التيارات والجماعات الدينية بدأت عملية مطاردة للتيارات والجماعة الليبرالية.. وتستخدم في المطاردات أسوأ أنواع الأسلحة، ابتداء من سلاح التخوين والاتهام بالعمالة، وانتهاء بسلاح التكفير والتحريض ضد الدين، مرورا بإثارة الفتن! نفهم أن يتمسك أصحاب الدولة الدينية بموقفهم.. ونفهم إصرارهم علي أن هذه الدولة الدينية هي الأفضل لمصر من وجهة نظرهم.. بل و نفهم أيضا مراوغاتهم، حينما حاولوا الاختباء وراء شعار الدولة المدنية، بعد أن اشترطوا أن يضيفوا لها مرجعية دينية. كل هذا نفهمه ونستوعبه، لأن من حق أي تيار أو فصيل سياسي أن يتمسك برؤاه وأفكاره الأيدلوجية.. ولكن الذي لا نفهمه ولا نقبله أيضا هو أن يتباري المتنافسون علي الساحة السياسية بطريقة خالية من القواعد السليمة والديمقراطية، بما يجعلهم يحولون هذه الساحة من ساحة تنافس سلمي إلي صراع دموي. أليس اتهام تيار سياسي فصيلا سياسيا آخر بأنه يحرض ضد الدين هو في حد ذاته تحريض علي قتل واغتيال رموز وأنصار هذا التيار؟! وأليس اتهام تيار سياسي فصيلا سياسيا آخر بأنه يخدم أجندات خارجية هو طعن في وطنيته، واتهام له بالعمالة لأصحاب هذه الأجندات الخارجية؟! هذا بصراحة.. أسوأ شئ يمكن ان يحدث لنا سياسيا.. أن نوجه إلي صدور بعضنا البعض أسلحة التكفير، ونشهر في وجوه بعضنا البعض أسلحة التخوين.. لأن ذلك يشجع من توجه إليه هذه الأسلحة علي أن يستخدمها هو الآخر ضد من يوجهها إليه.. وهكذا بدلا من أن نتنافس سلميا في الساحة السياسية سوف نتصارع بل ونتقاتل فيما بيننا.. وسوف يتحول التنافس السلمي علي السلطة والذي تضمنه الديمقراطية التي نسعي إليها، إلي صراع دموي.. فاتهام أحد في وطنيته أو في دينه هو اهدار لدمه.. فهل هذا ما يسعي إليه انصار الدولة الدينية؟! ان استخدام أنصار الدولة الدينية هذه الأسلحة في مطاردة خصومهم من الليبراليين وأنصار الدولة المدنية ضار لهم ولن يكسبهم شيئا.. لأنه سوف يخيف كل القوي السياسية الأخري.. ليبرالية، ويسارية، وحتي دينية معتدلة ومستنيرة، منهم وسوف يجعل المواطنين العاديين يشكون في أخلاصهم بالفعل لقضية الديمقراطية. استخدام هذه الأسلحة من قبل الإخوان أو أية تيارات سياسية دينية أخري سوف يباعد بينها وبين التيارات السياسية الأخري التي تستهدف ديمقراطية حقيقية تضمن تداولا سليما وسلميا للسلطة.. تداولا مستمرا.. وليس تداولا لمرة واحدة وحيدة تستخدم فيها صناديق الاقتراع كسلم للوصول إلي السلطة ثم يتم كسر هذا السلم فيما بعد، لمنع أية قوي أخري من الوصول إلي السلطة. بصراحة استخدام الإخوان وأية تيارات سياسية دينية أخري أسلحة التخوين والتكفير في التنافس السياسي أمر يزيد الشكوك أكثر فيما يعلنونه من تأييد أو موافقة علي فكرة الدولة المدنية.. ففي الدولة المدنية هناك إعمال فقط لقواعد القانون وحده.. ولا أحد يدعي أن ما يقول به مقدس لا يجوز الطعن فيه.. ولا أحد يملك اتهام آخر في شرفه الوطني أو عقيدته الدينية.. أما عندما يبدأ الإخوان- كما فعل مرشدهم- في اتهام من اسماهم صحفيين علمانيين بخدمة أجندات خاصة والتحريض ضد الدين وتغذية الفتن، فهذا يعني أنهم يمنحون أنفسهم حق فرز الناس بين متدين وآخر يحرض ضد الدين.. وهذا حق لا يملكونه وليس من المفروض أن يملكوه هم وغيرهم في الدولة المدنية.. فأية دولة مدنية إذن يوافقون عليها أو لا يعارضونها؟! ثم أليس تكفير المعارضين أو المنافسين السياسيين هو ذات الأسلوب الذي قامت واعتمدت عليه جماعات العنف السياسي، وهي الجماعات التي تورطت في عمليات عنف وارهاب لم يقتصر علي الأمن ورموز الحكم فقط، إنما طال المواطنين العاديين والمنشآت السياحية والاقتصادية؟ ان طريق التكفير لابد وان يقود إلي العنف في النهاية.. والعنف لا يصنع ديمقراطية، ولا يقيم اقتصادا قويا، ولا يحقق عدلا.. بل علي العكس تماما يصنع ديكتاتورية، ويهدم الاقتصاد، وينشر الظلم في ربوع البلاد. وإذا كان الإخوان وغيرهم من الفصائل والتيارات السياسية الدينية يريدون أن يحوزوا علي ثقة الناخبين، والاحتكام فعلا لصناديق الانتخابات، فإن الأفضل لهم أن يكفوا عن مطاردة المنافسين السياسيين، خاصة الليبراليين واليساريين.. عليهم ان يتوقفوا فورا عن استخدام أسلحة التكفير في مواجهة المنافسين.. وليتذكر هؤلاء أنهم قد يعانون أيضا من أذي هذه الأسلحة.. فهذه التيارات فرق وشعب مختلفة، حتي وان حاولت الاتفاق والتوحد في مواجهة الخصوم السياسيين، ولفرض الدولة الدينية علي البلاد. الدولة المدنية وحدها هي التي يمكن ان تكون عصرية.. والدولة المدنية وحدها هي الديمقراطية.. وهي أيضا وحدها ستكون عادلة.. وستوفر الأمان للجميع، مسلمين قبل المسيحيين، من شرور التطرف الديني.. وقانا الله هذه الشرور.