين تحتك افكار المواطنين عند الخلاف علي تعريف المصلحة العليا للبلاد. ثم انني أذكر أن الكونجرس قد جانبه الصواب ايضا حينما دلل لتوجهاته التي أعلنها نحو التصرف في المعونة لمصر بتقرير للبنك الدولي صادر في 2014 يقول أن السياسات الاقتصادية المصرية تميل نحو مشروعات ليست كثيفة العمالة. هذا الخطأ في الاستدلال بالاستعانة بتقرير صادر في 2014 من البنك الدولي يدعو للتأمل بهدوء.. فهو صادر قبل أن يوقع الأخير مع مصر برنامج الإصلاح الاقتصادي ومجرد أن هذا البرنامج قد وضع موضع التنفيذ.. وان البنك والصندوق قد صرفا لمصر شرائح القرض بالتتابع المقضي في خطة الاصلاح المتفق عليها فهذا أكبر اعتراف دولي متخصص بأن مصر تسير صحيحاً في الاصلاح الاقتصادي. وبديهي أن الاصلاح يبدأ بالسياسات وهو ما يدحض جملة وتفصيلا ما ذهب إليه في الاستدلال الكونجرس الأمريكي ويفتح لنا الباب لمحاجاة منطقية لافهامهم الوضع الصحيح دونما الدخول في معارك جانبية لا طائل منها سوي السلبية والخسارة التي لا لزوم لها. وحري بنا أن نرد علي هذا الخطأ الأكبر بأن الدائرة الانتخابية للرئيس هي جموع الشعب المصري التي ايدته في كافة الاستحقاقات الديمقراطية منذ 30 يونيو، وفي انتخابات متتابعة شهد العالم بنزاهتها كلها.. وما كان يمكن لأي حكومة أن تتخذ إجراءات الاصلاح الاقتصادي الصعبة علي المواطنين لولا الظهير الشعبي الكبير للرئيس..ثم ان المشروعات القومية الجارية الآن علي ارض مصر لا شك انها كثيفة العمالة جدا بغير ما يدعي الكونجرس وهذه سياسة مقصودة لحماية البلاد اجتماعياً بعد السنوات العجاف التي مرت بها منذ 25 يناير، بتوفير فرص عمل للشباب من أجل حد ادني من التشغيل والنمو، لاقتصاد مرهق يمر بفترة عصيبة.. وهي ايضا سياسة مقصودة من أجل إنشاء بنية أساسية ضرورية للنمو الاقتصادي المنشود. الحقيقة ان استراتيجية العمل الاقتصادي الناجح تقوم علي مستويات تتراوح ما بين بعيدة المدي - متوسطة - وقصيرة المدي. والأخيرة ذات مكاسب سريعة لخفض الاحساس بالضيق المالي بين المواطنين. نعم لجأت الدولة لمبادرات تشجيعية للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة.. إنما هذه مبادرات سوف تأخذ وقتاً وتحتاج تغيرات كبيرة في قواعد العمل المالي والاقتصادي بالبلاد. كان الأفضل من وجهة نظري.. ومازال ذلك ممكناً تشجيع القطاع الخاص المتعثر وتقديم الدعم الإداري والتسويقي والفني المصري والاجنبي المطلوب له ليعود بأنشطته سريعا.. وتشجيع اقامة مشروعات سريعة إنتاجية جديدة تبني علي ما لدينا من قيمة مضافة ومزايا نسبية، تنشأ لها شركات صغيرة ومتوسطة ومتناهية الصغر أيضاً تقوم علي اكتتابات عامة بين المواطنين والبنوك والغرف الصناعية والتجارية وشركات إدارة وتسويق أجنبية ومصرية متخصصة، لاعادة الحياة الي الأسواق من جديد، والمساهمة في رفع اجمالي الناتج المحلي، ودفع النمو، ورفع المعاناة عن كاهل الناس في أسرع وقت ممكن.إنما في كل الأحوال ما اريد ان اؤكد عليه أن الرد المصري علي الكونجرس يجب أن يكون بدبلوماسية هادئة وبلغة فنية محترفة رصينة من خلال المسئولين المتخصصين. وعلي غير المتخصصين الصمت.. لأن العلاقات الدولية، مسألة تمس الأمن القومي المصري ولا يصح فيها شعبوية السجال وعمومية الحجة. وفق الله رئيس البلاد وحكومتها لما فيه الصالح العام.. وتحيا مصر